الشيخ علي حجازي
قال الله- تعالى:
﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ
أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً
وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لاَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾
(الروم: 21). تتحدث الآية عما خلقه الله عزّ وجلّ لأجل الرجل ولنفعه من جنسه، وذلك
لأن كل واحد من الرجل والمرأة خلق بمكونات طبيعية وعضوية يكتمل بها مع الآخر، وبذلك
يتم حفظ النسل الإنساني، فكلّ من الرجل والمرأة ناقص في نفسه، مفتقر إلى الآخر،
ويحصل من مجموع الرجل والمرأة واحد تام كامل، ولهذا النقص والاختصار يتحرك كلّ واحد
منهما إلى الآخر، ويسكن إليه، لأن كل ناقص يشتاق إلى كماله، وكلٌ يفتقر إلى ما يزيل
فقره.
أما قوله تعالى-
﴿وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً
وَرَحْمَةً﴾
المودّة كأنّها الحبّ الذي يظهر أثره في مقام العمل، والرحمة نوع تأثر نفساني يتحقق
بمشاهدة حرمان المحروم عن الكمال، وحاجته إلى رفع نقيصته. يشير الله تعالى في
القرآن الكريم إلى أن الزوجين يتلازمان بالمودّة والمحبّة وهما معاً، وخاصّة الزوجة،
يرحمان الصغار من الأولاد عندما يريان ضعفهم فيهتمان لحراستهم وتغذيتهم وكسوتهم
وإيوائهم وتربيتهم، ولولا هذه الرحمة لانقطع النسل، ولم يعش النوع قط.(1) وقد شرّع
الإسلام المقدّس حقوقاً لكلّ من الزوجين وواجبات على كلّ منهما، وذلك تنظيماً
لأمورهما بما يؤدّي إلى التكامل، من خلال إعطاء كلّ منهما دوراً يناسب تكوينه
وإمكانيّاته، مع حثّ كلّ منهما على التحلّي بالأخلاق الفاضلة ليمارس دوراً أوسع
ممّا يجب عليه، ليصير القرينان من الأفضل في الدنيا والآخرة. والحقّ هنا بالمعنى
العام لا المصطلح الخاصّ.
* من حقوق الزوجة في الإسلام حقّ النفقة والسكن
أ- يجب على الزوج أن ينفق على زوجته، فالنفقة من حقوقها على زوجها، وذلك إذا توفّر
شرطان:
الأوّل: أن يكون الزواج دائماً، فلا تجب النفقة للزوجة في الزواج المؤقّت، نعم إذا
تمّ الاتّفاق بينهما على النفقة وجبت التزاماً بالشرط.
الثاني: أن لا تكون الزوجة ناشزة، فلا تجب لها النفقة مع نشوزها.
ب- إذا سافرت الزوجة في غير الواجب المضيّق ولا اضطرار بدون إذن الزوج فلا تجب لها
النفقة.
ج- إذا سافرت في واجب قد ضاق وقته أو كانت مضطرّة للسفر (كما لو سافرت لطلب علاج لا
يمكن تأمينه إلّا في السفر، وكان العلاج ضروريّاً) فتبقى النفقة حقّاً لها على
الزوج.
د- إذا سافرت أو خرجت بإذن الزوج تستحقّ النفقة على زوجها.
ه-- إذا خرجت من بيت زوجها ولو لغير سفر بدون إذنه تسقط نفقتها.
و- لو عادت إلى الطاعة وأظهرت ذلك، بحيث علم الزوج بذلك، وأمكن له الوصول إليها
فتستحقّ النفقة من جديد، ولا يجب على الزوج ما أنفقته الزوجة حال نشوزها.
ز- تسقط نفقتها إذا لم تمكّن الزوج من نفسها للاستمتاع بها بدون عذر. ولا تسقط
نفقتها مع عدم تمكينه من نفسها لعذر، سواء أكان العذر شرعيّاً (كما لو كانت في
الحيض- بالنسبة للدخول في القبل فقط، أو الاعتكاف الواجب أو الإحرام- بالنسبة لكلّ
الاستمتاعات)، أم كان العذر عقليّاً (كما لو كانت مريضة، فيجوز لها عدم تمكينه ممّا
يسبّب لها الضرر أو الحرج بسبب مرضها)، أو غير ذلك.
