الشيخ علي معروف حجازي
فرضت الحرب على كثيرٍ من المواطنين النزوح من قراهم ومناطقهم، واضطرّتهم إلى مغادرة ديارهم دون اختيارٍ منهم، وحتّى اليوم يسكن بعضهم في أماكن النزوح انتظاراً لترميم منازلهم وإعمارها، ما يبرز أهميّة فهم الأحكام الشرعيّة المتعلّقة بالنزوح والسفر، خصوصاً الصلاة، لتكون ضمانةً لاستمرار عبادتهم في كلّ مكان.
* النزوح إلى ما دون المسافة
1. إذا نزح المكلّف إلى مكان لا يبعد عن وطنه مقدار المسافة الشرعيّة، يبقى على التمام.
2. من نوى اجتياز أقلّ من المسافة الشرعيّة (أقلّ من أربعة فراسخ) ولم يكن ينوي اجتياز مسافة أطول، ثمّ نوى اجتياز أقلّ من المسافة الشرعيّة، ومن هناك، نوى اجتياز أقلّ من المسافة الشرعيّة وهكذا، فإنّه يصلّي تماماً حتّى وإن كان المجموع يبلغ المسافة الشرعيّة المعتبرة؛ لأنّه لم يكن ينوي اجتياز المسافة الشرعيّة من البداية.
* النزوح إلى المسافة
1. إذا نزح إلى مكان يبعد عن وطنه مقدار المسافة الشرعيّة، ففي المسألة ثلاث صور:
الأولى: إذا كان يقصد البقاء فيه لمدّة سنة أو سنتين، فيجب أن يصلّي تماماً من البداية.
الثانية: إذا لم يكن يعلم مدّة البقاء فيه، ولكنّه يقصد الإقامة فيه عشرة أيّام متتالية في مكان واحد، فيجب عليه التمام في الصلاة.
الثالثة: إذا لم يكن يعلم مدّة البقاء فيه، ولم يكن يقصد الإقامة عشرة أيّام متتالية في مكان واحد، فيجب عليه القصر على تفصيل لاحق.
* التردّد ثلاثين يوماً
1. يُقطع حكم السفر وتجب الصلاة تماماً: إذا أقام النازح المتردّد في مكان واحد يبعد ثمانیة فراسخٍ -أي 41 كلم- مدّة ثلاثین یوماً متردّداً في مكان واحد.
2. تُحسب الثلاثون یوماً بالکیفیّة الآتية:
أ. إذا وصل إلی مکانٍ عند بداية طلوع الشمس، یصلّي تماماً بعد غروب الیوم الثلاثین.
ب. أمّا لو وصل بعد طلوع الشمس، فيتمّم الثلاثين یوماً في وقت وصوله نفسه من الیوم الحادي والثلاثین.
فعلى كلّ مكلّف نزح إلى بلد يصلّي فيه قصراً أن يلتفت إلى الساعة التي وصل فيها إلى المحلّ الذي يريد البقاء فيه، ويحسب يومه 24 ساعة، أي إلى الساعة نفسها من اليوم الثاني؛ فمن وصل يوم الاثنين مثلاً، عند الساعة الثانية ظهراً، سينتهي عنده اليوم الأوّل يوم الثلاثاء الساعة الثانية ظهراً.
ج. إذا کان الشهر القمريّ تسعةً وعشرین یوماً، ووصل في بداية شروق اليوم الأوّل، فیصلّي إلی الیوم التاسع والعشرین قصراً. وفي الیوم الثلاثین، یجمع بین القصر والتمام علی الأحوط وجوباً، ثمّ یصلّي تماماً في الیوم الحادي والثلاثین وما بعده.
د. یشترط فی مکان التردّد أن یکون واحداً عرفاً؛ فلو أنّه أمضى الثلاثين يوماً في أمكنة عدّة، فعليه أن يبدأ العدّ من جديد من آخر مكان استقرّ فيه.
هـ. إذا بقي في مكان واحد وهو متردّد في العودة إلى وطنه، وبقي على هذه الحال ثلاثين يوماً، لكن في أحد تلك الأيّام نوى اجتياز مسافة شرعيّة من محلّه الذي بقي فيه وشرع بالسير، إلّا أنّه قبل بلوغ الفراسخ الأربع قطع نيّته وعاد إلى المحلّ المذكور، فإذا کان خروجه بمقدارٍ لا یتنافی عرفاً مع بقائه ثلاثین یوماً في مکانٍ واحدٍ، ولا یضرّ به، فیصلّي بعد انقضاء الثلاثین یوماً تماماً، کما لو خرج جزءاً من النهار (ولیس کلّ النهار)، ولم یتکرّر خروجه کثیراً، کأن یخرج ویرجع خلال الثلاثین یوماً أربع أو خمس مرّاتٍ، ویبقی في کلّ مرّةٍ ثلاث أو أربع ساعات.
و. لو خرج من محلّ التردّد خلال الأيّام الثلاثين إلى مسافة شرعيّة، فيجب عليه أن يعيد العدّ من جديد.
* الخروج في أيّام التردّد
1. إذا خرج في مدّة التردّد إلی ما دون الأربعة فراسخٍ، فإن کان خروجه بمقدارٍ لا یتنافی عرفاً مع بقائه ثلاثین یوماً في مکانٍ واحدٍ، ولا یضرّ به، فیصلّي بعد انقضاء الثلاثین یوماً تماماً. کما لو خرج جزءاً من النهار (ولیس کلّ النهار)، ولم یتکرّر خروجه کثیراً، کأن یخرج ویرجع خلال الثلاثین یوماً أربع أو خمس مرّاتٍ، ویبقی في کلّ مرّةٍ ثلاث أو أربع ساعاتٍ.
2. لو خرج من محلّه خلال الأيّام الثلاثين أكثر من أربع أو خمس مرّاتٍ، بحيث یبقی في کلّ مرّةٍ ثلاث أو أربع ساعات على الأقلّ، فيجب عليه أن يعيد العدّ من جديد بعد خروجه المرّة الثالثة.
* النازح الذي عمله في السفر
1. إذا لم يكن بين وطن المكلّف ومحلّ عمله سفر، لكنّه اضطرّ للنزوح إلى مكان يبعد عن وطنه مسافة سفر شرعيّ، وصار ينتقل إلى مقرّ عمله الذي يبعد مسافة شرعيّة عن محلّ النزوح من دون أن يعلم بالمدّة التي سوف يبقى فيها على هذه الحال، ولكن صادف أن بقي مدّة تحقّق بها الصدق العرفيّ (كأن يبقى مدّة ثلاثة أشهر يسافر فيها كلّ أيّام الأسبوع ما عدا أيّام التعطيل المتعارفة)، فيتحقّق له حكم من شغله في السفر، حتّى لو لم تكن تلك نيّـته منذ البداية، فيصلّي تماماً ويصوم في أسفاره الشغليّة.
2. إذا لم يكن بين وطنه ومحلّ عمله سفر، لكنّه اضطرّ للنزوح إلى مكان يبعد عن وطنه مسافة سفر، وصار يعمل في القرى المجاورة لذلك المكان، دون الخروج مسافة شرعيّة من محلّ النزوح، فيجب قصر الصلاة في محلّ النزوح، إلّا مع قصد إقامة عشرة أيّام متتالية في مكان واحد، أو کان قصده البقاء فيه للعيش لحدود سنة أو سنتين، بحیث لا يعدّ فيه عرفاً مسافراً، فحينئذٍ صلاته تمام ما دام يسكن فیه.
ويقصر في الطريق إلى العمل ومكان العمل وأثناء الرجوع؛ لأنّه لم يقصد قطع المسافة الشرعيّة.
3. من كان شغله في السفر، فيتمّ ويصوم في أسفاره الشغليّة، وإذا نزح إلى بلدة أخرى غير الوطن، ومن ثمّ صار ينطلق إلى سفره الشغليّ من مكان النزوح ويعود إليه، وكانت المسافة بين سكنه الجديد ومحلّ عمله بمقدار المسافة الشرعيّة، فيصلّي تماماً ويصوم في كلٍّ من المبدأ والمقصد والطريق من المرّة الأولی، ما لم يُقِم عشرة أيّام متتالية أو أكثر في مكان واحد. وكلّما أقام عشرة أيّام متتالية في مكان واحد، فيجب عليه القصر في السفر الأوّل الشغليّ، ويتمّ في الثاني.
4. إذا سافر مسافة شرعيّة امتداديّة (ثمانیة فراسخ) من مكان نزوحه أو من محلّ عمله إلى وطنه أو محلّ زيارة، بحيث لا يعدّ سفراً شغليّاً فيقصر في الذهاب والمقصد. وإذا أراد الرجوع إلى مكان عمله، فيتمّ في طريق الرجوع.
إنّ فهم الأحكام الشرعيّة المتعلّقة بالنازحين من الأمور المهمّة جدّاً لضمان صحّة الصلاة؛ فلا يكفي أداؤها في الظروف الصعبة، بل يجب أن تكون موافقةً للشرط الشرعيّ لتُقبل عند الله.