السيّد عبّاس عليّ الموسويّ
عرضنا في أعداد سابقة ظهور الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه في مكّة وتعرّف الناس إليه، واختلاف أصحابه إليه وكيفيّة ذلك. في هذا العدد، نعرض خروج الإمام عجل الله تعالى فرجه من مكّة، حيث تحصل فيها حادثة يعالجها الإمام عجل الله تعالى فرجه، ثمّ يخرج إلى الكوفة في مرحلة جديدة من الظهور الشريف.
* حادثة مكّة
لا يخرج الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه من مكّة إلّا بعد أن تدين له بالطاعة ويطمئن عليها. وقبل خروجه، يُعيّن عليها والياً يدير أمورها ويرعى شؤونها ويحفظ أمنها واستقرارها، لكنّ أهل مكّة ينقضون عهدهم ويقتلون من ولّاه الإمام عجل الله تعالى فرجه عليها جرأة على الله ورسوله، وينتهكون بذلك حرمة البيت. فما يكون من الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه إلّا أن يعود إليها، ويؤدّب الخارجين على القانون والمعتدين على أصحابه ومن ولّاه من أنصاره. تقول الرواية عن أبي جعفر عليه السلام قال: «يبايع القائم بمكّة على كتاب الله وسنّة رسوله، ويستعمل على مكّة، ثمّ يسير نحو المدينة فيبلغه أنّ عامله قُتل، فيرجع فيقتل المقاتلة ولا يزيد على ذلك»(1).
بعد هذه الحادثة المؤلمة، تطمئن مكّة ويعود إليها أمنها وهدوؤها، وينطلق الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه في مهمّته في إزالة الظلم والجور وفي بسط العدل في الأرض.
* دخول الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الكوفة
تنقل الروايات صورة بديعة عن دخول الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه إلى الكوفة، فيدخلها وتنتقل صورته فوراً بحيث يراه كلّ الناس أينما كانوا في بلاد الله. قال أبو عبد الله الصادق عليه السلام: «كأنّني بالقائم على ظهر النجف لابس درع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فتتقلّص عليه، ثمّ ينتفض بها فتستدير عليه، ثمّ يغشي الدرع بثوب استبرق، ثمّ يركب فرساً له أبلق بين عينيه شمراخ(2)، ينتفض به لا يبقى أهل بلد إلّا أتاها نور ذلك الشمراخ حتّى يكون آية له، ثمّ ينشر راية رسول الله، إذا نشرها أضاء لها ما بين المشرق والمغرب»(3). وقد عبّر أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام عن هذا المعنى المتقدّم، الذي تتجلّى فيه كرامة الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه، في قوله: «كأنّني به [القائم] قد عبر وادي السلام إلى مسيل السهلة على فرس محجل شمراخ يزهر، يدعو، ويقول في دعائه:
لا إله إلّا الله حقّاً حقّاً، لا إله إلّا الله إيماناً وصدقاً، لا إله إلّا الله تعبّداً ورقّاً، اللهمّ معزّ كلّ مؤمن وحيد، ومذلّ كلّ جبّار عنيد، أنت كهفي حين تعييني المذاهب وتضيق عليّ الأرض بما رحبت. اللهم خلقتني وكنت غنيّاً عن خلقي، ولولا نصرك إيّاي لكنت من المغلوبين، يا منشر الرحمة من مواضعها، ومخرج البركات من معادنها، ويا من خصّ نفسه بشموخ الرفعة فأولياؤه بعزّه يتعزّزون، يا من وضعت له الملوك نير المذلّة على أعناقها فهم من سطوته خائفون.
أسألك باسمك الذي فطرت به خلقك فكلّ لك مذعنون، أسألك أن تصلّي على محمّد وآل محمّد، وأن تنجز لي أمري وتعجّل لي في الفرج، وتكفيني وتعافيني وتقضي حوائجي الساعة الساعة الليلة الليلة، إنّك على كلّ شيء قدير»(4).
* ينزل على قباب من نور
ثمّة صورة أخرى ينقلها العياشي في تفسيره عن الإمام الباقر عليه السلام تظهر فيه عظمة الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه وكراماته، ففي تفسير قوله تعالى: ﴿يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانِ﴾ (الرحمن: 33)، يقول عليه السلام: «ينزل [المهديّ عجل الله تعالى فرجه] في سبع قباب من نور لا يُعلم في أيّها هو حين ينزل في ظهر الكوفة، فهذا حين ينزل»(5).
هذه كرامة للإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه من الله، إذ جعل تعالى دخوله في قباب من نور يراها العالم ويرى من فيها لتكون عبرة للمعتبرين ووسيلة من وسائل الإقناع والتربية للناس. أمّا تأويلها فهو سرب من الطائرات الحديثة، يكون الإمام عجل الله تعالى فرجه في إحداها كوسيلة تمويه لضمان سلامته، وهذه كرامة من الله لوليّه.
* إصلاح الكوفة
بعد أن ينتصر الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه في الحجاز والعراق، يدخل الكوفة ويجد فيها ثلاث رايات مضطربة -كما في الرواية- لعلّ هذه المجموعات الثلاثة تريد بعض المكتسبات لنفسها، ولكنّها لا تلبث أن تختفي، إمّا عن طريق القوّة التي تراها عند الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه فلا طاقة لها في حربه والوقوف في وجهه، وإمّا لأنّها اقتنعت بصدقه عجل الله تعالى فرجه وصواب طريقته فعادت إلى رشدها.
في الحديث عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال: «يدخل المهديّ الكوفة وبها ثلاث رايات قد اضطربت بينها فتصفو له، فيدخل حتّى يأتي المنبر ويخطب ولا يدري الناس ما يقول من البكاء»(6).
نعم، يبقى أمام الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه في الكوفة جيب من جيوب الفساد الفكريّ المتمثّل في جماعة تسمّى البتريّة تحمل السلاح في وجهه وتطلب منه العودة من حيث أتى، فيجرّد عليها السيف ويتناولها به ويقضي عليها بيسر وسهولة، ثمّ يتتبّع المفسدين في عاصمة حكمه حتّى تنظَّف ولا يبقى فيها ما يعكّر صفوها فكراً وأمناً واستقراراً.
تقول الرواية عن أبي جعفر الإمام الباقر عليه السلام: «إذا قام القائم عجل الله تعالى فرجه، سار إلى الكوفة فيخرج منها بضعة آلاف أنفس يدعون البتريّة عليهم السلاح فيقولون له ارجع من حيث جئت فلا حاجة لنا في بني فاطمة، فيضع فيهم السيف حتّى يأتي على آخرهم، ثمّ يدخل الكوفة فيقتل بها كلّ منافق مرتاب، ويهدم قصورها ويقتل مقاتليها حتّى يرضى الله عزّ وعلا»(7).
(1) بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 52، ص 391.
(2) الشمراخ هو غُرّة الفرس إذا دقت وسالت وجللت الخيشوم ولم تبلغ الجحفلة.
(3) بحار الأنوار، مصدر سابق، ج 52، ص 391.
(4) المصدر نفسه.
(5) العياشي، تفسير العياشي، ج1، ص 243. نقلاً عن: معجم أحاديث الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه، الشيخ الكوراني، ج5، 45.
(6) بحار الأنوار، مصدر سابق، ج 52، ص 331.
(7) المصدر نفسه، ج 52، ص 338.