مع الإمام الخامنئي | يا شعب لبنان الوفيّ نور روح الله | الوعي بوصلة المؤمنين قيم علوية| انشغل بعيوبك! تسابيح جراح | لن يقرب اليأس منّي أولو البأس | الخيام مقبرة غولاني الشهيد على طريق القدس عارف أحمد الرز («سراج)» تشييع السيّد يومٌ من أيّام الله طوفان المحبّين على العهد لن تأخذوا أسرارنا من صغارنا تذيع سرّاً تسفك دماً

تشييع السيّد يومٌ من أيّام الله

فيصل الأشمر
 

راهنَ أعداء المقاومة في الداخل والخارج على ضعف حزب الله بعد العدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان واستشهاد عدد كبير من قادة الحزب السياسيّين والعسكريّين، وعلى رأسهم الأمين العام السيّد حسن نصر الله، وخلفه الأمين العام السيد هاشم صفي الدين (رضوان الله عليهما) وعدد كبير من القادة من الصفّ الأوّل في الحزب والمقاومة.

* المنظار المعادي
ظنّ هؤلاء أنّ حزب الله الذي يعرفه الناس والعالم قد انتهى، وأنّ لا عودة إلى ما قبل حرب 2024م ممّا شهده حزب الله من عظمة عسكريّة ومن حضور سياسيّ في لبنان والمنطقة. حتّى أنّ كثيرين منهم، والحرب لما تنتهِ بعد، دعوا إلى احتضان الشيعة لأنّهم مهزومون مثيرون للشفقة، بحسب ظنّهم، فلا يجوز الشماتة بهم، وأنّ الواجب إبعادهم عن الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة التي غامرت بهم ولم تنفعهم، وكانوا مجرد دمية في يدها تستغلهم لأغراضها الخاصّة في التوسع والسيطرة على المنطقة.

في حين شمت آخرون بما حصل بعد استشهاد قادة المقاومة، فيما رأى آخرون أنّ الفرصة قد حانت لعزل شيعة لبنان وفرض الشروط عليهم.

لأجل كل ذلك، توقّع كثير من المحلّلين السياسيّين وغير السياسيّين في لبنان وخارجه، أنّ تشييع الشهيدين سماحة السيد حسن نصر الله وسماحة السيد هاشم صفي الدين (رضوان الله عليهما)، سيكون فرصة لإظهار عجز حزب الله عن حشد عدد كبير من الناس؛ لأن زمن الحشد لدى الحزب قد ولّى، وقد تراجعت شعبيته في بيئته، ولا سيما بعد نزوح هذه البيئة وما حلّ بقراها ومنازلها وممتلكاتها من دمار.

* سيلٌ من المحبّين
كان كل العالم ينتظر يوم الأحد، الثالث والعشرين من شهر شباط، لوضع النقاط على الحروف، وليتأكد كثيرون من صواب نظرتهم ونظريّتهم، من أنّ الحزب لن يستطيع أن يحشد، ولن يستطيع أن ينظّم، ولن يكون الحزب الذي كان عليه قبل الحرب الأخيرة.

لكن ما حصل قبل يوم الأحد، الثالث والعشرين من شهر شباط، بدأ يقلب المشهد الذي توقعه المراهنون على عجز حزب الله عن الحشد، حين بدأنا نشاهد جمهوره وقد انطلق في مسيرات جماعيّة وفرديّة، من قرى الجنوب والبقاع، في السيارات وعلى الأقدام، في تحدٍّ للطقس العاصف المثلج بقاعاً، ولقطع الطرقات وحوادث السير، حتى شاهدنا سيّداً وزوجته وقد تخلّيا عن سيارتهما التي عجزت عن السير بهما من البقاع إلى بيروت، فتابعا السير تحت الثلج والوجهةُ إلى حيث يناديهم عشق سماحة السيّد.

أمٌ تطّوّعت لعمل الانضباط وتنظيم الصفوف، فيما تلقي نظرةً على رضيعها النائم في كرسيه المخصّص له، وهي تجيب من يلومها على إحضاره: «وبأيّ حقّ أحرمه الحضور في وداعنا الأخير للسيّد؟».

أيضاً، ومنذ يومي الجمعة والسبت السابقَين لأحد التشييع، شاهدنا وصول اليمنيّين والعراقيين والإيرانيين، وغيرهم من غير اللبنانيّين، وكثير من المغتربين، إلى مطار بيروت، رافعين صور سماحة الشهيد الأسمى، ورايات المقاومة، مردّدين منذ لحظة وطء أقدامهم أرض المطار، شعارات تأييد حزب الله المختلفة، كما سمعنا شعارات عاشورائيّة من قبيل: «هيهات منّا الذلة»، فكأنّ الغياب عن تشييعه ذلّةً وفي الحضور كلُّ العزّ.

* حبّ السيّد عابراً الجغرافيا
مشاركة غير اللبنانيين من محبّي سماحة الشهيد الأسمى والمقاومة، كانت لها نكهة خاصّة ومشهد خاصّ، ولا سيّما بعد جوّ التحريض الذي سيطر قبل يوم التشييع ضدّ كثيرين من هؤلاء المشاركين، وبعضهم كان من جنسيات دول تعادي حزب الله، وتصِمه بالإرهاب، وبعضها زوّد العدوّ الإسرائيليّ بالأسلحة الفتّاكة التي قتلت اللبنانيّين ودمّرت قراهم ومنازلهم. حتّى أنّ صحفيّاً أميركياً أجاب من سأله إذا كان يتوقّع أن ينال عقوبةً ما في بلاده: «لديّ كلّ الحقّ والحريّة الشخصيّة، وإن فعلوا سنلتقي في المحاكم».

* المحبّون بلغات مختلفة
كنّا نعتقد أنّ محبّي السيّد هم من دائرة محدّدة جداً، وأنّهم محصورون في دول الممانعة، ليأتي من كلّ وفد موقف وكلمة، منها وفد موريتانيّ يشرح لك حال بلاده حين يُعلن عن كلمة لسماحة السيّد: «شعب موريتانا يُعطل في هذه الساعة، وإن كان ثمّة مواعيد، نقوم بإلغائها، ولا مبالغة في قولنا إنّ معظم أهل البلاد يتسمّرون أمام شاشات التلفاز، والشوارع تصبح خالية والمحلّات مقفلة، فهي ساعة كلمة العزّ والإسلام النادرة، فلا نقدّم عليها شيئاً».

مفكّر تونسي يشارك ودموعه تقاطع كلماته في وصف السيّد: « نحن وإن كنّا خارج لبنان، تعلّمنا من هذا الرجل ومن صدقه وشجاعته وبلاغته أنّ الإسلام حيٌّ وأنّه يحيا بالشجعان المتوكّلين على الله، الذين يصدقون الله عملهم فيصدقهم بالنصر، لقد أيقظ فينا هذا الشعور».

وسيّدة أفريقيّة تعلن أنّها لم تحترم شخصيّة كما احترمت السيّد، وأنّه «الأكثر تأثيراً في حياتها». وصحفيّ يمنيٌ يتحدّث عن غبطة اليمنيين له إذ إنّهم يتمّنون لو يشاركون في تشييع سماحته حتّى لو باعوا منازلهم ليوفّروا كلفة السفر.

لقد جاء هؤلاء الأجانب للمشاركة في توديع السيّدين العظيمين، في وقتٍ لم يشارك كثير من القادة السياسيّين اللبنانيّين، من الصفّين الأول والثاني، وبعضهم كان مقرّباً جدّاً من مسؤولي حزب الله سياسيّاً وشخصيّاً؛ لأنّ الخوف على مصالحهم الشخصيّة كان أعظم من واجب الوفاء للحزب ولسيّديه الشهيدين العظيمين.

* وحار الماكرون
كل هذا الاحتشاد كان يجري تحت نظر كثير من الحاقدين، الذي كانوا يراهنون على عمل عدوانيّ من العدوّ الإسرائيليّ لتخريب التشييع، حتّى وصل رهانهم إلى المبالغة في إشاعة أمر الطقس وتقلّباته، راجين أن يغطّي الثلج بيروت، وربما تمنّى بعضهم وقوع زلازل أو سيطرة الديناصورات على المدينة، حتّى لا يستطيع محبّو السيد والمقاومة المشاركة في التشييع.

وجاء يوم التشييع العظيم، يوم الوفاء للقائد الذي تعجز الأيام عن المجيء بمثله إلا كلّ قرن وأكثر، بل كلّ عدد من القرون، القائد الذي زرع بذور حبّه في قلوب الملايين في هذا العالم، فصارت هذه البذور سنابل، في كلّ سنبلة مئات حبّات حبّ وعشق لهذا القائد العظيم، سماحة الشهيد الأسمى، السيد حسن نصر الله.

* عهد الأوفياء
كان الآلاف محتشدين حول مكان المناسبة منذ فجر يوم الأحد، يوم التشييع، قبل أن تُفتَح لهم الأبواب للدخول إلى الملعب والأماكن المخصصة للناس، ومتى كان هناك باب يحول بين «السيد» وأهله؟

ساعة، ساعتان، وضاق المكان بما رحب، وامتدّت الحشود إلى الشوارع المجاورة، وأصبح المشهد لوحة عظيمة تضمّ مئات الآلاف من المحبّين، أبدع القيّمون على تنظيمها، ذلك الإبداع في التنظيم الذي عُرف به حزب الله، وأصبح متوقَّعاً في كل مناسبة، ولم يسجل المتربّصون بالمناسبة أي صورة لتصرّف مهين، أو هتاف مسيء، أو رصاصة تُطلَق، وأظهر المشاركون أنّهم أبناء «السيّد» فعلاً، المتربّون على نهجه، الذين أرادوا أن يظهروا له عشقهم، وأنّهم بحقّ تلاميذه وأهله الأوفياء.

كان يوماً من أيّام الله، يوماً يُكتب فيه المصير، ويشهد فيه الناس، ويكتبون العهود، وتردّ به مكائد الكائدين إلى نحورهم، وكان يوماً بُهت فيه الذي كفر، وكان يوماً كشف الله معنى «إذا أحبّ عبداً، حبّب الناس فيه».

كان يوم زففنا سيّدنا على القلوب.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع