أمل القطان
عند مطالعتنا للنصوص القرآنية والروايات الواردة عن النبي وأهل البيت عليهم السلام فيما يخص العلاقة الزوجية، والأسس الأخلاقية والحقوقية التي يجب أن تبنى عليها، نستطيع أن نلحظ بوضوح الارتباط الوثيق بين السلوك الأخلاقي للزوجين وبين مستوى الإيمان والتدين الذي يحوزه كل منهما، وهو مستوى أرقى وأرفع بكثير من مستوى إعطاء الحقوق وأداء الواجبات المتبادلة والمشتركة. وهذا يدفعنا إلى القول إن علينا أن نعيد النظر في أسلوب تعاطينا وطرحنا ونظرتنا للعلاقة الزوجية. وحيث إن المقال مخصص لتسليط الضوء على طبيعة سلوك الزوج ومراعاته لواجباته، وحقوق الزوجة عليه، اقتضى ذلك تخصيص الكلام في هذا الاطار.
بداية لا يخفى أن الزوجة في مجتمعاتنا تمثل العنصر الأضعف والأكثر قابلية لتقبل السلطة، وهذا يضع الزوج أمام امتحان ٍ كبير، حيث يشير الرسول صلى الله عليه وآله إلى أن “أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً، وألطفهم بأهله”(1) وأن خيار المؤمنين هم الأفضل تعاملاً مع النساء “خيركم خيركم لنسائه، وأنا خيركم لنسائي”(2). بل إن رسول الله صلى الله عليه وآله اعتبر من يكرم النساء كريم، ومن يهينهن لئيم، وكان دائماً يوصي بالنساء خيراً. وتذكر لنا كتب السيرة أن الصحابي الجليل سعد بن معاذ تعرّض لضغطة القبر نتيجة معاملته السيئة لأهله، مع أنه قضى شهيداً إثر إصابة أصيب بها في غزوة الخندق، وقد قام الرسول الكريم صلى الله عليه وآله بتكفينه بقميصه، وصلى عليه، وحضر جنازته، وأخبر أن الملائكة ومنهم جبرائيل حضروا جنازته(3).
وحدّد الإمام علي بن الحسين عليه السلام العوامل التي تعمق المودة والرحمة داخل الأسرة، وجعلها مسؤولية كل من الرجل والمرأة فقال عليه السلام: “لا غنى بالزوج عن ثلاثة أشياء فيما بينه وبين زوجته، وهي: الموافقة ليجتلب بها موافقتها ومحبتها وهواها، وحسن خلقه معها، واستعماله استمالة قلبها بالهيئة الحسنة في عينها، وتوسعته عليها...”(4). فالحديث يشير إلى عدة صفات على الزوج أن يتصف بها، بل وحتى يتكلفها إن لم تكن من طبعه(5). ونحن سنحاول عرض هذه الصفات، مستندين إلى ما ورد في الآيات والروايات:
* حسن الخلق:
ويتجلى بالاحترام والرحمة والإكرام. فالزوجة عون للزوج على طاعة الله بما تحصن من فرجه، وما ترعى من ولده. واعتبر الإمام زين العابدين عليه السلام إكرام الزوجة والرفق بها ورحمتها من حقوقها الواجب أداؤها من قبل الزوج، فقال في رسالة الحقوق: “وحق الزوجة أن تعلم أن الله عز وجل جعلها لك سكناً وأنساً، وتعلم أن ذلك نعمة من الله تعالى عليك، فتكرمها وترفق بها.. فإن لها عليك أن ترحمها..”. وقد ترحَّم الإمام الصادق عليه السلام على الزوج الذي يحسن فيما بينه وبين زوجته(6)، وأمر رسول الله صلى الله عليه وآله الرجل بإكرام زوجته، فقال: “من اتخذ زوجة فليكرمها”(7). وعندما سئل أبو عبد الله عليه السلام عن حق المرأة على زوجها، قال: “يسدّ جوعتها، ويستر عورتها، ولا يقبح لها وجهاً”(8).
* النفقة والتوسعة:
وتقدّر النفقة بحسب ما تحتاج إليه المرأة من طعام وشراب ومسكن وأثاث وخدمة، وما يتناسب وشأنها، ويكون بوسع الزوج بذله(9). وكما ورد في الحديث، فإن تأمين الزوج مستلزمات الحياة الكريمة لأسرته من الأمور التي تعمق المحبة، وتشيع أجواء الراحة، وتساعد الزوجة على القيام بواجباتها، وتأدية حقوق الزوج عليها.
* الموافقة:
ويقصد بها إعطاء الزوجة هامشاً من حرية الحركة والتصرف في شؤون المنزل، وعدم التشدد معها، والتدخل في كل التفاصيل، ما دامت لا تتجاوز دائرة المباحات، وحسن استخدامه لحق القوامة، بحيث تصبح المرأة زوجة لا أسيرة.
* الهيئة الحسنة:
وهذه المسألة على درجة كبيرة من الأهمية، فليس من حق الزوج فقط أن يرى زوجته في أحسن هيئة، بل عليه أن يستميل قلبها بهيئته الحسنة، ونظافة بدنه ، وخلوه من المنفرات، وقد روى الحسن بن جهم: “رأيت أبا الحسن الثاني عليه السلام اختضب، فقلت جعلت فداك، اختضبت؟ فقال: نعم، إن التهيئة مما يزيد في عفة النساء، ولقد ترك النساء العفة بترك أزواجهن التهيئة. ثم قال: أَيَسرّك أن تراها على ما تراك عليه إذا كنت على غير تهيئة؟ قال: لا. قال : فهو ذاك، ثم قال: من أخلاق الأنبياء التنظف والتطيب وحلق الشعر”(10).
* المبيت:
للمرأة على زوجها أن لا يهجرها ولا يتركها كالمعلقة لا كالمتزوجة ولا كالمطلقة. وإن كان عنده أكثر من زوجة، عليه أن يعدل بينهن في المبيت، فتكون لكل واحدة منهن ليلة من أربع ليال. وما فضل من الليالي، فله أن يبيت عند من يشاء أو لا يبيت عند أحد. وتختص العروس البكر عند زفافها بسبع ليالٍ، وغير البكر بثلاث ليالٍ(11).
* حفظ خصوصية العلاقة بينهما:
من الأمور التي حضّ عليها الإسلام، إبقاء العلاقة بين الزوجين مغلفة بالستر والكتمان، من دون أن يطلع على خصوصيتها وتفاصيلها أحد، وهذا أحفظ لدوام العلاقة، وأرضى لله، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله “إن شر الناس منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته، وتفضي إليه، ثم ينشر أحدهما سرّ صاحبه”. وقد أشار القرآن لهذا المعنى بقوله: ﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ﴾ (البقرة: 187.)
* التعاون في شؤون المنزل:
للتعاون بين الزوجين في إدارة المنزل أثر في تقوية العلاقات والروابط الأسرية و الروحية، ويخفف من الضغط والألم عمن يتصدى لكل الشؤون، ففي رواية تبين أن أمير المؤمنين كان يحتطب ويستقي ويكنس، وكانت فاطمة عليها السلام تطحن وتعجن وتخبز(12).
* رعاية أمر صلاتها وحسن تدينها:
يقول الله عز وجل: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا.. ﴾ (طه: 132) ويقول في موضع آخر: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾ (التحريم: 6). إن التواصي بالحق، وإعانة كل من الزوجين للآخر على طاعة الله، من الأمور المهمة، وإن كان دور الرجل أكبر، لأنه القيِّم على الأسرة، وإليه يعود أمر وضع الضوابط ومنع ارتكاب الحرام أو التشجيع عليه. لقد خلق الله الزوجين من نفس واحدة ، وأودع فيهما الاستعداد لتكون العلاقة بينهما علاقة مودّة ورحمة، وجعل هذا من آياته التي حضّ على التدبّر فيها، وتلمّس عظيم نعمه فيها، حيث يقول تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لاَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ (الروم: 21) وجعل الله القاعدة التي تحكم هذه العلاقة هي المعاشرة بالمعروف، فأمر سبحانه بذلك في قوله: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً ﴾ (النساء: 19)، فإن كره الرجل من زوجته خُلقاً، رضي منها آخر، فإن لم يتمكن من المعاشرة بالمعروف، يقول تعالى: ﴿ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ... تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ... وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلاَ تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللهِ هُزُواً وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ (البقرة: 229 231). وعندما سئل الإمام الرضا عليه السلام عن الآية قال: "أما الإمساك بالمعروف، فكفّ الأذى وإحياء النفقة. وأما التسريح بإحسان، فالطلاق على ما نزل به الكتاب"(13). وبناء على ما تقدم، لا يجوز للرجل إيذاء الزوجة مادياً أو معنوياً، قال رسول الله صلى الله عليه وآله كما روي عنه: "فأي رجل لطم امرأته لطمة، أمر الله عز وجل مالك خازن النيران فيلطمه سبعين لطمة في نار جهنم"(14). خلاصة الكلام، إن الإسلام اهتم كثيراً بالعلاقة بين الزوجين بهدف تكوين أسرة مستقرة وسعيدة تشيع فيها أجواء المودة والرحمة؛ فمع إضفائها لأجواء الاستقرار النفسي لدى الكبار، تشكل الأسرة البيئة الأولى والأكثر تأثيراً في تكوين شخصية الطفل، وسلامته النفسية والجسدية والعقلية.
(1)الصدوق: عيون أخبار الرضا، ج 2، ص 38.
(2)ابن بابويه: من لا يحضره الفقيه: ج ، ص 281.
(3)يراجع: القمي، عباس: سفينة البحار، ج1، ص621، نقلاً عن الطبسي، محمد جواد: الزواج الموفق، ص 143.
(4)محمد، ابن شعبة الحراني: تحف العقول في آل الرسول، ص 239.
(5)عن الإمام الصادق عليه السلام: “إن المرء يحتاج في منزله وعياله إلى ثلاث خلال يتكلّفها وإن لم يكن في طبعه ذلك، معاشرة جميلة وسعة بتقدير وغيرة بتحصين” (م،ن)، ص 336.
(6)من لا يحضره الفقيه (م، س)، ج 3، ص 281.
(7)النوري: مستدرك الوسائل، ج2، ص 550.
(8)الكليني، محمد: فروع الكافي، ج5، ص 517.
(9)يراجع: الخميني، روح الله: تحرير الوسيلة، ج2، ص 280 وما بعدها.
(10)فروع الكافي (م، س)، ج5، ص 567.
(11)يراجع: تحرير الوسيلة، (م، س)، ج2، ص 271.
(12)المجلسي: بحار الأنوار، ج 43، ص 151.
(13)الحر العاملي: وسائل الشيعة، ج15، ص226.
(14)الميرزا النوري: مستدرك الوسائل، ج14، ص250.