"وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت ألاّ تشرك بي شيئاً وطهّر بيتي للطائفين والقائمين والركّع السجود، وأذّن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كلّ ضامرٍ يأتين من كلّ فجٍ عميق".
لم يكن أذان إبراهيم عليه السلام في عمق الزمان مجرّد صوت ردّدت صداه جمادات المكان المحيط.. أو حمله الأثير إلى حيث يمكن حمله.. كتعبير عن قدرة فرد.. وإنّما كان صوت الحقّ الداعي إلى الإخلاص لله تعالى وحده في كلّ عمل، فيأتي كلّ فردٍ ليلبّي النداء.. فرداً كما سيعود فرداً يوم القيامة.
على أنّ الإخلاص ليس "طقساً" يمارس وإنّما هو حالة وجدانية تُصّوت الأعمال وتجعلها مقبولة.
والفرق كبير بين من يحسب الإخلاص فرداً من أفراد الواجب وبين من يعتقد أنّه شرط فيه حيث تتحوّل الأعمال عند الثاني إلى أعمال مقبولة إذا أوجد فيها شرطها.
أمام الحجّ كما غيره في العبادات على المسلم أن يتجاوز ظاهر العبادة ليصل إلى مضمونها الحقيقي فلا يتحوّل الحجّ إلى نزهة يبحث فيها إنسان عن رفاهية وراحة. ولا إلى تجارة يبحث فيها آخر عن ربح أو مكسب وإنّما يعيش الجميع ذلك المضمون الذي من خلاله يلبّون نداء الله تعالى على لسان أبي الأنبياء عليهم السلام فيقولون بقلوبهم قبل ألسنتهم "لبيك اللهم لبّيك لبيك لا شريك لك لبيك إنّ الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك".
فالتلبية لله تعالى وحده ونحن نجيب نداء الله.
والأمر لله وحده ونحن نشهد أن لا إله إلاّ الله.
والحكم لله تعالى وحده ونحن نشهد أن لا ملك إلاّ لله.
وهذا كما يجب الإعتقاد به.. فإنّه يجب الدعوة إليه.
فالحجّ رسالة فيها ولاية وفيها براءة.. ومن كلتيهما يكتب الإنسان من حجّاج بيت الله الحرام المبرور حجّهم المشكور سعيهم المغفور ذنوبهم المكفّر عنهم سيئاتهم.
.. فإلى الموسم الذي من خلاله يتعارف المسلمون فليتنافس المتنافسون، وإلى الدعوة إلى الله تعالى من خلال بيان واقع ما آلت إليه أمور المسلمين.. فليسعَ الساعون. وإلى مرضاة الله عبر البراءة من طواغيت الأرض فليعمل العاملون.
ولمن تخونه الذاكرة نقول:
إنّ الحجّ هو الموسم الذي من خلاله رسم سيّد الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم معالم دولته الإسلامية، فكان اللقاء في أيام الحج .. في مكّة .. وكان الموعد المنتظر فيما بعد الحجّ في يثرب المنوّرة برسالة محمّد ودين محمّد وحكومة محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
والسلام