ح- تثبت النفقة والسكن للمطلّقة صاحبة العدّة الرجعيّة ما دامت في العدّة، من دون
فرق بين كونها حاملاً أو لا.
ط- تسقط نفقة وسكن المطلّقة صاحبة العدّة البائنة إذا لم تكن حاملاً، وأمّا الحامل
فإنّها تستحقّها حتّى تضع حملها وتسقط النفقة عن المتوفّى عنها زوجها حتّى لو كانت
حاملاً.
* تحديد النفقة والسكن
أ- لا تقدير للنفقة شرعاً، بل الضابط في ذلك القيام بما تحتاج إليه المرأة من طعام
(بما فيه اللحم) وكسوة وفراش وغطاء، وآلات تحتاج إليها لشربها وطبخها وتنظيفها وغير
ذلك. والأولى إيكال الأمر إلى العرف والعادة في جميع المذكورات، فيُلاحظ ما هو
المتعارف لأمثالها بحسب حاجات بلدتها الّتي تسكن فيها. ومن النفقة الواجبة لها
الأدويّة المتعارفة الّتي يكثر الاحتياج إليها بسبب الأمراض والآلام المعتادة.
ب- تستحقّ- أيضاً- على زوجها السكن اللائق بشأنها، وهو من النفقة الواجبة. ولا يجوز
لزوجها أن يخرجها من بيته إلّا إذا أمّن لها سكناً آخر لائقاً بشأنها.
* الزوجة الغنيّة
تستحقّ الزوجة النفقة حتّى لو كانت غنيّة، بل لها على زوجها حقّ الإنفاق وإن كانت
من أغنى الأغنياء.
* فقر الزوج
أ- إذا كان الزوج فقيراً يجب عليه تحصيل المال للإنفاق على زوجته بالاكتساب اللائق
بحاله وشأنه، ويجب الاقتراض لذلك إذا أمكن الإيفاء فيما بعد من دون مشقّة، فإن لم
يمكن تأمين النفقة تصير ديناً في ذمّته لزوجته.
ب- تملك الزوجة على زوجها نفقة كلّ يوم ممّا يصرف ويستهلك بحيث لا تبقى عينه (من
طعام وغيره)، تملكه صبيحة كلّ يوم، ولو دفعها إليها ولم تصرفها تصير ملكاً لها،
وليس للزوج استردادها ويمكن غير ذلك مع الاتّفاق بينهما.
* حقّ المعاملة بإحسان
يجب على الزوج أن يعامل زوجته بإحسان، وأن يغفر لها إذا جهلت، فلا يجوز له أن
يهينها، ولا أن يهتك حرمتها، فلا يقبّح لها وجهاً. وإذا أخطأت فعليه أن يغفر لها.
* طائفة من الروايات
1- عن الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام ، أنّه قال في قوله تعالى:
﴿وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ
فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللهُ﴾؟
(الطلاق: 7) قال: "إن أنفق عليها ما يقيم ظهرها مع كسوة وإلّا فُرّق بينهما" (2).
2- عن إسحاق بن عمّار أنّه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن حقّ المرأة على زوجها،
فقال: "يشبع بطنها، ويكسو جثّتها، وإن جهلت غفر لها"(3).
3- عن يونس بن عمّار، قال: زوّجني أبو عبد الله عليه السلام جارية كانت لإسماعيل
ابنه، فقال: "أحسن إليها، قلت: وما الإحسان إليها؟ قال: أشبع بطنها، واكس جثّتها،
واغفر ذنبها"(4).
4- عن أبي القاسم الفارسيّ قال: قلت للرضا عليه السلام: جُعلت فداك، إنّ الله يقول
في كتابه:
﴿فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ
بِإِحْسَانٍ﴾
(البقرة: 229) وما يعني ذلك؟ فقال: "أمّا الإمساك بالمعروف فكفّ الأذى
وإجباء النفقة، وأمّا التسريح بإحسان فالطلاق على ما نزل به الكتاب"(5).
* حقّ العلاقة الزوجيّة الخاصّة
أ- تستحقّ الزوجة على زوجها العلاقة الزوجيّة الخاصّة (الجماع) مرّة على الأقلّ كلّ
أربعة أشهر، فلا يجوز للزوج أن يترك جماعها أكثر من أربعة أشهر إلّا بإذنها أو لعذر،
فإذا كان معذوراً يجوز الترك ما دام العذر موجوداً.
ب- يجوز للزوج ترك جماع زوجته إذا كان مسافراً سفراً ضروريّاً، كسفر تجارة أو تحصيل
علم، ونحو ذلك، وأمّا السفر لمجرّد الأنس والتفرّج ونحو ذلك فلا يجوز ترك المجامعة
على الأحوط وجوباً إلّا بإذن الزوجة.
* حقّ المبيت
أ- إذا كان للرجل زوجة واحدة فلها عليه حقّ المواقعة في كلّ أربعة أشهر مرّة، ولا
يجب المبيت عندها في كلّ أربع ليالٍ ليلة، ولكنّ اللازم أن لا يهجرها، وأن لا
يتركها كالمعلّقة لا هي ذات بعل ولا مطلّقة.
ب- إذا كان للرجل أكثر من زوجة فإن بات عند إحداهنّ ليلة يجب عليه أن يبيت عند
غيرها أيضاً، فإنّ كنّ أربع زوجات وبات عند إحداهنّ ليلة طاف على غيرها، لكلّ منهنّ
ليلة، ولا يفضّل بعضهنّ على بعض.
ج- إذا لم يكن للزوج أربع زوجات يجوز له تفضيل بعضهنّ، فإن كان عنده زوجتان يجوز أن
يبيت عند إحداهما ثلاث ليال، وعند الأخرى ليلة، فإنّ لها ليلة من أربع، وللأولى
ليلة، فيبقى له ليلتان يجوز له أن يبيتهما عند الأولى، ويجوز أن يعطي لكلّ واحدة
ليلتين، ويجوز أن يبيت الليلتين في مكان ثالث، وهكذا.
د- يختصّ وجوب المبيت بالدائمة، فليس للمتمتّع بها هذا الحقّ، سواء أكانت واحدة أم
متعدّدة.
ه-- يجوز للزوجة أن تهب حقّ المبيت للزوج ليصرف ليلته فيما يشاء، ويجوز أن تهبه
للضرّة، فيصير الحقّ لها.
و- يحقّ للزوجة البكر أوّل عرسها بسبع ليال، وغير البكر بثلاث.
ز- يستحبّ للزوج التسوية بين الزوجات في الإنفاق، والالتفات، وإطلاق الوجه،
والمواقعة، وأن يكون في صبيحة كلّ ليلة عند صاحبة الليلة.
* حقّ الحضانة
أ- الأم أحقّ بحضانة ولدها وتربيته وما يتعلّق بها من مصلحة حفظه مدّة حولين (أي
سنتين هلاليّتين) بالنسبة للصبيّ، وهي أحقّ بحضانة البنت مدّة سبع سنين. وبعد ذلك
ينتقل حقّ الحضانة إلى الوالد.
ب- إذا فارق الزوج زوجته بفسخ أو طلاق لا يسقط حقّ الأمّ بالحضانة في المدّة
المذكورة ما لم تتزوَّج بغير الوالد، فلو تزوّجت بغيره يسقط حقّها عن الصبيّ والبنت،
وتكون الحضانة للوالد، ولو فارقها الثاني يعود حقّها إن كان الولد ضمن السنتين،
والبنت ضمن السبع سنوات.
ج- إذا مات الأب بعد انتقال حقّ الحضانة إليه أو قبله تكون الأم أحقّ بحضانة الولد
من غيرها حتّى وإن كانت متزوّجة.
د- إذا ماتت الأمّ في زمن حضانتها يكون الأب أحقّ بالحضانة من غيره.
(1) الميزان في تفسير القرآن، السيّد محمّد حسين الطباطبائي، ج16، ص166.
(2) الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، ج21، أبواب النفقات، باب 1، ص 509، حديث1.
(3) م. ن، حديث 3.
(4) م. ن، حديث 8.
(5) م. ن، حديث 13.