مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

أول الكلام: إلا المخلصين


السيّد علي عبّاس الموسوي


يسأل الإنسان أحياناً نفسه عن سرّ وجوده وخلقته. وتتحيّر المدارس الفلسفيّة في تقديم الجواب عن هذا السؤال، على الرغم من أهميّته بالنسبة إلى الإنسان، وكونه مصيريّاً؛ لأنّ سؤال البداية يرتبط بالجواب عن النهاية، وحديث الافتتاح يحكي نوعاً ما عن الاختتام.

إنّ الإجابة التي تقدّمها الرؤية الكونيّة الدينيّة الإسلاميّة، ترتبط بكون هذا الإنسان هو محور الوجود كلّه. فما ميّزه به الله عزَّ وجلَّ عن سائر المخلوقات، وفضّله عليها يحدّدان المكانة والمنزلة من جهة، والوظيفة والدور من جهة أخرى.

ولو تتبّعنا الحياة الإنسانيّة لوجدنا أنّ هذا التمييز الإنسانيّ نابع من العقل الذي أعطاه الله عزَّ وجلَّ لهذا الإنسان. وبالعمل، بهذا العقل، يتمكّن الإنسان من أن يتبوّأ منزلته، ويقوم بدوره.

وامتلاك الإنسان للعقل يستتبع تميّز الإنسان بصفة أخرى أساس وبها قوامه، وهي الاختيار. وبهذه الصفة، تكون فاعليّة العقل مُنتِجة. وإلّا، فلن يكون لوجود العقل مع الجبر والإلزام أيّ إضافة تعطي خصوصيّة لهذا المخلوق.

وعندما نتأمّل مفردة الاختيار، نجد أنّها تفترض في داخلها تعدّدية تسمح للموجود الإنسانيّ أن يبحث في هذا المتعدّد، ليكون اختياره تامّاً. وإلا، فلو وهبْته الاختيار ووضعته أمام سبيل واحد، وفرصة متفرّدة، لا عديل لها، فلن يكون لهذا الاختيار فائدة.

وبهذا، يظهر أن الحِكمة حتّى من خَلق الشيطان، هذا الموجود الذي يمثّل القمّة في العصيان الإلهيّ، هو لأجل أن يُفتح أمام الإنسان باب الاختيار. فالمعصية الصادرة عن الشيطان برفض السجود لآدم، والمستتبِعة لإصراره على مخالفة الإرادة الإلهية، من خلال التمادي في الخروج عن العبودية، بل والسعي الحثيث، وباستخدام لغة القَسم "بالذات الإلهيّة"، لإبراز الاصرار على دعوة الناس إلى معصية خالقهم؛ هي لأجل أن يكون هذا الإنسان أمام تعدّديّة تسمح له بفرصة الاختيار، وبهذا يتحمّل مسؤوليّة اختياره، فيكون في التكليف وفي الأمر والنهي معنى.

ولكن، ما يمكننا أن نقف أمامه هنا هو الاستثناء الصادر عن الشيطان، والإقرار والاعتراف بأنّ ثمّة دائرة من البشر خارجة عن سلطانه وعن دائرة إغوائه وهي التي يطلق عليها القرآن الكريم تسمية (المخلَصين)؛ أي الذين أخلصهم الله عزّ وجلّ له، وأحاطهم بحصن لا يستطيع الشيطان أن ينفذ من خلاله.

ولكن، هذا لا يعني إطلاقاً أنّ هؤلاء قد خرجوا عن دائرة الميزة الإنسانيّة المتمثّلة بالاختيار، الراجعة إلى العقل، وهو الهبة الإلهيّة لهذا الإنسان، بل إنّ الاختيار الإلهيّ لهم بجعلهم من (المخلَصين) نابع من فعل صادر عن ذواتهم جعلتهم في حَصَانة من حبائل الشيطان. ولذا، كان الإقرار منه بخروجهم عن مساحة عمله. فالتحصين الذاتي من قِبلهم جعلهم محلّ الرعاية الإلهيّة الخاصّة.

إنّ هذا يفتح الباب أمام الإنسان للتفكير مليّاً في أنّ إمكانيّة الخروج من ربقة الشيطان تعود إلى نفسه، وأنّ من غير الممكن تبرير الإنسان المعصية بإغواء الشيطان له؛ لأنّ التحصين فعل واقع تحت الاختيار، يخرج بالإنسان من دائرة النفوذ الشيطانيّ.

ومفتاح ذلك، أن يكون الإخلاص صادراً عن العبد، أولاً. فيأتي الخلاص الإلهيّ ليأخذ به، فيكون من العباد الحقيقيين لله عزَّ وجلَّ، بنحو تصحّ تلك النسبة بينهم وبين الذات الإلهيّة بكاف الخطاب كما في قوله تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (الحجر: 39-40).

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع