بمَ ينتصر الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف؟ (1)* أخلاقنا | الكبر الرداء المحرّم (2)* تسابيح جراح | نور إرادتي أقوى من ظلام عينَيّ الشهيد القائد إبراهيم محمّد قبيسي (الحاج أبو موسى) صحة وحياة | كيف نتجاوز ألم الفقد؟ كشكول الأدب تحقيق | الشهادة ميراثٌ عظيم (2) بيئة | حربٌ على الشجر أيضاً عوائل الشهداء: لن يكسرنا الغياب لتكن علاقاتنا الاجتماعيّة مصدر أنس ٍوعافية

بيئة | حربٌ على الشجر أيضاً

(الأضرار البيئيّة للعدوان الصهيونيّ على لبنان 2024م)
تقرير: إيمان قصير*

 

تسبّب العدوان الإسرائيليّ على لبنان عام 2024م بأضرار بيئيّة جسيمة طالت الموارد الطبيعيّة الأساسيّة مثل الأحراج والمياه والتربة، ما يخلق تهديداً مستداماً يطال صحّة الإنسان والأمن الغذائيّ، ويضع لبنان أمام تحدّيات كبيرة تتطلّب جهوداً كبيرة لإعادة ترميم البيئة والحفاظ على ما تبقّى من موارد طبيعيّة.

وفي يوم البيئة العالميّ يطلق المجتمع الدوليّ مجموعة فعاليّات شعارات، يشارك فيها الأعداء أنفسهم الذين يمعنون في قتل البشر والشجر وكسر الحجر.

لاستعراض الأضرار البيئيّة التي خلّفها العدوان الصهيونيّ استناداً إلى تقارير ومصادر موثوقة، أجرت مجلة بقيّة الله لقاءً مع مديريّة الزراعة في مؤسّسة جهاد البناء لإعداد هذا التقرير.

* أوّلًا: البُعد البيئيّ للبنان
يعدّ لبنان بلداً غنيّاً بالتنوّع البيئيّ؛ فهو يتميّز بموقعه الجغرافيّ وتنوّع تضاريسه، ما يسمح بوجود تنوّع بيولوجيّ في مساحته الصغيرة. أمّا منطقة جنوب لبنان، فتتميّز بموقعها الجغرافيّ الحيويّ، وبأراضيها الزراعيّة الخصبة، وبتنوّع مناخها.

يعتمد سكّان الجنوب بدرجة كبيرة على الزراعة، خصوصاً زراعة الزيتون، والحمضيّات، والخضروات، والموز، والتبغ. كما يوجد في مناطق الجنوب شبكات مياه جوفيّة ومجاري سطحيّة تغذّي الأراضي الزراعيّة، مثل نهرَي الليطانيّ والوزّانيّ. من الناحية البيئيّة، يحتضن الجنوب عدداً من المحميّات الطبيعيّة والأحراج، مثل محميّة وادي الحجير، التي تُعدّ موطناً مهمّاً للتنوّع الحيويّ، كما أنّها تحتوي على أنواع نادرة من النباتات والطيور. وعلى الرغم من بعض التحدّيات البيئيّة التي تواجهها المنطقة، مثل التصحّر الجزئيّ والزحف العمرانيّ العشوائيّ، إلّا أنّها حافظت نسبيّاً على استقرارها البيئيّ قبل الحرب الأخيرة، بدعم من مبادرات محلّيّة ودوليّة للحفاظ على الغطاء النباتيّ والمياه، كحملات التشجير الدوريّة التي أطلقتها مؤسّسة جهاد البناء في المنطقة.

* ثانياً: مظاهر الأضرار البيئيّة المستجدّة
أثّرت الحرب الأخيرة في بيئة لبنان بمختلف أبعادها، ويمكن تلخيص الأضرار التي تعرّضت لها على النحو الآتي:

1. تدهور جودة الهواء: نتج عن القصف انبعاث غازات سامّة وجسيمات دقيقة في الهواء، ممّا أثّر في نقاء الهواء، وتسبّب في مشاكل صحيّة للسكان، لا سيّما في المناطق المستهدفة.

2. تدمير البنية التحتيّة البيئيّة: تضرّرت في الحرب منشآت حيويّة مثل محطّات المياه والصرف الصحيّ، وهذا ما أدّى إلى تسرّب المياه العادمة، وتلوّث مصادر المياه، وزيادة مخاطر الأمراض المنقولة بالمياه.

3. حرائق الغابات وتدمير الغطاء النباتيّ: أدّى القصف إلى اندلاع حرائق واسعة في الأحراج والغابات، لا سيّما الجنوبيّة منها، ممّا تسبّب في فقدان مساحات خضراء كبيرة وتدمير مواطن الحياة البريّة. لا يؤثّر هذا التدمير في التنوّع البيولوجيّ فقط، بل يسهم أيضاً في زيادة مخاطر التعرية والتصحّر، كما هو الحال الآن في أحراج منطقة شقيف.

4. تلوّث التربة والمياه: خلّفت الأسلحة المستخدمة، بما في ذلك القذائف التي تحتوي على فوسفور أبيض ومعادن ثقيلة، ملوّثات كيميائيّة تسرّبت إلى التربة والمياه الجوفيّة، ما يهدّد سلامة بعض المحاصيل الزراعيّة ويؤثّر في بعض مصادر مياه الشرب والريّ.

5. فقدان التنوّع البيولوجيّ: تسبّبت الحرب في نفوق عدد كبير من الكائنات الحيّة وهروب أخرى، ممّا أثّر في التوازن البيئيّ في المناطق الجبليّة والريفيّة.

* ثالثاً: التداعيات طويلة المدى
في ظلّ غياب خطط حكوميّة فعّالة، ثمّة صعوبة في إعادة تأهيل البيئة بشكل سريع، وهو ما سينعكس على غذاء الفرد وصحّته، من خلال:

1. تهديد الأمن الغذائيّ: تضرّرت الأراضي الزراعيّة والمحاصيل نتيجة القصف والتلوّث، ما يستدعي معالجتها وتأهيلها لإعادة الإنتاج الزراعيّ. كمّا أدّى نزوح السكّان إلى انخفاض الأيدي العاملة في القطاع الزراعيّ، بالتالي، انخفاض الإنتاج الزراعيّ، ما سيؤثّر بشكلٍ مباشر في تحقيق الأمن الغذائيّ في المناطق المتضرّرة للأعوام القادمة.

2. تأثير تلوّث المياه على الصحّة العامّة: على الرغم من عدم وجود دراسات حول تأثّر المياه الجوفيّة في العدوان الأخير، لكنّ نتائج عدوان 2006م، أكّدت حصول تداعيات سلبيّة كبيرة على المياه الجوفيّة وبعض المحاصيل الزراعيّة نتيجة تلوّثها بالمعادن الثقيلة وتسرّب الصرف الصحيّ إليها.

* رابعاً: حلول لبعض الأضرار البيئيّة
بالاعتماد على المعطيات العلميّة والمواكبة العمليّة لمديريّة الزراعة في مؤسّسة جهاد البناء لآثار الحرب على البيئة، ثمّة مجموعة توصيات لمعالجة الأضرار البيئيّة الناتجة عن هذه الحرب، منها:

1. إطلاق حملات التشجير: تقدّر خسائر الثروة الحرشيّة بما لا يقلّ عن 40 %، منها ما يزيد عن 8000 دونم زيتون، فضلاً عن خسارة نحو 90 % من الثروة النحليّة في منطقة الجنوب، وخسارة نسبة لا يستهان بها من التنوّع البيولوجيّ في المناطق المستهدفة. لذا، فإنّه من المهمّ المسارعة إلى الحدّ من هذا التدهور البيئيّ عبر إطلاق الجهات الحكوميّة وغير الحكومية حملات التشجير.

2. تنقية التربة الملوّثة: تعدّ المعادن الثقيلة الموجودة في المواد المتفجّرة، مثل الرصاص والزئبق، من أخطر أنواع التلوّث البيئيّ، لأنّها تترسّب في التربة فيصعب التخلّص منها، فتشكّل تهديداً مباشراً لصحّة الإنسان والبيئة. من أبرز الأساليب الحديثة المستخدمة لمعالجة هذه المشكلة، استخدام تقنيّة الفيتوريميدايشن (Phytoremediation)، وهي تقنيّة تعتمد على استخدام النباتات لتنظيف التربة الملوّثة من خلال عمليّات امتصاص الملوّثات. ومن النباتات التي تُستخدم في هذه التقنيّة: الصبّاريّات، والبقلة، والهندباء، ودوّار الشمس، والحور. وهنا، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ هذه النباتات لا تعمل كلّها على معالجة كافّة أنواع المعادن في الوقت نفسه، لذلك، من الضروريّ فحص التربة أوّلاً، ثمّ اختيار النبات المناسب بناءً على نوع التلوّث الموجود.

ومن التوصيات المهمّة لاستصلاح الأراضي الملوّثة بالمعادن الثقيلة:

أ. تجنّب محاصيل زراعات العام الذي حدث فيه العدوان في المناطق المستهدفة لتجنّب المخاطر التي قد تتسبّب بها.

ب. التخلّص من النبات بعد امتصاص المعادن بطريقة آمنة (مثل الحرق أو الدفن في مواقع مخصّصة)، لمنع إعادة التلوّث.

ج. الانتظار حتّى العام القادم لإعادة زراعة الأراضي بعد زيادة المواد العضويّة فيها، أو إعادة تتريب الأرض بشكل كامل.

3. معالجة التلوّث الناتج عن الفوسفور: يُستخدم الفوسفور في الحروب كمادة حارقة، ولإضاءة الأهداف، ولإقامة جدار دخانيّ في المناطق المستهدفة، ولكنّه يؤدّي إلى تلوّث التربة والهواء والمياه، ما يستدعي بعض الخطوات للمعالجة:

أ. معالجة تلوّث التربة: لا يوجد تأثيرات خطيرة لاحقة لهذه المادة على التربة، نظراً لأنّ الفوسفور هو أحد مكوّنات السماد المستخدم لتوفير تغذية تدعم النموّ الصحيّ للنباتات وتعزّز إنتاجيّة المحاصيل. أمّا المشكلة فتكمن في ارتفاع تركيز هذه المادة، ممّا يؤدّي إلى احتراق الأرض. في ما يأتي بعض الخطوات الكفيلة بالمعالجة:

- رفع مستوى ريّ الأرض لتجاوز المشكلة في السنوات القادمة.

- تشحيل الأقسام المحترقة في الأشجار وريّها بشكل مكثّف، وإضافة المواد العضويّة للتربة.

ملاحظة: لا يوجد تأثير لهذه المادة على زيت الزيتون، ذلك أنّه بمجرّد غسل حبّات الزيتون، فإنّها تتخلّص من الفوسفور.

ب. معالجة تلوّث الهواء: مع تساقط الأمطار بشكل متكرّر في فصل الشتاء، تزول مادة الفوسوفور المسبّبة لتلوّث الهواء.

ج. معالجة تلوّث المياه: يؤدّي تسرّب مادة الفوسفور إلى مصادر مياه الشفا إلى تلوّثها، ممّا يستلزم فحص المياه في مختبرات علميّة خاصّة ومعالجتها.

4. رفع الردم: يتسبّب ردم المباني بنتائج سلبيّة على البيئة، خاصّة في ما يتعلّق بالألواح الشمسيّة وبطاريّات الليثيوم، التي تحتوي على مواد كيميائيّة ضارّة تحتاج إعادة تدويرها إلى تكاليف عالية. وهو ما يتطلّب سياسة مستعجلة لرفع الأنقاض من مختلف المناطق.

* خطّة للمعالجة
غالباً ما تُهمل قضايا البيئة في خضمّ الحروب والصراعات، على الرغم من الضرر الكبير الذي يخلّفه تجاهلها في تحقيق التنمية المستدامة ورفاه المجتمعات. لذا، من المهمّ إدراجها في خطط الإغاثة وإعادة الإعمار، مع تعزيز دور المجتمع المدنيّ والمنظّمات البيئيّة لدعم الدولة في تنفيذ هذه المهمّة، من خلال:

إجراء تقييم شامل للأضرار البيئيّة.
تنفيذ برامج لإعادة تأهيل الغطاء النباتيّ ومصادر المياه.
تعزيز الوعي البيئيّ بين السكّان والجهات الفاعلة.
تطوير سياسات وطنيّة مستدامة لتعزيز مناعة البيئة أمام الأزمات المستقبليّة.
يتّضح أنّ الأضرار البيئيّة الناجمة عن الحروب لا تقلّ خطورة عن التداعيات الإنسانيّة والاقتصاديّة، إذ إنّها تترك أثراً عميقاً على المدى الطويل. من هنا، تبرز أهميّة معالجة هذه الأضرار كجزء أساسيّ من خطط الإغاثة وإعادة الإعمار، بالتعاون بين الدولة والمجتمع المدنيّ والمنظّمات البيئيّة؛ فحماية البيئة ليست مجرّد خيار، بل ضرورة لتحقيق التنمية المستدامة وضمان مستقبل أفضل للأجيال القادمة.


*مهندسة زراعيّة.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع