السيد علي عباس الموسوي
يحيا الإنسان في هذه الحياة بالأمل. والأمل لا يكون إلا إذا امتلك الإنسان غايةً وحدَّد الطريق الموصِلَ إليها، ووضعه أمام ناظرَيْه ليسير على أساسه. ولذا كانت العبثيّة في الحياة باباً لليأس، اليأس الذي يدمِّر حياة الإنسان الماديّة والمعنويّة.
وسلوك الإنسان في هذه الحياة والمواقف التي يتَّخذها يرتبطان وثيقاً من ناحيةٍ بالهدف الذي يحدّده، وأخرى بالطريق الذي يسلكه للوصول إليه، فمن الناس من يخطئ الغاية ومنهم من يخطئ الوسيلة والطريق، والفلاح لمن أصابهما معاً، فَعلِمَ بالغاية وأدركَ الطريق الموصل إليها.
والله عز وجل لم يترك الناس هَمَلاً، بل بعث من لدنه رسلاً وأنبياء وكلّفهم بيان كلا الأمرين للناس، بيان الهدف والغاية وبيان الطريق.
وقد حدّثنا القرآن الكريم في الآيات التي تعرّضت لقصص الأنبياء عليهم السلام عن التكذيب الذي تعرّض له هؤلاء، فمن الناس من كذّب الأنبياء منكراً الهدف والغاية فأنكر الخالق الرازق، وأنكر المعاد والحساب، ومنهم من كذّب الأنبياء منكراً الطريق واعتبر أنّ السبيل إلى الله لا يأتي من خلال اتِّباع النبوَّات.
والأسلوب القرآنيّ اعتمد الوعد والوعيد في حثّ الناس على التصديق بالحق والإيمان به، كما اعتمد التحدّي المتمثل بما ورد في آيات الكتاب الكريم ممّا ينبئ عن المستقبل الذي ينتظر الفريقين: الفريق المتّبِع والفرق المنكر.
فتحدّث عن العاقبة السيئة التي يواجهها المنكرون على الدوام، والتي كان لسان الأنبياء التحذير منها، وتحدّث عن عاقبة الخير والبركة التي تنتظر أهل الهدى والإيمان والتي كان لسان الأنبياء التبشير بها.
وما تحدّث به الأنبياء هو بوابة الأمل لأتباعهم، يتلقّونه بالتصديق، يُدخل الحماس إلى نفوسهم، ويُلهب مشاعرهم، ويجعلهم أقدر على تحمّل الشدائد والصعاب.
فصِدْقُ الأنبياء في هلاك الظالمين، يبعث الأمل للمظلومين. وصِدقُ الأنبياء في انتصار أصحاب الحقّ، يخلق دوافع النصرة لديهم. وصِدقُ الأنبياء في وعد الآخرة سوف يُعطي للحياة معنى جديداً مختلفاً.
وهكذا يشهد الناس في حياتهم هذه صدق دعوى الأنبياء في نبوءاتهم جميعاً، فهلاك الظالم وانتصار المظلوم، والسنن الإلهيّة التي أخبرنا بها الأنبياء من التمحيص المستمر للناس، واجتماع أهل الكفر والضلال لمحاربة نور العدل والإيمان لا يزال مشهوداً في كلِّ زمان.
وهذا الصدق يبثّ الأمل في نفوس أتباع الأنبياء، ولذا تراهم يعيشون الأمل حتّى في أحلك الظروف وأشدها ضراوة، لأنهم يرون حتّى في الشدائد تصديقاً للنبوات.
وهذا ما يعيشه أتباع أهل البيت عليهم السلام مع أئمتهم، فهم يرون صدق مقالتهم وصدق إخباراتهم في كلّ يوم، فينتشر الأمل في نفوسهم.
وهذا التصديق سوف يتحقّق أيضاً يوماً ما، من قِبَل أهل الكفر والنفاق، ولكنّه لن يكون نافعاً ولا مفيداً لأنّه تصديق مقترن بكلمة (يا ويلنا)، والإنسان إنّما يدعو بذلك متى انكشف له يقيناً أنّ بلاءً سيصيبه وليس له منه مفرّ، وبهذا لا يكون هذا التصديق سبباً لدفعه، قال تعالى:
﴿قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ﴾، (يس: 52).
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين