نور روح الله | بالدموع الحسينيّة قضينا على الاستكبار* بمَ ينتصر الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف؟ (2)* فقه الولي | من أحكام النزوح تحقيق | قصائدُ خلف السواتر مناسبات العدد ياطر: إرثٌ في التاريخ والمقاومة (2) محميّة وادي الحجير: كنزُ الجنوب الصامد (1) قصة | وزن الفيل والقصب شعر | يا ضاحية الافتتاحية | لحظة صدقٍ مع اللّه

محميّة وادي الحجير: كنزُ الجنوب الصامد (1)

تقرير: إيمان قصير قرصيفيّ*
 

تُعدّ محميّة وادي الحجير رمزاً للتنوّع البيئيّ والاستدامة في الجنوب اللبنانيّ، بحيث تجمع بين الحفاظ على التنوّع البيولوجيّ وتنمية المجتمعات المحلّيّة عبر السياحة البيئيّة والزراعة العضويّة. إلّا أنّ العدوان الصهيونيّ عام 2024م شكّل تهديداً مباشراً لهذا التوازن، متسبّباً بأضرار فادحة في مواردها الطبيعيّة وبنيتها البيئيّة.

يسعى هذا التقرير، إلى تحليل دور هذه المحميّة في التنمية المستدامة، وتقييم الأضرار الناجمة عن العدوان، وتقييم جهود التعافي وإعادة التأهيل، في سياق استراتيجيّات التنمية المستدامة ودور المجتمع المحلّيّ والدوليّ في حماية هذا الإرث البيئيّ الحيويّ. لذلك استند التقرير إلى مقابلة أجريت مع د. أحمد زراقط، بصفته مدير المحميّة السابق وعضو لجنة إدارتها.

* أوّلاً: أهميّة محميّة وادي الحجير البيئيّة
لمحميّة وادي الحجير أهميّة بيئيّة لعوامل عدّة:

1. موقعها الجغرافيّ وتنوّعها البيولوجيّ الفريد: تقع محميّة وادي الحجير في جنوب لبنان، بين قضائَي مرجعيون وبنت جبيل. تمتدّ ضمن 12 قرية من مجرى نهر الليطانيّ في قعقعيّة الجسر أسفل مدينة النبطيّة حتّى بلدة عيترون في قضاء بنت جبيل. في عام 2010م، أُعلنت كمحميّة طبيعيّة لأنّها تتميّز بتنوّع بيولوجيّ نادر، بحيث تضمّ مساحات شاسعة من الغابات الطبيعيّة التي تحتوي على أشجار السنديان، والبطم، والصنوبر، والكينا، والخروب، وغيرها. بالإضافة إلى غناها بالنباتات الطبيّة والعطريّة، ويعيش فيها العديد من الأنواع الحيوانيّة كالخنازير والثعالب والنيص والطيور المتنوّعة.

2. حفاظها على الأنواع المهدّدة بالانقراض: تعدّ محميّة وادي الحجير ملاذاً طبيعيّاً للعديد من النباتات والحيوانات المهدّدة بالانقراض، فبفضل نظامها البيئيّ الغنيّ والمتنوّع، توفّر بيئة آمنة لهذه الكائنات بعيداً عن التهديدات البشريّة والتغيّرات البيئيّة السلبيّة. ووفقاً للقانون رقم 121 لعام 2010م، يُمنع قطع الأشجار، والصيد، والرعي داخل المحميّة، ممّا يسهم في حماية الأنواع النباتيّة والحيوانيّة المهدّدة كالسلحفاة البريّة والنسر الأسود.

3. تحقيق التنمية البيئيّة المستدامة: تعزّز المحميّة السياحة البيئيّة كإحدى أدوات التنمية المستدامة، وذلك من خلال استقبال الزوّار الذين يستمتعون بجمال الطبيعة والتنوّع البيولوجيّ المتميّز فيها. وتُشجّع المحميّة الزراعة العضويّة من خلال توفير بيئة مناسبة للمزارعين في المنطقة لممارسة الزراعة المستدامة من دون استخدام المواد الكيميائيّة الضارّة. ويبرز في هذا الإطار التشجيع على زراعة النباتات الطبيّة والعطريّة، والاستفادة من منتجاتها بما يُحسّن الاقتصاد المحليّ.

* ثانياً: دعم التنمية المستدامة
تُسهم محميّة وادي الحجير في دعم التنمية المستدامة في المنطقة، من خلال:

1. دعم التمكين الاقتصاديّ المحلّيّ: تؤدي محميّة وادي الحجير دوراً في دعم الاقتصاد المحلّيّ عبر تشجيع المجتمعات القرويّة المحيطة على استغلال الموارد البيئيّة بشكل مستدام. حيث تكسوها تربة غنيّة وخصبة وتتوفّر فيها البيئة المناسبة للزراعة، لذلك توفّر المحميّة فرصاً للعمل في مجالات الزراعة العضويّة التي تمتلك قدرة تنافسيّة للبيع في الأسواق المحلّيّة والدوليّة، ما يسهم في توفير الأمن الغذائيّ وزيادة مداخيل سكّان المنطقة. كما يشجّع التنوّع البيولوجيّ الموجود فيها على الاستثمار في السياحة البيئيّة وتخلق بذلك فرص عمل جديدة في مهن متنوّعة، أبرزها في مجال تصنيع الحِرف التقليديّة من الموارد الطبيعيّة والدليل السياحيّ. إضافة إلى أنّ وجود نباتات طبيّة نادرة وحياة بريّة متنوّعة يعزّز النشاط الاقتصاديّ المحلّيّ عبر مشاريع استثماريّة للحفاظ على الموارد الطبيعيّة، ويشجّع الدعم الدوليّ لهذه المنطقة ممّا يعزّز النموّ الاقتصاديّ المحلّيّ دون الإضرار بالبيئة. فعلى سبيل المثال، تضمّ المحميّة منتجعات سياحيّة لأنّ نحو 20 % من مساحة المحميّة يقع ضمن ملكيّات خاصّة.

2. الحفاظ على الموارد الطبيعيّة: أقرّت الحكومة اللبنانيّة مجموعةً من التشريعات الصارمة لحماية المحميّة وتعزيز استدامتها، بما في ذلك قوانين تمنع الإزالة العشوائيّة للأشجار وتفرض قيوداً مشدّدة على استغلال الموارد الطبيعيّة.

لذلك، تشكّلت لجنة لإدارة المحميّة ولتنظيم أعمالها تضمّ ممثّلين عن القرى المحيطة. كما لعب اتّحاد بلديّات جبل عامل دوراً محوريّاً في إدارة المحميّة من خلال تنفيذ مشاريع البنية التحتيّة ومكافحة التعدّيات، بالتعاون مع لجنة المحميّة. وبعد توقّف التمويل الرسميّ لتكاليف إدارة المحميّة، تولّى الاتّحاد توفير ميزانيّة لتغطية تكاليف العاملين فيها والمحروقات لضمان استمرارها.

وتعمل الجمعيّات المحلّيّة، بالتعاون مع الجهات الرسميّة على تدريب السكّان، خصوصاً النساء والشباب، بما يعزّز مداخيلهم الماليّة ويحافظ في الوقت نفسه على النظام البيئيّ للمحميّة. إضافة إلى ذلك، قامت جمعيّات متعدّدة كجمعيّة أصدقاء البيئة ومؤسّسة جهاد البناء الإنمائيّة والجنوبيّون الخضر وكشّافة الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف بتنظيم نشاطات تشجير، وحملات توعية بيئيّة وتنظيف، وتدريب حرفيّ بما يخدم حماية الموارد الطبيعيّة من التعدّيات.

كلّ هذه الثروة البيئيّة يستهدفها العدوّ في كلّ عدوان على بلادنا الحبيبة ضمن أهدافه العدوانيّة. وهذا ما سنتناوله في العدد القادم.


*مهندسة زراعيّة في مؤسسة جهاد البناء.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع