نور روح الله | بالدموع الحسينيّة قضينا على الاستكبار* بمَ ينتصر الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف؟ (2)* فقه الولي | من أحكام النزوح تحقيق | قصائدُ خلف السواتر مناسبات العدد ياطر: إرثٌ في التاريخ والمقاومة (2) محميّة وادي الحجير: كنزُ الجنوب الصامد (1) قصة | وزن الفيل والقصب شعر | يا ضاحية الافتتاحية | لحظة صدقٍ مع اللّه

تسابيح جراح | نحن قومٌ لا نخاف

حنان الموسوي
 

جلست وأولادي على أريكةٍ في المنزل، بينما زوجتي تعدّ لنا الطعام. رنّ جهاز «البايجر»، فناولني إيّاه ولدي مستغرباً رنينه الطويل والغريب. حملته بيدي اليسرى، واتّخذت له مكاناً محايداً لا شعوريّاً. وصلتني حرارة مدّخرة حين أمسكت الجهاز بكامل يدي، قرأت بعض الرموز غير المفهومة، وفجأةً، صمّ أذنيّ صوت انفجارٍ قويّ.

طمأنت من حولي أنّي بخير، رغم عدم إدراكي بما يجري، لكنّ عجزي عن الرؤية ودفء ما يسيل من عينيّ أوحى لي بفقدانهما. كما أنّي فقدت الإحساس بأصابع يدي اليسرى، ما دلّني أنّي حُرِمتُ منها. صراخ أفراد عائلتي لهول ما رأوا دفعني لشدّ عزمي كي يقوَوا، رغم ترنّحي بين الوعي وعدمه، وطلبت منهم الاتّصال بأقاربنا كي يصطحبوني إلى المستشفى.

* ريشةُ اللّين
بقواي المنهكة نزلت الأدراج. اصطحبني جاري بسيّارته إلى مستشفى دار الأمل الجامعيّ، ولحق بنا أخي. حين وصلنا إلى الطوارئ، فهمنا من عدد الجرحى هناك أنّهم أصيبوا جميعاً في مجزرة «البايجر». لم يقرب منّي الألم بتاتاً، وكأنَّ طيفاً من اللطف كلّل جسدي، أو ريشةً من اللّين طافت على جروحي، فنثرت الأنس في عروقي. لم أعلم أنّ النوم سيلازمني لأيّامٍ ثلاث، فأدركت عند استيقاظي أنّ أمل بقائي حيّاً كان ضئيلاً بسبب ما خسرته من دم، ما استدعى ملازمة أخي لي. لم يحجب ضمّاد عينيّ الرؤية، فبصيرتي كانت ترى الجميع دون استثناء. لم أحتج لعينين تُرياني أشكال من أحبّهم ولهفتهم، تواصلي الروحيّ معهم نقلني إلى عالمٍ خالٍ من المادة.

* سفر وجراحات
بعد أيّام عدّة، طلب الإخوة نقلي إلى إيران، فسلّمت أمري إلى الله وتقبّلت إصابتي في هذا الخطّ بالترحاب. رافقني أخي إلى هناك، حيث خضعت لأربع عشرة عمليّة جراحيّة، توزّعت ما بين الوجه، والعينين، واليد. لم يتوانَ الإخوة هناك عن تقديم أيٍّ من الخدمات التمريضيّة، وقد أحاطونا بأفضل رعايةٍ واهتمام.

* فاجعةٌ ويتم
جراحاتي الكثيرة لم تتِح لي متابعة الأحداث بشكلٍ دائم، كما أنّ أخي ومن حولي أخفوا عنّي الحدث المؤلم مخافة أن تتدهور صحّتي. مرّ شهر ونصف على استشهاد الأمين على القلوب، وكنت كلّما سألت عن سماحته أجابني أخي أنّه بخير، حتّى نُقلت إلى مشهد. عند مدخل الفندق، رُفعت صورة الشهيدين السيّد هاشم صفيّ الدين والشيخ نبيل قاووق (رضوان الله عليهما). أسراب من عواصف الألم أصابتني، سألت أخي ولم يجب، عندها، أخبرته أنّنا أصحاب درب جهاديّ وعقيدة، وأنّ الشهادة هي أسمى أمنياتنا. وحين أخذ يلتفّ على الخبر، أدركت أنّ الفاجعة حلّت، أحسست باليتم بشهادة قائدنا وأبينا وسيّدنا.

* استقبالٌ مهيب
عاشت عائلتي، ككثير من الناس، رعب القصف والمجازر قرابة شهر ونصف الشهر خلال الحرب، بعدها، طلب الإخوة منهم الانتقال إلى سوريا ومنها إلى إيران. وفدوا إليّ وبقينا معاً هناك مدّة من الوقت، ثمّ عدنا جميعاً عبر مطار بـيــروت. كأبـطــالٍ استقبلونا في القرية، فقد كنت عميد فوج الكشّافة لفترة طويلة. تجمهر أهل القرية قاطبة وأظهروا كلّ الودّ والفرح لقدومي.

* حدسٌ صادق
كان جلّ همّي والدتي التي لم تكن تعلم بإصابتي، فهي طاعنة في السنّ وتحمل في جسمها النحيل الكثير من الأمراض. عندما كانت تحدّثني عبر الفيديو، كنت أخفي يدي المبتورة وأضع النظّارات الشمسيّة، وقد كرّرتْ سؤالها عن عينيّ رغم جهلها بفقداني لهما، حدس أنبأها أنّ مكروهاً لحق بهما، رغم إخبارها أنّي دُعيتُ إلى إيران لتكريمي لقاء جهودٍ قدّمتها، وبأنّي قد تعرّضت لإصابة طفيفة في العين.

لحظات حرجة مرّت على فؤادها عندما رأتني مباشرةً، كان الله في عونها وأمدّها بالصبر. في تلك اللحظة، أحسست أنّي أراها، صارت تسرّح حاجبيَّ، وتمرّ بأصابعها فوق جفنَي السمراوَين، بهمسها الطريّ وحزن كيانها تهدهدُ فوق جرحي، فتحرّكت في داخلي ارتجازات العتابا لكي أخفّف من هول الصدمة عنها، وطمأنتها أنّي قدّمت عينَيّ لأبي الفضل العبّاس عليه السلام. فرغم صبرها كانت تزفر الآه وتبكي من حينٍ لآخر، وتضع يدي على صدرها وتضمّها إلى قلبها.

* جهاد التبيين
ما زلت أتابع عملي في الكشّافة، وأجمع التبرّعات من المقتدرين ماديّاً لتوزيعها على المحتاجين. ألقي بعض المحاضرات وأدير بعض الجلسات في النوادي الحسينيّة والرياضيّة، فإصابتي على اتّساع الجرح وعمقه، بات دورها أكبر في جهاد التبيين، وعلى عاتقي رسالة يجب أن أؤدّيها.

* رسائل القوّة
رسالتي للمجاهدين: إنّ ابن حزب الله كالعلَم يشار إليه بالبنان، لذا، يجب أن نكون على قدر المسؤوليّة، هذا ما عاهدت سماحة السيّد الأقدس عليه عندما زرت ضريحه، فمقاومتنا تشعّبت لتطال جميع الأصعدة العسكريّة، والمهنيّة، والرياضيّة، والفنيّة، والعائليّة. كانت زيارة معبّرة، خاطبته بروحي، وألقيت كلمة سجّلها المعنيّون. خلاصة العهد كانت: نحن قوم لا نبدّل عقيدتنا، ولا نُذلّ ولا نخاف. سنكون سلاح سماحة الشيخ نعيم قاسم كما عهدتنا، جراحنا وآهاتنا سلاح، سنكون حيث يجب أن نكون في كلّ ساح، بندائنا الدائم «لبّيك يا نصر الله». 

للشامتين من الصهاينة ولأذنابهم في الداخل: لقد خضنا البحر مع سماحة السيّد، صبرنا على قصف قرانا، وقتلِ أبنائنا، وترويع أهلنا الصامدين وتهجيرهم، لن نتخلّى عن هذا النهج الشريف، وأنا على استعدادٍ لتقديم وحيدي قرباناً ليبقى هذا النهج حتّى الظهور المبارك.

سلاحنا الأساسيّ ليس فقط القدرة العسكريّة، بل هو عقيدتنا، وتمسّكنا بالمقاومة، والتفاف الناس حولها. حزب الله منصورٌ وهو الغالب، فالله كتب له النصر، وهذه المسيرة بعين صاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف.

اسم الجريح الجهاديّ: أبو علي فداء.
تاريخ الولادة: 10-2-1976م.
تاريخ الإصابة: 18-9-2024م.
نوع الإصابة: كفيف، بتر أصابع اليد اليسرى.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع