نهى عبد الله
همّ بالخروج إلى عمله صباحاً، وإذ بجاره الودود يلقي عليه التحيّة: "شَلوم". نَهَرَهُ غاضباً: "مهلاً يا جار، ماذا قلت؟"، تابع مقطِّباً حاجبيه: "مزحةٌ سمجة، أكره الإسرائيليّين المُحتلّين، لكنّ أبحاثهم وعلومهم هي تجارب إنسانيّة في النهاية، ويجب أن نُقدِّرها".. رفع صوته في الجزء الأخير؛ ليُسمع جاره الذي ابتسم بخبث.
سار في طريقه إلى عمله، لاحظ شيئاً: "ما هذا؟ هل أنا في حلم؟"، إنّه شارع منزله، إنّها مدينته، لكنّ لوحات الطرق، ويافطات المحالّ التجاريّة، والإعلانات كلّها.. مدونةٌ بالعبريّة! راح يفرك عينيه. ثمّة شرطي سير، صاح ملوّحاً له: "ماذا حصل -يا أخي- للمدينة؟" بدت بزّة الشرطيّ مختلفةً، تقدّم وبتهكّم أجابه: "كلّ خير يا (خبيبي)".
- "يا إلهي! أنت تقول خ...؟!". لاحظ أنّ الناس في الشارع يتحدّثون العبريّة أيضاً، انطلق بسيّارته مذعوراً، شغّل المذياع، لعلّ ثمّة خبراً عاجلاً عن مؤامرة ما، أو مسرحيّة، أو لعلّها كاميرا خفيّة سخيفة.. لم يصدّق! حتّى الإذاعة تبثّ بالعبريّة، كاد رأسه ينفجر، صرخ: "لا يُعقل، متى سأصحو من هذا الكابوس؟!".
وصل إلى أحد مراكز الأمن والذعر يأكله، ليبلّغ عَمّا رآه، فساقه الحرّاس إلى مكتب ضابط، بدت النجمة السداسيّة واضحةً على كتفه، وعلمٌ أبيض وأزرق على مكتبه، هبّ الضابط واقفاً ليلقي التحيّة العسكريّة له، فقال مستنكراً: "لستُ عسكريّاً"، أجابه الضابط بعربيّة مُكسّرة: "أنت أهمّ من الجنرالات، تكفي ندواتك و(مخاضراتك) ودفاعك عن (أبخاثنا)، وإطلالاتك على التلفاز ليتقبّل الناس دواء السرطان الذي صنعناه. بالمناسبة، (أخببتُ) كثيراً تصفيقك لبطلنا في الأولمبياد، بدوتَ (متخمساً)! بفضلك تسرّبنا من عقلك إلى الواقع، دون طلقة نار (واخدة)، (نخن) مدينون لك!".