أبارك للمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها حلول عيد الفطر السعيد، وأسأل الله تبارك وتعالى أن يتقبّل عباداتهم في هذا الشهر المبارك، وأن يبارك لهم حلول العيد السعيد.
* الإسلام دين السياسة
تتجلّى سياسة الإسلام في جميع أحكامه وتعاليمه. فنحن نرى التجمّعات اليوميّة في جميع مساجد العالم الإسلاميّ، ابتداءً من المدن الكبيرة وانتهاءً بالقرى والقصبات؛ لأداء فريضة الصلاة جماعةً، ولتداول المسلمين همومهم ومشاكلهم. وثمّة تجمّعات أكبر من هذه التجمّعات تنعقد مرّةً في الأسبوع، ألا وهي صلاة الجمعة، والتي تشمل خطبتين تتناولان مشاكل البلد واحتياجات أبنائه، وطرح المسائل الاقتصاديّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وإطلاع الشعب على هذه المشاكل للمشاركة في حلّها. كما أنّ العيدين شعيرة جماعيّة، حيث يجتمع فيهما المسلمون وتقام صلاة العيد التي تشتمل على خطبتين، يتطرّق الخطيب فيهما بعد الحمد والصلاة على محمّد وآله إلى مسائل الحياة المتعدّدة، ومنها السياسيّة.
واجتماعات المسلمين لا تقتصر على هذا فحسب، فهنالك اجتماع سنويّ ألا وهو الحجّ، وفيه يجتمع المسلمون من كل مكان، حيث يؤدّون مناسك الحجّ في عرفات وخصوصاً في منى، ومكّة ومدينة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ليس هذا فحسب، بل يتداولون أخبار بلدانهم وأحوالهم. فهذا الاجتماع في الواقع بمثابة اجتماع كبير لمعالجة مشاكل الأمّة الإسلاميّة بأسرها. فالإسلام دعا المسلمين إلى الاجتماع والتفكير بحلول لمشاكلهم الكبرى.
* التزكية قبل التعلّم
في صلاة يوم الجمعة حيث يجتمع المسلمون، يقوم إمام الجمعة بقراءة سورتين منتخبتين، ففي الرّكعة الأولى يقرأ سورة (الجمعة) وفي الرّكعة الثانية يقرأ سورة (المنافقون). يذكر الله تعالى في سورة الجمعة الهدف من بعثة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم حيث يقول تعالى: ﴿وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾ (الجمعة: 2) أيّ أنّ بعث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كان لتزكية الناس أولًا، ثم لتعليمهم الكتاب والحكمة. والتزكية هي أن يتلو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم آيات الله على الناس لتزكيتهم، ثمّ يعلّمهم الكتاب والحكمة. ثم يذكر الله تعالى علماء السوء الذين تعلّموا العلم ولم يعملوا به، وينعتهم سبحانه في كتابه العزيز بأسوأ الصفات، حيث يقول عزّ من قائل: ﴿مَثَلُ ٱلَّذِينَ حُمِّلُواْ ٱلتَّوْرَىٰةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ ٱلْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا﴾ (الجمعة: 5). فعندما لا يتأثّر الإنسان بالعلم الذي تعلّمه يخرج عن إنسانيته، فالذين تعلّموا ولم يعملوا بعلومهم ولم ينفعهم علمهم بشيء، مثلهم كمثل الحمار الذي يحمل الكتب على ظهره. فهنا ذكر تعالى ضرورة أن يميّز الناس بين عالم السوء وعالم الخير، الذي يعرف مهامه في هذا الزمن ويقوم بها.
* المنافقون في القرآن الكريم
في السورة الثانية أي سورة (المنافقون)، يذكر الله صفات المنافقين، وكيف يظهرون الإيمان بالله وهم كاذبون، وقد ذكرهم سبحانه في كتابه العزيز بأسوأ الصور، ومثّلهم للناس كي يُميّزوهم.
تنصّ الآية الكريمة: ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ (النساء، الآية 59).
ليكن هذا المعيار بين أيديكم حتى تستطيعوا تمييز المسلم من المنافق. اعلموا أنّ أولئك الذين يدّعون الإسلام وفي الوقت نفسه يثيرون الفتنة بين الناس، أولئك ليسوا بمسلمين، بل هم منافقون يريدون تضليلكم بادّعائهم أنّهم مسلمون، فلا تصدّقوهم.
* تحذير إلى قوى الشعب
إنّي أحذر جميع طبقات الشعب أينما كانوا، من أولئك الأشرار وأدعوهم للتأهّب لمواجهتهم. لابدّ من التحلّي بالوعي واليقظة وعدم السماح لجراثيم الفساد بإعادة البلاد إلى ما كانت عليه في السابق.
أسأل الله تعالى أن يبارك للمسلمين جميعاً حلول هذا العيد والأعياد الأخرى، كما أسأله تعالى أن يمنّ على المسلمين بالوعي والصحوة والعمل صفّاً واحداً من أجل تحقيق مصالح المسلمين في العالم، وحلّ مشاكلهم كمشكلة أفغانستان والقدس ولبنان. فأرجو من الله تعالى أن يوفّقنا وينصرنا للقضاء على المنافقين، ورفع راية الإسلام في كلّ مكان من العالم، فالإسلام حقّ الجميع، ومن حقّ الجميع الانضمام إليه.
*من خطبة لسماحة الإمام الخميني قدس سره، بتاريخ 1 شوال 1399 ه-ق. عن: صحيفة الإمام، ج9، ص265.