الشيخ محسن قراءتي
"اللَّهُمَّ أَرِنِي الطَّلْعَةَ الرَّشِيدَةَ وَالْغُرَّةَ الْحَمِيدَةَ، وَاكْحُلْ نَاظِرِي بِنَظْرَةٍ مِنِّي إِلَيْهِ". يبيِّن هذا المقطع من دعاء العهد طلب المؤمن ظهورَ الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف، وذلك من خلال ثلاث فقراتٍ وجمل لطيفة ودقيقة، نقوم بشرحها تباعاً.
•"اللَّهُمَّ أَرِنِي الطَّلْعَةَ الرَّشِيدَةَ"
عندما نطلب منه سبحانه "اللَّهُمَّ أَرِنِي"، فمضافاً إلى طلب رؤية الإمام الغائب، فإنّنا نطلب من الله تعالى أيضاً أن يُظهر تلك الشمس من خلف سحاب الغيبة، وأن يراه الجميع.
"الطَّلْعَةَ" بألف ولام المعرفة، سواء كانت المعرفة عهداً ذكريّاً أو ذهنيّاً، هي إشارة إلى أنّ وليّ العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف معروف في فطرتنا، وليس مبهماً أو مجهولاً لدى الفطرة الإلهيّة المودعة فينا.
و"الرَّشِيدَةَ" صفة مشبّهة، وفي الحقيقة فإنّ اسم الفاعل يدلّ على الدوام، وعليه فإنّ "الرَّشِيدَةَ" إشارة إلى الوجود الراشد والمرشد أيضاً، فهو يعطي الرشد، ويوجده بالنسبة إلى الجميع، وفي الأحوال كلّها.
في كتاب مكيال المكارم، في الباب الرابع، يذكر حُسن الوجه كإحدى خصائص الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، ويقول: "اعلم، أنّ مولانا صاحب الزمان (صلوات الله عليه) أجمل الناس وأحسنهم وجهاً؛ لأنّه أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم"(1).
وقد وردت روايات عدّة في وصف الجمال الجاذب لآخر حجج الله الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، بحيث يكون تقسيمها من حيث المجموع إلى قسمين:
أ- الروايات التي تتعلّق بوصف سيرته وصورته عجل الله تعالى فرجه الشريف بشكلٍ عام، وتعرّفه بعنوان كونه أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
فعن جابر بن عبد الله الأنصاريّ أنّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "المهدّي من وُلدي، اسمه اسمي، وكنيته كنيتي، أشبه الناس بي خَلقاً وخُلُقاً..."(2).
وبملاحظة مثل هذه الروايات، فإنّ جميع الصفات والخصال التي نسبها القرآن الكريم والروايات إلى النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، يمكن نسبتها إلى الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف.
والروايات التي تصف الخصائص الظاهريّة للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم كثيرة، نشير إلى واحدة منها فقط:
في الرواية عن الإمام أبي جعفر الباقر عليه السلام في وصف النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، قال: "كان نبيّ الله عليه السلام أبيض مُشْرَب حمرة، أدعج العينين، مقرون الحاجبين، شَثْنَ الأطراف، كأنّ الذهب أُفرغ على براثنه، عظيمَ مُشاشة المنكِبَين، إذا التفت يلتفت جميعاً من شدّة استرساله، سُرْبَتُه سائلة من لبَّتِه إلى سُرَّته، كأنّها وسط الفضّة المُصفّاة، وكأنّ عنقَه إلى كاهله إبريقُ فضّة، يكادُ أنفه إذا شرب أن يرد الماء، وإذا مشى تَكَفّأ كأنّه ينزل في صَبَب، لم يُرَ مثلُ نبيّ الله قبله ولا بعده صلى الله عليه وآله وسلم"(3).
ب- الروايات التي تبيّن خصال الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف وسيماءه بشكلٍ مفصّل، وتعدّد خصائصه واحدةً واحدة.
ومن تلك الروايات:
ما جاء عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في تشبيهه للإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف به، حيث يقول في وصفه: "بأبي وأمّي، سميّي، وشبيهي، وشبيه موسى بن عمران، عليه جيوب النور –أو قال جلابيب النور- يتوقّد من شعاع القدس"(4).
أمّا عليّ بن مهزيار الأهوازيّ، الذي حجّ عشرين مرّةً شوقاً إلى لقاء الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، ثمّ وفّق للقياه، فإنّه يذكر في توصيفه لهيئة الإمام وصورته الجذّابة قائلاً: "ناصع اللون، واضح الجبين، أبلج الحاجب، مسنون الخدّين، أقنى الأنف، أشمُّ أروع، كأنّه غصن بان، وكأنّ صفحة غرّته كوكب درّيّ، بخدّه الأيمن خال كأنّه فتاة مسك على بياض الفضّة، وإذا برأسه وفرة سحماء سبطة تطالع شُحمة أذنه، له سمت ما رأت العيون أقصد منه ولا أعرف حُسناً، وسكينةً، وحياء"(5).
•"وَالْغُرَّةَ الْحَميدَةَ"
يُطلق العرب على الهلال الذي يُرى في أوّل ليلة كلمة "غُرَّة". وإطلاق هذه الكلمة على الإمام يدلّ على جماله الجذّاب. كما تُطلق كلمة "غُرَّةَ" على البياض وسط جبهته، وهو بهذا المعنى يحكي عن كون الإمام معروفاً ومشخّصاً. فإمام الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف ليس وجوداً مجهولاً، لكن مع كلّ ما له من إشراق وجوده، فإنّ أعين قلوبنا لا تراه.
و"الْحَميدَةَ" بمعنى المحمودة، فإمام العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف وجود يُثنى عليه، وأهل ثنائه كثيرون، وقد بيّنت الآيات والروايات كثيراً من ثنائه، وتمجيده، وصفاته.
•"وَاكْحُلْ نَاظِرِي"
التعبير بالكحل تعبير لطيف؛ لأنّ الكحل يقوّي العين والنظر، وهو هنا علاوةً على تقويته للبصر، فإنّه يفتح البصيرة أيضاً، وعين الانتظار على حجّة الله تعالى. وكما أنّ العين التي تكتحل، تظهر بشكل أجمل، وتصبح مختلفة عن سائر العيون، فكذلك عندما نطلب من الله تعالى أن تكتحل أعيننا برؤية الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف، فإنّنا في الحقيقة نطلب أن تكون أعيننا مختلفة عن الأعين الأخرى الموجودة في هذا العالم.
•"بِنَظْرَةٍ مِنِّي إِلَيْهِ"
كما نعلم، فإنّ الإسلام لم يرضَ بالأنانيّة. وإنّ إحدى بركات الصلاة أنّها تُخرج الإنسان من الأنانيّة؛ لذا فلو أنّ أحداً كان يصلّي وحده، فعليه أن يقول: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ (الفاتحة: 5)، نقول: نعبد؛ أي نحن ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾، كذلك نقول: ﴿اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ﴾ (الفاتحة: 6)؛ أي اهدنا جميعاً، فالمصلّي ينوب في عبادته عن جميع مَن في الكرة الأرضيّة.
وعليه، فالياء في كلمة "مِنِّي" في فقرة "وَاكْحُلْ نَاظِرِي بِنَظْرَةٍ مِنِّي إِلَيْهِ" الواردة في أمثال هذه العبادة، ليس فيها ريح الأنانيّة، بل الأنا التي تشير إليها هي "أنا" المضطرّ، فالعاجز والمسكين الذي يودّ إظهار غاية فقره وحاجته في محضر إمام الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف، لا بدّ له من القول: أنا محتاج، أنا مضطرّ، وأنتَ العالِم بفقري وحاجتي، فأعِنِّي.
في الفقرات السابقة؛ أي في السلام والصلوات على الإمام كان هناك إشراك للآخرين، وكان الداعي يقول نيابةً عنه: "عَنْ جَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ"، كما أنّه في الفقرات اللاحقة يطلب للجميع: "فَأَظْهِرِ اللَّهُمَّ لَنَا وَلِيَّكَ".
1.مكيال المكارم في فوائد الدعاء للقائم عجل الله تعالى فرجه الشريف، الموسوي الأصفهاني، ج1، ص113.
2.كمال الدين وتمام النعمة، الصدوق، ج1، ص286.
3.الكافي، الكليني، ج1، ص443.
4.بحار الأنوار، المجلسي، ج36، ص337؛ كفاية الأثر، ص158.
5.كمال الدين وتمام النعمة، (م.س)، ص446.