فُتحت البوّابة عند الساعة الخامسة والنصف فجراً، بعد ساعةٍ من الانتظار في جوّ قارس كالْجليد! أدّينا صلاة الفجر على المدرَّجات.
عند الساعة الثامنة صباحاً، امتلأت المدرَّجات بالحشود حتّى لم يعد ثمَّة متّسعٌ لشخصٍ واحد. كنّا نمسك بأيدي بعضنا بعضاً لِنشعر بقليلٍ من الدفء، فقلوبنا تجمَّدت من البرد.
وفجأةً، لاحظتُ صبياً صغيراً لا يتجاوز الثانية عشرة، واقفاً خلفي عند آخر المدّرج، حيث لا يوجد سوى جدار عالٍ. حاول تسلّق الجدار ليجد مكاناً يقف عليه، لكنَّه كان يرتعد من البرد مثلنا، وملابسه تتلطّخ بالطلاء المتساقط من الحائط!
بعد قليل، رأيته جالساً وهو متعب. سألته: «أين أمّك؟»، فأجاب: «أمّي خارج الحشد، لم تستطع الوصول». أعطيته شطيرةً وعصيراً كنت قد جهّزتهما لأطفالي، فأكل واستراح.
قلبي كان مع ذلك الصبيّ، أتأمّله بحزنٍ وأسأل نفسي: «أين أمّه؟ لماذا تركوه هكذا؟». وحين، طلعت الشمس شعرنا بالدفء، وكأنّها مسحت همومنا، لكنّ حرّها اشتدّ حتّى أصبح مؤذياً! رفعنا صور السيّد لنحتمي بها، ووضعناها فوق رؤوسنا.
التفتّ إلى الصبيّ، فوجدت وجهه محمرّاً من الحرّ، وهو يحرّكه يميناً وشمالاً، فأعطيته صورة كبيرة ليضعها على رأسه.
وبعد قليل، رأيته نائماً بشكلٍ مائلٍ، وضعت تحت رأسه حقيبةً صغيرةً، واستمرّ في نومه. «يا ربّ، ما هذه الإرادة؟! لِمَ يُضطرّ طفلٌ لتحمّل هذا الحرّ والزحام؟».
عرفت الجواب عندما دخل النعش، فانهال الجميع بالبكاء. لم أعد أستطيع الوقوف، فجلست أبكي من أعماق قلبي. «يا سيّدي، ما أعظم حبّك في قلوب الكبار والصغار! طوبى لنا لأنّنا عشنا في زمانك».
فاطمة يوسف حيدر