لمّا كانت الحياة الزوجية قائمة على أساس الزوج والزوجة ورعاية كل منهما الآخر،
ولمّا كان تقويم الكيان العائلي بشكل صحيح وسليم لا يتمّ إلا من خلال نظام واضح
وقواعد سديدة، فقد فرض الشارع المقدّس لكل منهما حقوقاً على الآخر أوجب اتباعها
وحرّم التخلف عنها لأنها ذات علاقة أكيدة في "الرابطة الزوجية" وتوثيق عراها على
أساس المودّة والرحمة والإلفة قال تعالى:
﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾(1).
* حق الزوج:
بالإمكان أن نلمس حقوق الزوج على زوجته من خلال الأحاديث الكثيرة التي تبيّن لنا
الخطوط الواضحة لهذه الحقوق، وسنعرض لكم في هذا الباب حديثين:
الأول: عن الإمام الباقر عليه السلام أنه قال: "جاءت امرأة إلى النبي
صلى الله عليه وآله وسلم فقالت يا رسول الله ما حق الزوج على المرأة؟ فقال لها: أن
تطيعه، ولا تعصيه، ولا تتصدّق من بيته إلا بإذنه، ولا تصوم تطوعاً إلا بإذنه، ولا
تمنعه نفسها وإن كانت على ظهر قتب، ولا تخرج من بيتها إلا بإذنه، وإن خرجت بغير
إذنه لعنتها ملائكة السماء"(2).
الثاني: عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الله عزّ وجلّ في حديث قدسي أنه قال:
"إذا أردت أن أجمع للمسلم خير الدنيا وخير الآخرة، جعلت له قلباً خاشعاً، ولساناً
ذاكراً، وجسداً على البلاء صابراً، وزوجة مؤمنة تسرُّهُ إذا نظر إليها، وتحفظه إذا
غاب عنها في نفسها وماله"(6).
من خلال هذين الحديثين نستطيع أن نحصر حقوق الزوج على زوجته في نقطتين أساسيتين هما:
الإطاعة والأمانة.
* الإطاعة:
من إطاعة المرأة زوجها في حياتها العامة والخاصة، الأمر الذي يقوِّم سلوكها ويقوِّي
مركزها ويجعلها في مكانه لا يمكن للزوج أن يتجاهلها في أمر من الأمور وهذه الإطاعة
من الزوجة تكمن في موارد عديدة مبيّنة في الحديث السابق عن النبي صلى الله عليه
وآله وسلم.
وهنا لنا وقفة مع أهم اثنين منها:
1- أن تطيعه ولا تعصيه:
إن هذا التعبير على إيجازه يشتمل على توجيه دقيق من النبي صلى الله عليه وآله وسلم
للمرأة حيث يريد منها أن تقف من زوجها موقفاً كاملاً في الطاعة والتقدير لتشعره
بمعنى القوامية من جهته عليها، وليس في ذلك أي منقصة لها، بل لا بد أن تضع زمام
أمرها بيده ليشعر الزوج بكيانه الرجولي داخل بيته ويستقيم بذلك الأمر.
إن التمرد عليه والخروج عن طاعته يوجب إفلات الأمور وإشاعة الفوضى داخل الأسرة،
وحينئذٍ فإلى حياة شقية، وإلى عناء تطول مدته.
ولماذا نستكثر على الرجل هذه الإطاعة من جانب الأسرة، وهو الذي يكدّ ويعمل في سبيل
إسعادهم، ويشقى ليهيىء لهم ما يريدون، ولأن الشريعة المقدسة قد أناطت به أمر
الإنفاق والتدبير والقيام بمصالحهم والذب عنهم وما يمتّ إلى حفظهم مضافاً إلى بقية
التكاليف الخارجية والتي هي من شؤونه كرجل بيده زمام الأمور، كل ذلك أوجب تفضيله
بنص الآية الكريمة في قوله تعالى:﴿
وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ
دَرَجَةٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ﴾
(4).
2- ولا تمنعه نفسها وإن
كانت على ظهر قتب:
لا شك في أن الإنسان ذكراً كان أو أنثى يتمتع بغرائز عديدة، ولعل أشد تلك الغرائز
غريزتا البطن و الجنس، فليس بمقدور الإنسان- كبشر- التحرر من سلطان هذين العملاقين
اللذين يعتبران مصدر السعادة والشقاء عند النوع البشري.
في ما يخص غريزة الجنس حدّد الشارع الحكيم الطريق الوحيد إلى إشباعها بإتيان الزوجة،
واعتبر ذلك من حقوق الزوج على زوجته ومن موارد إطاعة الزوجة زوجها، فليس للزوجة أن
تمنع زوجها عن كل ما يحقق له رغباته الجنسي حتى ولو كانت على ظهر الناقة كما جاء في
صريح قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
نعم، يستثنى من هذا الترخيص للرجل أيام الحيض حيث منعت الشريعة الاتصال(5) بين
الزوجين في هذه الفترة، قال تعالى: ﴿ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء
في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله﴾
(6).
* الأمانة:
الأمانة عقد ثمين تتحلى به الأفراد في المجتمعات البشرية، وبدونها لا يمكن للأعمال
أن تأخذ مجراها الطبيعي في كل مجالاتها.
لذلك نجد الإسلام يعالج هذه الناحية بتشديد العقوبة على السرقة مثلاً فيوجب قطع
اليد إزاء مبلغ زهيد يسرقه الفرد من الآخرين أو يوجب الجلد أو الرجم على الزنا حتى
لو لم يكن اعتداءاً مكرهاً، إلا أن ذلك هو الحل الوحيد لقطع مادة الفساد وبالتالي
لإسعاد المجموعة البشرية على أرجاء المعمورة.
وأمانة الزوجة من هذا
القبيل فهي حق من حقوق الزوج على زوجته من جهتين:
الأولى: أنه فرد من أفراد المجتمع، ماله كدمه، وعرضه محفوظ ومصون.
الثانية: أنه رب الأسرة الذي ترتبط الزوجة معه برباط الزوجية المقدّس، فهي
مديرة بيته ولها المكانة الأولى في هذه المؤسسة.
وقد رسمت لنا السُنَّة الشريفة الخطوط الأولية لهذه الأمانة في الحديث القدسي الآنف
الذكر وهو قوله: "وتحفظه إذا غاب عنها في نفسها وماله" ففي هذه الفقرة يبين لنا
الحديث عنواني الأمانة المطلوبة من الزوجة وحدّدتها في الأمانة النفسية والمالية.
1- أمانة الزوجة في
النفس:
من حق الزوج على زوجته أن تحفظ له عرضه، فلا تهتكه بتبرجها وإقدامها على غيره، فإنه
قد استحلّها بكلمة الله دون غيره.
عن الإمام الصادق عليه السلام "وأيّما امرأة تطيبت لغير زوجها لم يقبل الله
منها صلاة حتى تغتسل من طيبها كما تغتسل من الجنابة"(7).
إن التزيُّن بالتطيب للغير أمر منهي عنه على لسان الإمام عليه السلام، كيف
بنا بما هو أكثر من ذلك، أعني إقدامها على غيره.
وهي بعد ذلك خيانة كبرى من الزوجة، من أقل نتائجها إضاعة النسل الذي كانت عملية
الزواج مقدمة لحصوله، وانهدام البيت الزوجي برمته.
2- أمانة الزوجة في
المال:
البيت وديعة بيد الزوجة، ومن الصعب أن يحيط الرجل بما في بيته من أموال وممتلكات،
فله من انشداده بعمله في الخارج ما يصرفه عن التوجه لضبط محتوياته، ولهذا كانت
الزوجة راعية لأمواله ومسؤولة عنها.
إن الأخبار الواردة عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم تبين للزوجة الحدود
التي لا بد لها من مراعاتها حين التصرف بمال الزوج.
ففي الحديث المتقدم جاء قوله صلى الله عليه وآله وسلم "ولا تتصدق من بيته إلا بإذنه"
وهذه العبارة على إيجازها توضح معاني كثيرة أهمها عدم جواز مد الزوجة يدها إلى
أموال الزوج والتصرف بها بأي وجه من وجوه التصرف كالهبة والنذر والصدقة والبيع
والشراء وما إلى ذلك. إلا مع الإذن السابق أو العلم بالرضا مهما كانت العلاقة بين
الزوجين من الود والمحبة.
والشريعة الإسلامية لا تكتفي من الزوجة بهذا المقدار بل أصدرت توجيهاتها لها
بالاعتدال في الصرف أيضاً، فقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام قوله:
"خير نسائكم الطيبة الريح- إلى قوله- التي إذا أنفقت أنفقت بمعروف وإن أمسكت أمسكت
بمعروف فتلك عامل من عمّال الله"(8).
وهذا الحرص من الأئمة عليهم السلام في توجيهه الزوجة إنما هو لأجل حفظ
التوازن المالي في البيت لئلا تكون بلاءً يقع على المال الذي يبذل الزوج في سبيل
الحصول عليه كل غالٍ ونفيس.
(1) سورة البقرة الآية 228.
(2) وسائل الشيعة ج 14 الباب 79 الحديث 1.
(3) وسائل الشيعة ج 14 الباب 24 الحديث 1086.
(4) سورة البقرة الآية 228.
(5) بالجماع وأما باقي الاستمتاعات فلا إشكال فيها.
(6) سورة البقرة الآية 222.
(7) وسائل الشيعة حديث 1 من الباب 8 من مقدمات النكاح.
(8) وسائل الشيعة حديث 6 من الباب 6 من مقدمات النكاح.