نور روح الله | بالدموع الحسينيّة قضينا على الاستكبار* بمَ ينتصر الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف؟ (2)* فقه الولي | من أحكام النزوح تحقيق | قصائدُ خلف السواتر مناسبات العدد ياطر: إرثٌ في التاريخ والمقاومة (2) محميّة وادي الحجير: كنزُ الجنوب الصامد (1) قصة | وزن الفيل والقصب شعر | يا ضاحية الافتتاحية | لحظة صدقٍ مع اللّه

ياطر: إرثٌ في التاريخ والمقاومة (2)

تحقيق: نقاء شيت

ياطر، قرية من قرى جبل عامل الشاهدة على حضارة عريقة وتاريخ نضال طويل، بدأ من القرن السادس عشر ولا يزال مستمرّاً إلى زماننا الحاليّ.

كثيرة هي المحطّات التاريخيّة التي مرّت فيها البلدة، استعرضنا قسماً منها في العدد السابق، ونطلّ في هذا المقال على قسم آخر من تاريخ البلدة المُقاوِمة يرويه د. محمّد كورانيّ.

* ثورة السيّد شرف الدين
عندما خضعت المنطقة للاحتلال الفرنسيّ، برز الدور الرياديّ لياطر وقرى الجوار، عبر موجّه الثورة التي كان قائدها آنذاك السيّد عبد الحسين شرف الدين قدس سره، والذي لجأ إليها إبّان الحرب متوارياً عن أعين الأتراك، كي لا يساق إلى التجنيد الإجباريّ؛ لأنّ الدولة العثمانيّة لم تكن تعترف بعلماء الشيعة وأئمّة مساجدهم. تعاون السيّد مع صادق الحمزة الفاعور من دبعال، وأدهم بن خنجر الصعبيّ من النبطيّة، ومحمّد أحمد بزي من بنت جبيل؛ وقد تصدّوا للفرنسيّين بالطلقة والبندقيّة حتّى النفس الأخير.

وبعد وعد الفرنسيّين للموارنة في لبنان بإنشاء دولة خاصّة بهم، عُقد مؤتمر وادي الحجير لتقرير مسار جبل عامل نهار السبت في 5-9-1920م، شارك فيه ثلاث شخصيّات من ياطر، وكان برئاسة السيّد عبد الحسين شرف الدين.

* سياسات الظلم والتعسّف
في تلك الفترة، اعترض شباب من بلدة ياطر مجموعةً كانت تتعاون مع الفرنسيّين وتنقل السلاح لهم، فواجههم الشابّ نصر الله أحمد نصر الله بعصاه، فأطلقوا عليه النار بهدف إخافته، ثمّ تبادل الطرفان إطلاق النيران، فاستشهد نصر الله.

أثارت تلك الحادثة غضب الفرنسيّين، الذين راحوا يعتدون على القرى العامليّة، وكان لياطر نصيبها، بعدما حاول الجنود مهاجمتها، لكنّ عملاءهم نصحوهم بالعودة عن قرارهم بسبب كثرة الخرائب فيها ووعورة طرقاتها وتضاريسها، ففرضوا على أهلها ضريبةً ماليّةً بقيمة ثلاثمئة ليرة ذهبيّة واثنتي عشرة بندقيّة. ودخل جبل عامل منذ ذلك الوقت في غياهب الإهمال والفقر حتّى بداية الحرب الأهليّة عام 1975م.

* دعم القضيّة الفلسطينيّة
عام 1936م، تعاون بعض من رجال ياطر مع عزّ الدين القسّام، وصاروا يمدّونه بالسلاح من جبل عامل إلى فلسطين.

وبعد انطلاقة الثورة الفلسطينيّة عام 1968م، استحوذت ياطر على الحصّة الأكبر من العمل الجهاديّ بحكم طبيعة تضاريسها، فكانت قاعدة ضخمة لمجموعة من التنظيمات الفلسطينيّة، إلى أن شنّ الكومندس الإسرائيليّ ليلة الميلاد عام 1971م هجوماً كبيراً على البلدة، دمّر فيه خمسة منازل فوق رؤوس قاطنيها، وصارت ياطر من حينها على موعد مستمرّ مع القصف والتدمير والتهجير، إلى جانب تصدّي أبنائها لقوّات العدوّ.

* الاجتياحان الأوّل والثاني
احتُلّت ياطر في اجتياح عام 1978م كغيرها من القرى الجنوبيّة. وخلال الاجتياح الثاني عام 1982م، دُمّر الكثير من بيوت البلدة واستشهد عدد من شبابها، وفي عام 1985م، اعتقل العدوّ الصهيونيّ عدداً من شباب البلدة، وعندما عادوا في اليوم التالي لاعتقال المزيد، تصدّت لهم نساء البلدة، ولكنّهم أطلقوا النار عليهنّ، فاستشهدت إنصاف كوراني وجُرحت سبع نساء أخريات، ثمّ تصدّى لهم والد الشهيدة ببندقيّة الصيد مع بعض شباب البلدة، فلاذوا بالفرار، وتركوا خلفهم آليّاتهم العسكريّة التي أحرقتها النساء.

* تحرير تلّة الحقبان
بعد انسحاب الإسرائيليّين إلى الخطّ الحدوديّ الأماميّ، أقاموا مركزاً لهم في تلّة الحقبان، من أجل إحكام السيطرة عليها وقطع الطريق الذي يصل بين قضائَي بنت جبيل وصور. تحرّر الموقع عام 1987م، وقد قدّمت البلدة في سبيل ذلك ستّة عشر شهيداً، إضافةً إلى عشرين آخرين تعرّضوا للقنص على الطرقات من بينهم ثلاثة إخوة استشهدوا على شرفة منزلهم وهم يتناولون الطعام.

* حرب تمّوز 2006م
في حرب تمّوز عام 2006م، بدأت البلدة تتلقّى القصف من اليوم الثاني لعمليّة الأسر، بحيث دمّر طيران العدوّ الإسرائيليّ ثلاثة بيوت ارتقى فيها عدد من الشهداء. كما تعرّضت لعدد كبير من الإنزالات، إذ كان في أحراجها في أواخر شهر تمّوز نحو 2500 جنديّ من الغولاني بهدف احتلال البلدة، ولكنّ المجاهدين اكتشفوا أمرهم وكانوا لهم بالمرصاد.

في 12 آب، أي قبل يومين من انتهاء الحرب، تعرّضت البلدة لأعنف موجة قصف ترافقت مع إطلاق رصاص رشّاشات من طائرات الهليكوبتر على أسطح المنازل، بدأت من فترة الظهيرة حتّى التاسعة والنصف مساءً، وقد أطلق المجاهدون صاروخاً أصاب طائرة «اليسعور» الإسرائيليّة، فانفجرت وتحطّمت بالقرب من تلّة مريمين، فتوقّف القصف لساعات في تلك الليلة. وكان سقوط الطائرة قد عجّل في إنهاء الحرب التي استمرّت 33 يوماً.

* حرب الدفاع عن المقدّسات- سوريا
كحال معظم القرى، شارك عدد من المجاهدين من بلدة ياطر في معارك الدفاع عن المقدّسات في سوريا، وارتقى منهم ثمانية شهداء.

* معركة أولي البأس
في العدوان الأخير الذي شنّه العدوّ الصهيونيّ على لبنان، في أيلول/ سبتمبر 2024م، تعرّضت ياطر بشكلٍ شبه يوميّ للقصف والدمار، إضافةً إلى التفجيرات والانتهاكات المستمرّة التي رافقت قرار العدوّ خرق اتّفاق وقف إطلاق النار. وقدّمت البلدة 42 شهيداً بين مدنيّ وعسكريّ، متعهّدةً أن تبقى من القرى المبادرة إلى مقاومة المحتلّ والثبات على هذا النهج مهما عظمت التضحيات.

ستظلّ ياطر شاهداً حيّاً على تعاقب الحضارات والأحداث التاريخيّة التي شكّلت ملامحها عبر السنين، وأنموذجاً رائداً في مواجهة الصعاب والمحتلّين، ينبض ثورةً في أرضها وناسها.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع