نور روح الله | بالدموع الحسينيّة قضينا على الاستكبار* بمَ ينتصر الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف؟ (2)* فقه الولي | من أحكام النزوح تحقيق | قصائدُ خلف السواتر مناسبات العدد ياطر: إرثٌ في التاريخ والمقاومة (2) محميّة وادي الحجير: كنزُ الجنوب الصامد (1) قصة | وزن الفيل والقصب شعر | يا ضاحية الافتتاحية | لحظة صدقٍ مع اللّه

قصة | وزن الفيل والقصب

مقتبسة من قضاء أمير المؤمنين عليه السلام
الشيخ محمّد شمص


في زمن الخلافة، وتحديداً في مدينة الكوفة، حيث كانت الحكمة والعدل يسودان تحت حكم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام، كان الناس يتوافدون إلى المدينة من كلّ حدب وصوب. كانت الكوفة مركزاً للتجارة والثقافة، وكان سوقها ينبض بالحياة، فيتنافس التجّار في بيع بضائعهم ويحتدم النقاش أحياناً بينهم.

* قرار متسرّع
في أحد الأيّام، وسط صخب السوق، ارتفعت الأصوات بين نُعيم بن زيد، المعروف بطبعه الحادّ واندفاعه، وسُهيل بن حُنين، أحد التجّار المشهورين بهدوئه وحنكته. كان الجدال حول الفيل، هذا المخلوق الضخم الذي وصل إلى الكوفة ضمن قافلة تجاريّة. قال سهيل متفاخراً: «لا يمكن لأحد أن يزن هذا الفيل، إنّه أضخم من أن يُقدّر وزنه!».

لم يحتمل نُعيم كلام سُهيل، وفي لحظة تحدّ ردّ بصوت عالٍ: «والله، لأزننّ هذا الفيل أمام الجميع!». عمّ الصمت لوهلة، ثمّ بدأ الناس يتهامسون ويضحكون من اندفاع نُعيم. أدرك الرجل حينها أنّه قد تسرّع بحلفه. كيف يمكنه وزن فيل في زمن لم تكن فيه الموازين قادرة على تحمّل مثل هذا الثقل الهائل؟ كانت تلك هي العقدة الكبرى التي أوقع نفسه فيها.

* محاولات نعيم الفاشلة
لم يستسلم نُعيم بسهولة، فبدأ بمحاولات متعدّدة لوزن الفيل. أوّلاً، حاول جمع أكبر عدد من الرجال الأقوياء في السوق ليحملوا الفيل ويقدّروا وزنه، ولكنّهم سرعان ما انهاروا من الثقل. لجأ بعدها إلى استخدام الحبال والبكرات لرفعه، إلّا أنّ المحاولة باءت بالفشل، فالأدوات لم تكن تتحمّل هذا العبء. حاول أيضاً أن يقسّم الفيل ذهنيّاً إلى أجزاء ويقدّر وزن كلّ جزء على حدة، لكنّ ذلك لم يكن دقيقاً. استنفد نُعيم كلّ الأفكار التي خطرت بباله، حتّى أصابه اليأس والندم.

حين بدأ اليأس يتسلّل إلى قلب نُعيم، أشار عليه بعض أصحابه الذين شهدوا محاولاته المتكرّرة أن يذهب إلى أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام، وقالوا له: «يا نُعيم، إنّ أمير المؤمنين لا تعجزه معضلة، فقد وجد الحلول لأصعب القضايا، سواء كانت في أمور الدين أو الدنيا».

اقتنع نُعيم بنصيحة أصحابه، وفي قلبه بصيص من الأمل. عندما وصل إلى مجلس الإمام عليه السلام، وجد الناس مجتمعين ينصتون لكلامه. تقدّم نُعيم بخطوات ثقيلة، وقد بدا عليه التعب والإرهاق، وقال: «يا أمير المؤمنين، لقد حلفتُ أن أزن الفيل، ولا أدري كيف أفي بيميني».

رفع الإمام عليّ عليه السلام بصره نحو نُعيم، وابتسم برفق، وقال: «يا نُعيم، لمَ تحلف بما لا تطيق؟ أليس في اللسان عقال يمنعه من الاندفاع؟». خفض نُعيم رأسه خجلاً، وردّ قائلاً: «والله يا سيّدي، لقد ابتليت بلساني العجل، وها أنا أسألك المعونة بعد أن عجزت كلّ حيلة».

ضحك الإمام عليّ عليه السلام وأشار له بالجلوس، ثمّ قال: «إنّ في الأمور مهما عظمت حلولاً، وما عليك إلّا أن تتأنّى وتفكّر بعمق. سأدلّك على طريقة تزن بها الفيل، وستكون شاهداً على قدرة الله في خلقه وحكمة الإنسان في تدبيره».

أمر الإمام عليه السلام بإحضار سفينة كبيرة مملوءة بالقصب، وأمر بإخراج القصب وإدخال الفيل فيها. غاصت السفينة في الماء ووصل مستواها إلى حدّ معيّن. ثمّ أمر بإخراج الفيل وإعادة القصب إلى السفينة شيئاً فشيئاً، حتّى عاد مستوى الماء كما كان عند وجود الفيل. حينها، قال الإمام عليه السلام: «زنوا القصب الذي أُخرج من السفينة».

بهذا الحلّ العبقريّ، لم يكن الإمام عليّ عليه السلام يستخدم مجرّد الفطنة، بل كان يطبّق مبدأ أرخميدس في الطفو، إذ إنّ حجم الماء المزاح يعادل وزن الجسم الطافي. هذا المبدأ الفيزيائيّ العظيم، الذي لم يكن معروفاً في ذلك الوقت في الكوفة، كان الدليل على عبقريّة الإمام عليه السلام، بحيث استطاع تجاوز حدود الأدوات المتاحة ليقدّم حلّاً مبتكراً.

* حكمة الإمام عليه السلام وتعليم الناس الابتكار
لم يكن قصد الإمام عليّ عليه السلام فقط مساعدة نُعيم في الوفاء بيمينه، بل كان يقصد أيضاً تعليم الناس درساً في الابتكار والبحث في أسرار الكون وقوانينه. أراد أن يبيّن لهم أنّ لكلّ معضلة حلّاً، وأنّ التأمّل والتفكير العميقَين يمكن أن يفتحا الأبواب المغلقة. كما كان يريد عليه السلام أن يلفت انتباههم إلى أنّ العلم موجود في تفاصيل الخلق، وأنّ من يبحث فيه بعمق سيجد الحلول العجيبة.

تفاجأ الحاضرون من عبقريّة الإمام عليه السلام، فقد كان وزن القصب مساوياً لوزن الفيل! ضجّ المجلس بالتهليل والثناء على حكمة أمير المؤمنين عليه السلام، بينما تنفّس نُعيم الصعداء شاكراً الله على تيسير الحلّ.

تعلّم نُعيم درساً عظيماً في التروّي وضبط اللسان، وعاد إلى السوق وقد ازدادت مكانته بين الناس.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع