نور روح الله | بالدموع الحسينيّة قضينا على الاستكبار* بمَ ينتصر الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف؟ (2)* فقه الولي | من أحكام النزوح تحقيق | قصائدُ خلف السواتر مناسبات العدد ياطر: إرثٌ في التاريخ والمقاومة (2) محميّة وادي الحجير: كنزُ الجنوب الصامد (1) قصة | وزن الفيل والقصب شعر | يا ضاحية الافتتاحية | لحظة صدقٍ مع اللّه

مضائف هذا العام تحفظ الوصيّة

تحقيق: ديما جمعة

يختلف شهرُ المحرَّمِ هذا العام عن الأعوامِ المنصرمة؛ فجمهورُ المقاومةِ الذي أثبت خلال الأشهرِ الماضية أنَّه عاشقٌ للإمامِ الحسين عليه السلام، متأسٍّ بِصَبْرِهِ وبصيرةِ أصحابِه، سائرٌ على نهجِه، يفتقدُ سيّدَهُ الأسمى وقادتَهُ وثلّةً من الشهداءِ على طريقِ القدس، حيث تطالعُنا في كلِّ حيٍّ صورُهم المشرِقَةُ عِزّاً وفخراً.

كما قد حضرت المضائفُ الحسينيّةُ في وصايا شهيدِنا الأسمى، رِعايةً منه لإحياءِ الشعيرةِ الحسينيّةِ في أرقى مستوى.

في هذا التحقيق، نستذكر أولئكَ السبّاقين لنيلِ رضى الله وطاعتِه في حياتِهم، الذين لطالما شاركوا في الخدمةِ فيها، في أبسطِ المهامِّ، بدءاً من توزيعِ المناديلِ الورقيّةِ، وصولاً إلى إقامةِ مضائفِ الإطعامِ ورِعايتِها. كما نتابع في هذا التحقيقِ عملَ المضائفِ ونطرحُ أسئلةً على المعنيّين بها لجهةِ النظامِ والانضباطِ والجوانبِ الصحيّة، في هذا العام: هل ستكونُ المضائفُ على العهد؟

* خدّام الإمام الحسين عليه السلام
لعلّه من المفيد التوقّف قليلاً عند الشهداء من زوّار الأربعين العام الماضي كما في كلّ عام. فهذا العام، الطعام يُقدَّم بنكهة الجنّة، وأريج الشهادة، وعبق العشق الحسينيّ؛ فالأمّ تشارك في إعداد مضيف حرص شهيدها على التدقيق في تفاصيله، حيث صور السعداء تحيّينا بابتسامة أمام كلّ موكب. فيما طفل يعلّق الراية، ووالد يبسط مفرش الطاولة، وصديق يضع القدر على النار لتحرّك ما فيها أيدي العائلة والأصدقاء.

* مستمرّةٌ رغمَ الصعوبات
لأنَّ مضائفَ هذا العام بِنَكهةِ الشهادةِ، فقد حضرت فيها توصياتُ شهيدِنا الأسمى، لناحيةِ الاهتمامِ بها وبِنَوعيّةِ الطعامِ المُقدَّمِ وطبيعتِه ونظافتِه، وأصبح هذا الأمرُ مسؤوليّةً تتحمّلُها جهاتٌ مختلفة.

اعتادت الحاجّةُ أمُّ حسن منذ أعوامٍ طويلةٍ أن توفي بِنَذْرِها لإعدادِ الهريسةِ، خلالَ الثلاثةِ عشرَ يوماً من بدايةِ المحرَّمِ، وأصبحت مقصداً للعديدِ من أبناءِ المنطقةِ والأحياءِ المحيطةِ. كان يساعدُها في ذلك زوجها الحاجُّ أبو حسن حتّى توفّاه الله، وظلّت كعادتها محتسبةً صابرةً، فلم تتوقّف عن توزيعِ الطعام، بل علّقت صورةً كبيرةً لزوجِها في المضيفِ حتّى تأنسَ به، وليترحّمَ عليه قاصدو الموكب. حين سألناها عن خصوصيّةِ المحرَّمِ هذا العام، تنهّدت ثمّ شكرت الله على «استمرارِ النهجِ الحسينيِّ رغمَ كلِّ التحدّياتِ التي مررنا بها»، وأشارت إلى أنّ المستلزماتِ الأساسيّةِ لطهوِ الهريسةِ لا تزال موجودةً باستثناءِ بعضِ الأدواتِ التي أتلفتها غارةٌ إسرائيليّةٌ على منزلِها.

«هالسنة رح نفتقد الشهيدِ علي قاسم، كان صديقَ ابني، ودايماً بِساعدنا بتحضيرِ الأكلِ على حبِّ الإمامِ الحسين عليه السلام». تَكُفُّ عن الكلامِ طويلاً قبل أن تُضيف: «وعنّا ابن أختي مفقود الأثر... الله يسكّن قلوبنا ونعرفُ خبر عنه قريباً».

* الشهداء حاضرون في الموكب
بدوره أبو تراب، يستذكر أسماء 25 شابّاً ممّن كانوا يحضرون بشكلٍ مستمرّ للمشاركة في إعداد الطعام، سيفتقدهم الموكب هذا العام بعد أن ارتقوا شهداء على طريق القدس. وأشار إلى عدد من الشهداء الأحياء الذين سيكون لهم دور مهمّ كما في كلّ عام، بعضهم فقد بصره أو كفّه بانفجار أجهزة «البايجرز».

«عاشوراء هذا العام نعيشها بوجع السيّدة زينب عليها السلام، وبانطفاء عينَي العبّاس وبتر كفّه، وبيتم رقيّة ولوعة الرباب»، يقول الحاجّ أبو تراب.

* التزاماً بتوصيات الأمين
بعد لقائنا بعض أصحاب المضائف، توجّهنا إلى المعنيّين للاطّلاع على أبرز الإجراءات التي اتُّخذت هذا العام لتنظيم موائد الإطعام وانتشارها بين الأحياء، والتحضيرات التي سبقت حلول شهر المحرّم.

في مستهلّ حديثها، تشير مسؤولة سلامة الغذاء في الهيئة الصحيّة الإسلاميّة فاطمة فحص إلى أنّ مشروع الرقابة وتنظيم المضائف العاشورائيّة انطلق منذ أعوام، استجابةً لتوجيهات سماحة السيّد حسن نصر الله (رضوان الله عليه)، الذي بارك هذه المضائف، وشدّد في خطبه على أهميّتها، كما دعا المعنيّين إلى تقديم الدعم والإرشادات اللازمة لضمان إعداد طعام صحيّ وسليم، والرقابة على النظافة لمنع حدوث حالات تسمّم، إضافةً إلى التأكّد من مصادر اللحوم والدواجن لضمان تقديم طعام حلال.

* رقابة واستعداد
تتوقّف فحص عند نتائج العام الماضي، لتشير إلى العمل الدؤوب بالتعاون مع البلديّات واتّحادات البلديّات في الرقابة على 700 مضيف توزّع مع بداية شهر المحرّم الماضي في مناطق بيروت والجنوب والبقاع، وقد نُفّذت 3 ورش تدريبيّة لـ83 مراقباً صحيّاً للتدقيق في عمل هذه المضائف، وضمان تطبيق معايير السلامة.

بدأ التحضير قبل أشهر عبر إدارة 7 ورش لـ180 مسؤولاً عن المضائف العاشورائيّة للتركيز على أهميّة تطبيق معايير سلامة الغذاء. كما شملت الورش توزيع مئات الملصقات الإرشاديّة، ونشر تعليمات وإرشادات عبر مواقع التواصل الاجتماعيّ، وتوزيع 500 عيّنة للحفاظ على النظافة الشخصيّة من كفوف وكمامات ومعقّمات.

وانطلاقاً من تجربة العام الماضي، أكّدت فحص أنّ 20 مهندساً من مهندسي التصنيع الغذائيّ التابعين للهيئة الصحيّة الإسلاميّة ساهموا في الكشف على هذه المضائف بالتعاون مع 82 مراقباً صحيّاً من البلديّات واتّحاد البلديات. وبالنسبة إلى هذا العام، أوضحت أنّ العمل قد انطلق بناءً على تحضيرات العام الماضي، وتجسيداً لخلاصة التجربة ورصيد ورش المشروع التي نُفّذت خلال المحرّم الفائت.

أمّا جديد هذا العام، فتكشف فاطمة فحص عن إطلاق ورش تدريبيّة يخضع لها أصحاب المضائف اللبنانيّة في العراق، والتي تتوزّع على طريق «المشّاية» في الأربعين من النجف إلى كربلاء، بهدف تطبيق أفضل معايير سلامة الغذاء.

* شروط إقامة المضائف
انتقلنا بعد ذلك للحديث مع الحاجّ عبّاس ياغي، مدير مديريّة العمل البلديّ في منطقة بيروت، عن تنظيم المضائف عبر ترخيصها، وشدّد على التعاون مع بلديّات المنطقة والتشدّد في تطبيق عدد من الشروط والضوابط الأساسيّة، التي على كلّ راغب بتحصيل الإذن في إقامة موكب الالتزام بها، أبرزها:

التقيُّد بالمساحة الموافَق عليها من البلديّة.
عدم قطع الطريق أو توزيع الطعام على الطريق ما يسبّب عرقلة السير.
الالتزام بالوقت المحدّد لعمل المضيف وعدم التجمّع أمامه.
عدم استخدام مكبّرات الصوت بشكلٍ يؤدّي إلى إزعاج المحيط والجيران.
تنظيم عمليّة التوزيع، وتخصيص صفوف للرجال وأخرى للنساء، وإنشاء ممّرات لمنع تجمّع الناس أمام المضائف.
عدم توزيع الطعام والضيافة خلال إقامة المجالس الحسينيّة.
الالتزام بضوابط المفرزة الصحيّة وتوجيهاتها وقراراتها، وهي التي تُعنى بتطبيق شروط سلامة الغذاء والصحّة، والمحافظة على النظافة العامّة في المضائف، وإزالة النفايات يوميّاً وكلّما دعت الحاجة.
التدقيق مع فرق خاصّة بسلامة الغذاء في نوعيّة الأطعمة التي تقدَّم.

* استمارة إلكترونيّة وإحصاءات
تحدّث ياغي عن إطلاق استمارة إلكترونيّة تهدف إلى إحصاء المضائف ومتابعتها، وهي تساعد في تحديد عدد المضائف المنتشرة في الضاحية الجنوبيّة ومواقعها. وقد توزّعت المضائف في العام الماضي على الشكل الآتي:
- الغبيري: 64 مضيفاً.
- المريجة وتحويطة الغدير: 77 مضيفاً.
- برج البراجنة: 62 مضيفاً.
- حارة حريك: 190 مضيفاً.
- الحدث: 37 مضيفاً.
- الشويفات: 5 مضائف.
- الشياح: 8 مضائف.

وفي السياق نفسه وتحت إشراف البلديّات، تابع المعنيّون تنظيم عمل المضائف هذا العام أيضاً، وقد أشار ياغي إلى سلسلة إجراءات لتنظيم أماكن إقامتها منعاً لعرقلة حركة السير قدر الإمكان، وتأمين تطبيق الشروط الصحيّة من تبريد اللحوم وتنظيف المكان بشكل مناسب قبل تحضير الطعام، وصولاً إلى كيفيّة التعليب والتوزيع والحفاظ على النظافة العامّة، إضافة إلى الطلب من صاحب المضيف التوقيع على تعهّد بفكّ المضيف بعد الثالث عشر من المحرّم.

تعدّ هذه الخطوات التي يتّخذها المعنيّون في البلديّات بالشأن الصحيّ والهيئة الصحيّة أساسيّةً في تنظيم عمل أصحاب المضائف، ولكن تبقى الرقابة الذاتيّة الأهمّ من كلّ ذلك، من خلال التنظيم الجيّد، والالتفات إلى المحاذير الشرعيّة، واستحضار الهدف من توزيع الطعام، وهو السعي لنيل رضى الله تعالى.

فليكن اجتماعنا على حبّ الإمام الحسين عليه السلام بما يرضيه ويسرّه، وقد أشار شهيدنا الأقدس (رضوان الله عليه) مرّات عدّة إلى برَكَة هذه المضائف، وتوجّه بالشكر إلى أصحابها لبذلهم المال والتعب في سبيل إنجاحها. حاليّاً، نفتقد حضوره بيننا، وهذا ما يحمّلنا مسؤوليّة أكبر في السير على خطاه، والتقرّب من الله باتّباع وصاياه.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع