نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

الأبناء ضحايا الطلاق

الشيخ د. محمّد حجازي


لقد شاءَت الإرادة الإلهيّة أن تجعل النظام الاجتماعيّ الإنسانيّ قائماً على أساس بناء الأسرة المؤلّفة من الثنائيّة البشريّة؛ الذكر والأنثى، والتي ظهرت بمظهر التزاوج، والتلاقح، والتناسب.
قال الله تعالى:
﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا﴾ (الأنبياء: 45).


ولأجل ديمومة عمليّة التناسل والتوارث التكوينيّ البشريّ واستقرارها، شرّع الله تعالى أُطراً وحدوداً لحفظ تلك العلاقات الثنائيّة بين الرجل والمرأة (الزوجيّة)، وصانها بمئات الأحكام؛ بدءاً من مقدّمات الزواج وشروط عقده، ومروراً بالتفاصيل التي توزّع الأدوار كلّها على جانبيّ الحقوق والواجبات، وانتهاءً بمفاعيل العلاقة الزوجيّة ونهاياتها، وكلّ ما يرتبط بها من أحكام الحضانة والتربية، والنفقة، والمواريث، والوصايا، وغير ذلك.

•الغاية من الزواج
وممّا لا شكّ فيه، أنّ هذا الاهتمام البالغ ما كان إلّا لأنّ التشريع الإلهيّ حرص على التعاطي مع هذا الموضوع الدقيق على قدر عالٍ من المسؤوليّة؛ وذلك لأنّ نواة تشكُّل صورة الوحدة الاجتماعيّة للأمّة جمعاء تنطلق من هذا التكوين الزوجيّ الإنسانيّ، الذي يساهم في بناء الحياة، وإعمار الكون، ويفسح بالمجال لتناقل الموروث الدينيّ والبشريّ بشكلٍ سلس وناجح.

ومن هذا المنطلق، ربط النـبـــيّ محمّــد صلى الله عليه وآله وسلم بين الجانب الوضعيّ للزواج وبين أبعاده وأهدافه الدينيّة والغيبيّة، حيث رُوي عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "ما يمنع المؤمن أن يتّخذ أهلاً، لعلّ الله يرزقه نسمة تثقل الأرض بلا إله إلّا الله"(1).

إنّ الغاية العظمى من الزواج هي إقامة الفرائض التوحيديّة وتربية الأولاد على ذلك ضمن بيئة عائليّة ناجحة، ومسؤولة، ومدركة لهذه الحقائق.

لأجل ذلك كلّه، اعتبر الله تبارك وتعالى أنّ أيّ تعثّر في العلاقات الزوجيّة سيكون حجر عثرة في طريق تحقيق الغايّة من الزواج، خصوصاً إذا ذهبت الأمور إلى خاتمة حزينة ومأساويّة تقتضي انفصال الزوجة عن زوجها، وحدوث زلزال عنيف عند الأولاد بسبب فقدان الشعور بالأمان والاستقرار النفسيّ الداخليّ.

•أبغض الحلال
يعتبر الطلاق من أكثر العوامل الاجتماعيّة للاضطرابات لدى الأطفال؛ وذلك لأنّ "الانفصال والطلاق أو المقاطعة بين الوالدين لا يمكن للطفل أن يتحمّلها"(2)؛ ولهذا، فإنّ الإسلام دعا إلى الزواج، ولم يدعُ إلى الطلاق، بل عدّه من القسم الحلال المبغوض عند الله سبحانه وتعالى، وذلك لأنّه يؤدّي إلى فتنة وفساد كبيرَين في المجتمع، سواء كان ذلك للزوجين نفسيهما أو للأولاد. وما يهمنا هنا، هو تسليط الضوء على آثار الطلاق النفسيّة والاجتماعيّة على الأبناء، وما له من نتائج وخيمة في بقيّة مراحل حياتهم.

1- الآثار النفسيّة للطلاق على الأولاد
تختلف الآثار النفسية للطلاق، وتتعدّد بحسب المراحل العمريّة التي يمرّ فيها الولد:

أ- فإن حصل الطلاق في عمر الطفولة المبكّرة فإنّ ذلك -بحسب الدراسات العلميّة النفسيّة- سيؤثّر على نموّ الولد الجسديّ والنفسيّ، وسيعاني من مشاكل عديدة، ككثرة البكاء الزائد على حدّه.

ب- وإن وقع الطلاق والولد في عمر الثلاث سنوات وما فوق، قد يشعره بالذنب والمسؤوليّة، وتظهر عند بعض الأولاد حالات الحزن، وآلام المعدة، وغير ذلك.

ج- وفي حال كان الطلاق قريباً من عمر التمييز والمراهقة، فستنتاب الولد حالات من القلق وردّات فعل قاسية خوفاً من خسران حبّ أمّه وأبيه، كما حصل لأبويه. وفي بعض الحالات، ثمّة آثار سيّئة جدّاً على مستوى فقدان الثقة بالوالدين؛ لأنّهما أضاعا جوهر العلاقة، وهما غير جديرَين بأن يثق الولد بهما.

د- والأصعب من ذلك كلّه، شعور الولد بالغربة العاطفيّة بسبب انقسام العائلة، والابتعاد الحسّيّ المباشر بين أفرادها، والذي سيؤول إلى فرط علاقة الأسرة بعضها ببعض.

وعلى الرغم من وجود حالاتٍ استطاع فيها الأولاد تجاوز العديد من الآثار السلبيّة لطلاق والديهم، لكنّ ذلك لا يعني بالضرورة خلوّ الولد من الكثير من التساؤلات الباطنيّة، وردّات الفعل المخبّئة داخل كلّ ولد على حدة.

2- الآثار الاجتماعيّة للطلاق على الأولاد
في الوقت الذي يؤكَّد فيه على خطورة الآثار النفسيّة للطلاق على نفس الولد، "فإنّ أوّل من يتشرّب تلك الحالات ويتأثّر بها هم أفراد الأسرة؛ لأنّهم سيشعرون بحالة من الضياع والتشتّت"(3). ولا ينبغي أن يغيب عن بالنا الآثار الاجتماعيّة الأخرى -وفي كثير من الأحيان لا يتنبّه الوالدان إليها-، والتي في مقدّمتها:

أ- يتعلّم الولد مهارات التواصل الاجتماعيّ والقدرة على الاندماج مع الناس والتحاور معهم من خلال التربية الاجتماعيّة داخل الأسرة، وفي حال وقع الطلاق -وخصوصاً في عمر طفوليّ مبكّر-، فإنّه سيؤثّر على الولد اجتماعيّاً، وسيشكّل عنده عقدة نقص، وذلك من خلال الشعور بعدم القدرة على الاحتكاك بالناس والعيش بينهم بشكلٍ آمن.

ب- قد تظهر عند بعض الأولاد مؤشّرات على وجود سلوكيّات عدوانيّة، ويظهر ذلك من خلال النزاعات المتزايدة مع قرنائهم وأصدقائهم.

ويحتاج هذا الأمر إلى احتواء ومعالجة مبكّرة، كي لا يوقع الولد في متاهاتٍ مستقبليّة لا يخرج منها غالباً.

ج- انخفاض معدّل التحصيل الدراسيّ، والتراجع التدريجيّ في المستوى التعليميّ؛ ممّا يستدعي من المدرسة عادةً طلب الأهل للاستفسار عن هذا الأمر. وفي حال نشوء خلافات بين الزوجين تكون مؤدّية إلى الطلاق، لا بدّ من إخبار إدارة مدرسة الأبناء بذلك؛ من أجل احتواء الآثار الناتجة عنه.

د- استخدام الولد ألفاظاً بذيئة وكلمات اتّهاميّة، حيث قد يستخدم الزوجان الكثير من الألفاظ الساقطة والنابية، على مسمع الأولاد، حين نزاعاتهما قبل الطلاق وبعده، فحيثما يخرج الولد من بيته إلى مدرسته، أو إلى أقاربه أو أصدقائه، ينقل صورة بشعة عمّا يراه ويعاني منه في بيت أبوَيه، وأحياناً، يقوم بنطق بعض الكلمات البذيئة مع الكبار أو الصغار، ما يؤدّي إلى حدوث ردّ فعل على شخصيّته وشعوره بالدونيّة والنقص لما يلتفت إليه فيما بعد، بكون الذي سمعه بين أبويه ما كان لائقاً به أن يقوله أمام الناس، أو أن يحدّث به؛ لأنّه يصنع حواجز بينه وبين الآخرين.

•فكّروا في أولادكم
إنّ الطلاق من الطرق والوسائل المدمّرة للعائلة وأفرادها، ويساهم في تشتيت الأولاد وتربيتهم -في العديد من الحالات- على روحيّة الانتقام والغضب، وعدم الشعور بالاستقرار النفسيّ. "إنّ أهمّ عنصر لمواكبة مشاكل الأسرة هو عدم التهرّب من تحمّل مسؤوليّات العائلة مهما تعاظمت خطورتها"(4)، وعلى كلّ زوج وزوجة مقبلين على خطوة الانفصال، أن يفكّرا في أولادهما قبل التفكير في نفسيهما، وأن يبحثا عن حلولٍ أخرى عسى أن يوفّقا لحلّ توافقيّ يبعد كابوس اليتم العاطفيّ عن الأولاد.

•الطلاق يهزُّ العرش
إنّ كثرة استسهال هذه الخطوة المدمّرة حوّلتها إلى عدوى يستسيغها الناس، إلى درجة أنّها لم تعد عيباً كما كانت عليه في الماضي، بل أصبحت أمراً مستسهلاً ومشجّعاً عليه في بعض الحالات.

ولهذا، ينبغي للمعنيين وأهل الحلّ والعقد ألّا يستعجلوا مثل هذه الخطوات التي يهتزّ لها العرش، كما ورد في بعض الروايات، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "تزوّجوا ولا تطلّقوا، فإنّ الطلاق يهتزّ له العرش"(5).

وأختم بالقول، إنّه إذا كان أحبّ شيء إلى الله بعد الإسلام بيت عُمِّر بالزواج، فإنّ أبغض شيء إلى الله بيت خُرِّب بالطلاق!
 


1.زبدة التفاسير، الملّا فتح الله الكاشاني، ج4، ص500.
2.الأطفال ومشاعــر الخوف والقـــــلق، عليّ القائمي، ص199.
3.التأهيل التربوي للوالدين الجديدين، محمد حجازي، ص148.
4.الأسرة وإدارة ضغوط الحياة، محمد حجازي، ص67.
5.تاريخ بغداد، الخطيب البغدادي، ج12، ص187.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع