الشيخ توفيق حسن علوية
يقول الإمام زين العابدين وسراج المؤمنين علي بن الحسين عليه السلام بخصوص الحقوق المشتركة بين الزوجين في رسالته الموسومة بـ"رسالة الحقوق"، وهو في معرض توجيه الخطاب إلى الزوج، وضمناً إلى الزوجة: "فأن تعلم أن الله جعلها سكناً ومستراحاً وأنساً وواقية. وكذلك كل واحد منكما، يجب أن يحمد الله على صاحبه ويعلم أن ذلك نعمة منه عليه، ووجب أن يحسن صحبة نعمة الله ويكرمها ويرفق بها"(1).
"الزواج" ظاهرة اجتماعية سببية، تتماشى مع الطبيعة البشرية القائمة على اختلاف الجنسين واحتياج كل جنس إلى الجنس المختلف عنه في التركيبة الجسدية، تحصيلاً للتكامل الذي لا يتأتى إلا من هذا الاجتماع السببي المنتج للاجتماع النسبي الكبير. وللزواج أهداف ومقاصد جمّة من قبل تقريب الأبعدين وتألّف الأقربين، وحفظ الأنسال ونوع البشريين، وتكثير الموحدين، والتسبب بعجيج الشياطين، وعصمة دين المتدينين، وضمان أرزاق الساعين، وتحصيل العفاف والتحصين، وعيش السكينة والطمأنينة كما نطق الكتاب المبين، ولبوس للمتعرين، وتكثير أنصار المهدي مكّن الله له في الأرض خير تمكين؛ وغير ذلك مما لا يسع المجال والمقام لاستقصائه وذكر تفصيلاته.
فما هي أبرز حقوق الزوج على الزوجة؟ وما هي أبرز الآداب التي ترسم كيفية تعامل الزوجة مع الزوج؟ من المعلوم أن الحقوق والواجبات المترتبة على كلا الزوجين حيال بعضهما البعض، تارة ينظر إليها من منظار فقهي قانوني، وأخرى من منظار مفاهيمي أخلاقي إنساني شعوري. أما من المنظار الفقهي، فإن غاية ما للزوج من حقوق وواجبات على الزوجة أمران هما: "التمكين الغريزي" و"الاستئذان في الخروج من المنزل". والمعيار الفقهي هو معيار قانوني كما لا يخفى. وإذا لم يعتضد بالمعايير الإنسانية والإيمانية والأخلاقية والشعورية؛ فإنه سوف يكون معتوراً بالجمود والخلو من أي روح وأي حافز!!! ومن هنا، فالحديث عن الحقوق والواجبات لا بد أن يكون من كلا المنظارين الفقهي والمفاهيمي الإنساني الأخلاقي الشعوري. ولقد ذكر الإمام علي بن الحسين عليه السلام الأمور التي على الزوجة تحقيقها في مقام أداء واجباتها حيال الزوج، وفي مقام التعامل معه؛ كما ذكر عليه السلام الطريق للوصول إلى ما هو المطلوب. أما الأمور المطلوبة، فهي أربعة، وهي مستفادة من قوله عليه السلام:
"فأن تعلم أن الله جعلها:
1 سكناً.
2 ومستراحاً.
3 وأنساً.
4 وواقية...".
وقوله عليه السلام إن الله جعلها(2) يعني أن الله تبارك وتعالى يريدها أن تكون كذلك. وأما الطريق للوصول إلى ذلك، فهو "حسن صحبة النعمة وأداء حقها". وهذا العنوان يختصر بالحقيقة كل الحقوق والواجبات المترتبة على الزوجين حيال بعضهما البعض، لا سيما إذا لاحظنا صفتي "الإكرام" و"الرفق" في قوله عليه السلام: "ووجب أن يحسن صحبة نعمة الله ويكرمها ويرفق بها"(3). فعلى الزوجة إذاً أن تكون سكناً لزوجها، فترسي حياته على مرسى السكينة الخالية من أي اضطراب أو إزعاج أو قلق. وعلى الزوجة أن تخلق أجواء الراحة المعتضدة بالسكينة؛ كما أن عليها أن تكون أنيسة موافقة كما حفزتها الأخبار الشريفة إلى ذلك. وأخيراً عليها أن تقي الحياة الزوجية من كل الشرور والأذى والإزعاج واللااستقرار والانحراف، لأنها التي جعلها الله تعالى "واقية" كما وصف الإمام علي بن الحسين عليه السلام. والطريق إلى ذلك كما ذكر الإمام علي بن الحسين L هو "حسن الصحبة وأداء حقها بالاكرام والرفق"؛ ونستطيع ذكر ما يتضمنه هذا العنوان العام من خلال ذكر بعض ما ينبغي على الزوجة فعله حيال الزوج.
* "الأنثوية" الكاملة:
بما تتضمنه من معانٍ ومفردات هي من أهم ما تقوم به الزوجة حيال الزوج. ولا أدري كيف تتمتع الزوجة بكامل الأنوثة، ولكنها بالتأكيد تدري وتتفنن في ذلك إلى حد الإبداع. وبالمعنى الشرعي الأنثوية الكاملة يطلق عليها ما يُعرف بـ"إزالة المنفرات". ومن الروايات الشريفة يسهل استفادة هذا المعنى، نظير قوله عليه السلام: "لا غنى بالزوجة فيما بينها وبين زوجها الموافق لها عن خصال وهن:... إظهار العشق له بالخلابة، والهيئة الحسنة لها في عينه"(4).
* "تخفيف المؤونة":
وعدم تعجيز الزوج في النفقة مما ينبغي على الزوجة أيضاً القيام به حيال زوجها، ولهذا، قال الإمام الصادق عليه السلام كما روي عنه: "من بركة المرأة قلة مؤونتها... ومن شؤمها شدة مؤونتها"(5). وذم عليه السلام تلك المرأة التي "تستقل الكثير ولا تقبل اليسير"(6). وعن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: "أيما امرأة أدخلت على زوجها في أمر النفقة وكلفته ما لا يطيق، لا يقبل الله منها صرفاً ولا عدلاً، إلا أن تتوب وترجع وتطلب منه طاقته"(7).
* "حسن الطالع":
وحسن الاستقبال والتوديع هو أيضاً مما ينبغي على الزوجة الالتزام به حيال زوجها. ولهذا، ورد أن رجلاً جاء إليه صلى الله عليه وآله فقال: "إن لي زوجة إذا دخلت تلقتني وإذا خرجت شيعتني، وإذا رأتني مهموماً قالت: ما يهمك، إن كنت تهتم لرزقك فقد تكفل به غيرك، وإن كنت تهتم بأمر آخرتك فزادك الله هماً، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: بشرها بالجنة وقل لها: إنك عاملة من عمال الله، ولك في كل يوم أجر سبعين شهيداً"(8).
* "الإطعام الطيب":
وهو أيضاً مما ينبغي على الزوجة مراعاة توفيره. وقديماً قالوا: "قلب الرجل في معدته"، وفي الحديث: "خير نسائكم الطيبة الريح الطيبة الطبيخ"(9). قد يقال: لا يجب على الزوجة إعداد الطعام وشبهه!! والجواب: صحيح، ولكن الاستنان بسنة السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام أمر محمود جداً، فقد كانت عليها السلام خير من تعد الطعام، وخير من كانت تعمل في التدبير المنزلي.
* "حفظ الزوج في نفسه وماله":
حال غيبته وهو من الأمور المهمة التي ينبغي على الزوجة مراعاتها في مسيرة حياتها الزوجية. وعن الإمام الصادق عليه السلام قال: "ما استفاد امرؤ فائدة بعد الإٍسلام أفضل من زوجة مسلمة تسره إذا نظر إليها إلى أن قال وتحفظه إذا غاب عنها في نفسها وماله"(10).
* "عدم إعواز الزوج إلى غيرها":
في الشؤون المرتبطة بالمرأة، وهذا أمر مهم على الزوجة مراعاته. وقد ورد في بعض الأخبار هكذا مضمون.
* "تسريع عملية إرضاء الزوج":
وهو من الأمور التي من شأنها إنجاح مسيرة الحياة الزوجية. وقد ورد في بعض الأخبار أن الزوجة الصالحة هي التي لا يغمض لها جفن حتى ترضي زوجها. وبالعموم فهذه بعض الأمور التي تطرقنا إليها في حديثنا، لا من باب التفصيل ولا حتى من باب الإجمال، بل من باب الإشارة ليس إلا. والحمد لله رب العالمين.
(1)تحف العقول، ص188.
(2)م.ن.
(3)م.ن.
(4)ميزان الحكمة، مادة “زواج”.
(5)مكارم الأخلاق، ص257.
(6)م.ن.
(7)م.ن، ص262.
(8)ميزان الحكمة، مادة “زواج”.
(9)وسائل الشيعة، ج20.
(10)ميزان الحكمة، مادة “زواج”.