مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

أول الكلام: هل كافأتها حقّها؟

الشيخ بسّام محمّد حسين


روي أنّ رجلاً قال لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إنّ والدتي بلغها الكِبَر، وهي عندي الآن، أحملها على ظهري، وأطعمها من كسبي، وأميط عنها الأذى بيدي، وأصرف عنها مع ذلك وجهي استحياءً منها وإعظاماً لها، فهل كافأتُها؟ قال: "لا؛ لأنّ بطنها كان لك وعاء، وثديها كان لك سقاء، وقدمها لك حذاء، ويدها لك وقاء، وحجرها لك حواء، وكانت تصنع ذلك لك وهي تمنّى حياتك، وأنت تصنع هذا بها وتحبّ مماتها"(1).

تختلف قيمة الأعمال ودرجاتها باختلاف دوافعها وغاياتها. وبالمقارنة بين ما تقدّمه الأمّ إلى أولادها وبين ما يقابلونها به من خدمة عند الحاجة، كما في المرض أو الكبر، نجد فارقاً كبيراً لا يمكن المقايسة معه بين الأمرين.

ففي الوقت الذي نرى فيه الأمّ تقدّم بدافع الرحمة والمحبة والعطاء غير المحدود، بلا منٍّ، ولا توقّع عوض، ولا رجاء مقابل، ثمّ تبذل كلّ ما لديها من غذاء وصحّة ونوم وراحة ووقت وعمل، وتعطي ذلك كلّه لولدها، لأجل أن يكون في راحة وصحة وعافية، وتسهر على دوام ذلك، لينشأ في جوّ من العاطفة والمحبّة والرعاية الكاملة، حتّى يستقلّ في أمره وشؤونه، ثمّ لا يكون لها همّ بعد ذلك إلّا أن يبقى ويعيش وهو أمام ناظرَيها، حتّى يأتيها الموت وهي تتمنّى بقاءه، وتسمعه بين الفترة والأخرى كلماتها المشهورة بجميع اللهجات: "تقبرني"، "يا بعد عيني"، "تشكل آسي"، وأمثالها ممّا تقوله أمهاتنا بألسنتهنّ المختلفة. في مقابل هذا، ماذا يفعل هذا الإنسان عندما يحتاج إليه أحد والدَيه أو كلاهما؟ يخدمهما ويطعمهما ويقوم بما يلزمهما من حاجات ماديّة، هذا قد يكون صحيحاً، إلّا أنّ الشعور الذي يتحلّى به الوالدان، لا يمكن للولد أن يعيشه تجاه والديه مهما فعل، فهو ينظر إلى امرأة أو رجل كبير في السنّ، أو مريض، سيعيش أيّامه المعدودة مهما طالت، ثمّ سيرحل، فهذه هي سنّة الحياة، فهو شاء أم أبى ينتظر موتهما، ويتوقّع ذلك، بل قد يكون يطلبه تحت عناوين الراحة لهما أو ما أشبه ذلك.

وأين هذا ممّا نرى من الأمّ والأب، اللذَين يقدّمان روحَيهما فداءً لولدهما، وخصوصاً الأم، التي نجدها مستعدة لتقديم كلّ شيء ليبقى ولدها، وليس لديها أغلى من أن تراه يعيش بعدها.

فلكل واحد منّا ممّن تغرّه نفسه، يظنّ أنّه بقليل من الهدايا، وإن كانت أمراً حسناً يدخل السرور على قلب أمّه أو أبيه، أو بقليل من المال ممّا يجب علينا تجاه أمّنا أو أبينا بلا منّة، أو بخدمة من هنا أو هناك نقدّمها لهما، أنّنا وفينا بعضاً من حقّهما، فهيهات هيهات أن يساوي ذلك تعب ليلة واحدة من الليالي التي سهرت فيه الأمّ على أحدنا، أو همَّ ساعة من الساعات التي عاشتها وهي خائفة علينا من ألم أو أذى.

مهما طالت أعمارنا وشابت لحانا يبقى لحنان الأم دفئه الطفوليّ في وجداننا، نكبر أمام الجميع إلّا أمام أمّهاتنا نبقى أطفالاً، ولنعم ما قال شيخٌ فقد أمّه: الآن فقدت طفولتي، الآن أدركت شيخوختي.

"اللهم اغفر لي ولوالديّ، وارحمهما كما ربّياني صغيراً، واجزهما بالإحسان إحساناً، وبالسيئات عفواً وغفراناً".


1.مستدرك الوسائل، النوري، ج15، ص180.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع