مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

مراقب: للكاشي بعد رحيله: ما خَلَتْ منك المنابر

قبل أسبوع تقريباً من بدء موسم عاشوراء لهذا العام، افتقدت المنابر الحسينية؛ أحد الكبار، الكبار، من قرّائها الكُثُر. لقد رحل شيخ القراء الشيخ عبد الوهاب الكاشي. وخلت مجالس كربلاء للمرّة الأولى من الحضور المادي، لفارس منابرها، ومع ذلك انطلقت قافلة المجالس العاشورائية لهذا العام بصوته الحسيني عبر أثير الإعلام الإسلامي المسموع تحية وفاء له بعد رحيله وفاتحة أولى لأشجان عاشوراء، تؤكد أنّه باقٍ يفجر حول الحسين.. أنهار البكاء. وإذ تقف صفحة "مراقب" في مجلة بقية الله مع هذا الحدث الجلل فإنّها وفاءً لهذا الفقيد الكبير، "تراقب" ما يلي:

- إنّ الشيخ الكاشي قد أسّس مدرسةً متميزة استطاعت أن تفرض على المنبر الحسيني ملامحها الجديدة ومنهاجها الثوري المختلف عمّا ألفناه سابقاً في هذا الواجب الكبير. وقد استطاع الشيخ الكاشي أن يترك عبر مدرسته بصماتٍ واضحة الأثر على مدارس سواها...
إنّ هذه المدرسة لم تقم على صدق الولاء للحسين وحُسْن الأداء لأنّات مواجعه فحسب، بل وعلى دقّة الفهم العميق، لكلّ القضايا التي طرحتها كربلاء الحسين، على بساط الفكر الإسلامي المعاصر ومساحات الشعور الإنساني التي تستضيء بإشعاعات هذا الفكر.

لقد أعطى الكاشي للمنبر الحسيني دوره الريادي الحقيقي في الإرشاد والتوجيه والتوعية والتـثـقيف، مع المحافظة على دوره الأساسي في تثوير العاطفة ومحاكاة الوجدان الشيعي والإنساني.
لم يقف الشيخ الكاشي – رحمه الله – مع الشخصية الفذّة لسيد الشهداء فقط بل نلاحظ أنّه قد ترك للأجيال الحسينية القادمة مكتبةً مسموعةً ضخمة لا غنى عنها لطلبة الاختصاص في قراءة مجالس العزاء .. لأنّها تبدأ بأول أصحاب الكساء محمد صلى الله عليه وآله وسلم لتصل إلى مأساة الإمامين الباقر والصادق عليه السلام. ولربما تجاوزتهما إلى سائر الأئمة عليهم السلام. ومن الثابت المؤكّد أنّ الكاشي قد أقام مجلساً لأصحاب الحسين كلّ بمفرده وللسبايا ولمن استشهد قبل الحسين "لسيد السفراء" مسلم بن عقيل وكان في كلّ منها ناجحاً ومؤثّراً بالمستوى نفسه الذي قرأ فيه لمصرع الحسين، لرأس الحسين ورضيع الحسين.
إنّ مجالس العزاء التي تركها لنا الفقيد الكبير، لا تتميّز فقط بحسن الأداء وجمال الصوت، بل تتميّز ببعدها عن المبالغات المجانية التي لم تستفد منها كربلاء. ومحاولته العلمية الجادة إعطاء الفاجعة بعدها الإنساني الحقيقي الذي يكفي وحده لتثوير مشاعر الجماد باتجاه الولاء للحسين ولما يمثله الحسين، ويعود فضل ذلك لشخصية الشيخ الكاشي المنبرية وثقافته الشاملة لكلّ جوانب الحياة العملية منها والاجتماعية. بل ونزعته الإنسانية المطلقة التي اكتسبها من أهمية دوره كداعية لدين الله، من خلال المنبر الحسيني الذي ارتفعت أعواده لأجل هذا الدين بعد أن غابت شمس العاشر من محرم للعام 61 للهجرة وهي تخبئ في جذوتها صورة رأس الحسين فوق سنان السادية الأموية. كما تميز مجلس الكاشي بحسن اختياره للقصائد التي اعتمدت في ما بعد كمدخل لا يدخل الموالي بدونه إلى حزن الحسين، والتي اعتبرت فنياً من أرقى ما نُظِمَ في الرّثاء عامّةً وفي رثاء آل البيت خاصّةً.

كما كان الشيخ الكاشي يُعنى بتحضير مجالسه عنايةً فائقة ولا يرتجلها كي يرتقي بالمجلس الحسيني إلى مرتبة الإبداع لا طلباً للإبداع وحده بل تلبية لنداء صادق أهل البيت: أحيوا أمرنا.. وإحياء أمر كأمر الحسين وآل البيت لا يتمّ إلاّ إذا... احترم سيد المنبر الحسيني منبره وضيوف منبره. ونتاج الشيخ الكاشي يشهد له بذلك شهادةً حيّة غير مجروحةٍ لأنّ الولد سرّ أبيه ومجلس العزاء سرّ قارئه وصوت ولائه للحسين... صادحاً عبر الزمان...
وأخيراً... رحم الله الشيخ الكاشي وأسكنه فسيح جنانه وجزاء عنّا وعن سائر المحبين لآل البيت خير جزاء... وأطال الله أعمار القّرّاء الذين تصدوا لتلبية نداء الحسين... مقتفين أثر كل المخلصين... ومتابعين ما كان قد نجح في تأسيسه متطوّراً.. هذا القارئ الكبير.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع