مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

منبر القادة: لم يَتناهَوا...فلُعِنوا

الشهيد السيّد عبّاس الموسوي قدس سره


يقول الله تبارك وتعالى في محكم كتابه المجيد: ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ * تَرَى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ (المائدة:78-90).
توضح لنا هذه الآيات الكريمة الطّبيعة العدوانيّة والمنحرفة التي وصل إليها بنو إسرائيل، فاستحقّوا بذلك اللعن. واللّعن يعني الطَّرد من رحمة الله عزّ وجلّ. فقد حكم الله عليهم باللعن والطرد من رحمته، واعتبرهم قوماً كافرين لأربع صفات تجلّت فيهم:
الصفة الأولى: المعصية، ﴿ذَلِكَ بِمَا عَصَوا.
الصفة الثانية: الاعتداء على الناس، ﴿وكَانُواْ يَعْتَدُون.
الصفة الثالثة: إنهم ﴿لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ، وإنَّما يشجعون عليه.
والصفة الرابعة: إنهم كانوا ﴿يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ، ولا يتولون الذين آمنوا بالله عزّ وجلّ.
عندما نقرأ هذه الآية الكريمة، ونتمعن في كلماتها، نعرف متى يستحق المجتمع الطرد من رحمة الله، ومتى يحرز رضاه ورحمته.
لقد اعتبر الله تبارك وتعالى المعصية صفة أساسية لاستحقاق بني إسرائيل اللعن والطرد من رحمة الله.

* فماذا تعني المعصية؟
المعصية هي التعدّي على حدود الله تبارك وتعالى. فقد رسم الله للإنسان حدوداً، وأمرهُ ألاّ يتعدّاها. وأوجب الله تعالى علينا التكاليف، ونهانا عن المحرمات، ثمّ قال لنا: "هذه حدودي، فلا تَعْتَدوا عليها".
فالمعصية ببعدها الحقيقي هي عدوان على الله تبارك وتعالى، وبالتالي فإنَّ بني إسرائيل قاموا بعدوانين: أحدهما: المعصية التي تمثّل العدوان على الله، والثاني: قتلهم للأنبياء، وهكذا فقد اجتمع عندهم عدوان على الله، وعدوان على العباد.

* متى يستحق المجتمع الطرد؟
ثم عندما لا تكون هناك جهة تتولّى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تسير هذه المجتمعات بشكل طبيعي نحو الانحراف، حيث تكون الولاية حتماً للذين كفروا، ولذلك تدرج الله تبارك وتعالى في بيان هذه المعاصي، فذكّرهم ﴿بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ، ثم ذكّرهم بأنهم كانوا ﴿لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ.
تُبيّن لنا هذه الآية الكريمة من خلال هذا المعنى والمضمون قاعدة شاملة لا تقتصر على بني إسرائيل، بل تتعداهم إلى مختلف المجتمعات البشرية. وكأنّ الله تبارك وتعالى يريد أن يقول لنا: إنّ أيّ مجتمع يرتكب مثل هذه المعاصي يعتبر مجتمعاً شاذاً ومنحرفاً عن القوانين الإلهية، وبالتالي سوف يستحق اللّعن والطّرد من رحمة الله، حتى وإن كان مجتمعاً يؤمن بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم ويوالي علياً عليه السلام، فعندما تكون هناك معصية لله وعدوان على العباد من غير أمر بالمعروف ونهي عن المنكر، فسوف يكون هناك استحقاق للعن والطرد من رحمة الله.

لنقرأ هذه الآية من خلال الواقع الذي نعيشه: ما هي صفاتنا في مجتمعنا؟ وهل المعصية موجودة في بيئتنا ومجتمعاتنا؟
لا إشكال في أن المعاصي كثيرة، ومن يدّعي أن المعصية منعدمة، يكذِّبه الواقع الذي يشهد ظلم الجار للجار والعشيرة لعشيرة أخرى.
ثم هل أصبح مجتمعنا مجتمع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ أم يصبح كذلك عندما نجد كلّ إنسان قد تحمّل مسؤولياته، فأمَرَ بالمعروف ونَهَى عن المنكر حتّى في أدقّ التّفاصيل؟
أضف إلى ذلك أنّ الذين كفروا هم الذين يحكمون الناس، كما أنّ الّذين يدّعون الإسلام والإيمان قد تولّوا الذين كفروا.

* مسألة أساسيّة
يقول الإمام الباقر عليه السلام: "أوحى الله عزّ وجلّ إلى نبيه شعيب عليه السلام، فقال له: إنّي معذّب من قومك مائة ألف: أربعين ألفاً من شرارهم، وستين ألفاً من خيارهم، فتعجب شعيب عليه السلام، وقال: يا رب هؤلاء الأشرار، فما بال الأخيار؟ أجابه الله عزّ وجلّ، فقال: داهَنوا أهل المعاصي، ولم يغضبوا لغضبي"1. ومعنى ذلك أنَّ الله تعالى شمل بعذابه الأخيار، وإنْ كانوا أكثر من الأشرار لتركهم النّهي عن المنكر. وأمّا عندما يقوم الأخيار بتحمّل مسؤوليّاتهم الشرعيّة، فإنَّ الله يشملهم في الدنيا برحمته ورضوانه، وفي الآخرة بنعيمه وجنانه.
إنّ مسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هي مسألة عندما يذكرها الفقهاء، يعتبرونها من الواجبات الأساسية، فيقولون: يجب عليك أن تصلي، وأن تصوم، وأن تقوم بواجباتك، ولكن عندما يصلون إلى واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يذكرون شروطاً وتفصيلات، ثم يؤكدون أن هذه المسألة من الواجبات الأساسية حتى في الديانات السماوية.

* شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
يذكر الفقهاء أربعة شروط أساسية للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هي:
1 - العلم
أي أن تكون مطّلعاً على المعروف وتعرف المنكر، وتميّز بينهما، وتعرف الحلال والحرام.

2 - احتمال التأثير
أن تحتمل الفائدة والثمرة من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فمرَّة أتكلّم مع مؤمن فأنبّهه إلى الحكم الشرعي، وتارةً أخرى أختار ظالماً، لآمره بالمعروف وأنهاه عن المنكر، وأنا لا أحتمل التأثير فيه.

3 - الإصرار على المعصية
أن يكون الذي يرتكب المنكر ويترك الواجب مصراً، فإذا قالوا لك: "فلان يشرب الخمر"، فقصدته، وإذا بك تجده خاشعاً يبكي في صلاته، فمعنى ذلك أنه نادم، وهو غير مصرّ على هذه الجريمة، ففي مثل هذه الحالات يسقط عنك واجب الأمر والنهي، لأنّه قد رجع إلى الله تبارك وتعالى وحده.

4 - الأمن من الضرر
أن لا يكون هناك ضرر، فعندما أعرف أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سيؤديان إلى مشكلة، فعندئذٍ يسقط هذا الواجب.

* المؤمن الضعيف
إنَّ من لا يتصدّى للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس له دين، وقد روي هذا المعنى عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عندما قال: "إن الله ليبغض المؤمن الضعيف الذي لا دين له، قيل له: وما المؤمن الضعيف الذي لا دين له يا رسول الله؟ قال: الذي لا ينهى عن المنكر"2.
هذا هو المبدأ الذي حدد الله تبارك وتعالى على أساسه حكمه على بني إسرائيل، فقال: ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ، والسبب هو أنهم عصَوا واعتدوا، وبالتالي إذا ارتضينا أن نرى المنكر، ونسكت عليه، فسوف نستحقّ لعنة الله، والطرد من رحمته ورضوانه.

عُرِفَ تاريخ التشيع بالتزامه بمبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهذه صفة تميّز بها التشيّع على امتداد التاريخ، فكان أول واجب يقومون به (الشيعة) هو مواجهة الظلم والعدوان والاستكبار من قبل السلطات الحاكمة الجائرة.
لقد كان إمام التشيّع علي بن أبي طالب عليه السلام يحمل سيفه دائماً، ويقاتل أهل الكفر، ويواجه الظلم بلسانه وسيفه، وقد بذل هو وأصحابه كل جهودهم من أجل النهي عن المنكر ومقارعة الظالمين.
وعندما تقرأون حياة الأئمة عليهم السلام، فإنكم لا تستطيعون أن تسجّلوا على واحد منهم بيعة لظالم، ألا تعرفون بأنَّ السبب لارتكاب مجزرة كربلاء هو رفض إمامنا الحسين عليه السلام البيعة ليزيد بن معاوية، لأنه جائر وظالم؟! وعندما نَصَحُوه بالبيعة، ألم يقل لهم: "يزيد شارب الخمر، قاتل النفس المحترمة"3؟!
إنَّ النهي عن المنكر هو أن تحمل السلاح في وجه المنكر والباطل الذي يتحدى الحق ويواجهه وهذا هو معنى التشيع لعلي بن أبي طالب عليه السلام.
إنَّ شرط التشيع لعلي عليه السلام هو أن تكون قوياً في وجه الباطل، وإلا فأنت بميزان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مؤمن ضعيف، لا دين لك.


1- الكافي، الكليني، ج5، ص56.
2-  م.ن، ص59.
3- حياة الحسين، الشيخ باقر القرشي، ج2، ص209.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع