بمَ ينتصر الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف؟ (1)* أخلاقنا | الكبر الرداء المحرّم (2)* تسابيح جراح | نور إرادتي أقوى من ظلام عينَيّ الشهيد القائد إبراهيم محمّد قبيسي (الحاج أبو موسى) صحة وحياة | كيف نتجاوز ألم الفقد؟ كشكول الأدب تحقيق | الشهادة ميراثٌ عظيم (2) بيئة | حربٌ على الشجر أيضاً عوائل الشهداء: لن يكسرنا الغياب لتكن علاقاتنا الاجتماعيّة مصدر أنس ٍوعافية

تحقيق | الشهادة ميراثٌ عظيم (2)

ولاء إبراهيم حمّود


لكلّ فرد فهمه وتفسيره للشهادة، ولكنّ العامل المشترك بين الجميع هو أنّها أسعد النهايات وأثمن الأمنيات؛ فكلّما ارتقى شهيد، ازداد الشوق للحاق بمن سبق وفاز بأعلى درجات جنّات النعيم.

استكمالاً لما بدأنا به في العدد السابق، نستكمل في مقالنا هذا نظرة عوائل الشهداء وأبنائهم إلى الشهادة.

* الشهادة عزّ وفخر
يؤمن علي مستراح بالشهادة كميراث عائليّ حقيقيّ، فهو يعدّ ولادته في عائلة تربّي أطفالها على الجهاد، كما تربّيهم على الأخلاق والدين، السبب في ترسيخ حبّ الجهاد والشهادة في نفوسهم. كان يعلم منذ طفولته أنّ عمّه استشهد بعد سنوات جهاد طويلة، وكان جدّه أيضاً مجاهداً لم يتوانَ عن تقديم قرابين النصر أبناءً وأحفاداً.

يرسم عليّ، بصور شهداء عائلته، شجرة الشهادة العائليّة، بدءاً من عمّه الشهيد الذي استشهد عام 1993م، مروراً بأبناء عمّه وأخواله في مراحل مختلفة من الجهاد، وصولاً إلى معركة أولي البأس التي استشهد فيها ابن عمّه ثمّ شقيقه، بفارق أيّام. لم يكونا شقيقَين فقط، بل صديقَين، وقد تطوّعا للعمل معاً في الهيئة الصحيّة الإسلاميّة.

لم يتوقّف عطاء الجهاد والتضحيات في العائلة، بل يذكر عليّ أنّ في عائلته أفراداً من النساء والرجال أصيبوا بجراحات عند حصول تفجيرات «البايجرز»، موكّداً أنّ الباقين يتمنّون أن يختموا حياتهم بالشهادة، وما أحسنها من عاقبة.

كلّ هذه الأجواء التي تحيط به تجعله يشعر بالبركة، كيف لا، وعائلته كغيرها من العائلات التي قدّمت دماء غاليةً في سبيل هذا النهج، ما يُشعره بالعزّ والفخر؛ فكلّما ازدادت التضحيات، ازداد طمأنينةً وقرباً من الله.

* الشهادة حقّ
ننتقل الآن إلى الحاجة أم فيّاض، والدة الشهيد حسن عبد الحكيم سودين (مفقود الأثر)، فكيف تنظر إلى الشهادة؟

تقول الحاجّة: «إنّ الشهادة كالجهاد، حقّ لكلّ حرّ أبيّ يرفض الظلم والذلّ لأهله وناسه ووطنه»، وإنّها «امتداد لكربلاء التي علّمتنا الصبر والتضحية، فأصبحت نهجاً توارثته الأجيال عبر التاريخ، وصولاً إلى أيّامنا هذه، حتّى بات شبابنا يجسّدون رسالة الإمام الحسين عليه السلام قولاً وفعلاً». وها هي تؤكّد ذلك قائلةً: « كان ابني الشهيد حسن يردّد دائماً قول الإمام زين العابدين عليه السلام: (إنّ القتل لنا عادة، وكرامتنا من الله الشهادة)».

في عائلة الحاجّة أمّ فيّاض العديد من الشهداء ممّن كانت أمنيتهم إحدى الحسنيين، فكان لهم ذلك، إيماناً منهم بقداسة القضيّة التي جاهدوا لأجلها. ومجدّداً، تحضر كربلاء في فكر هؤلاء، فطريقهم لم يكن عبثيّاً، وإنّما ذا وجهة محدّدة المعالم، فتأثرّوا بأبطالها حتّى مضى الواحد منهم في أثر الآخر.

أوّل شهداء عائلتها، هو ابن اختها الشهيد حيدر علي فيّاض سودين، الذي صدّ هجوماً تكفيريّاً عن قريتهم «قمحانة» عام 2014م، وقد انتهت المعركة باستشهاده، وكان في الثامنة عشرة من عمره.

بعد أربعين يوماً من استشهاد حيدر، استشهد الشهيد حسين فيّاض سودين بريف مدينة حماه، في كمين نصبه الدواعش، وقد وُجد بعد يومين ذبيحاً قطيع الرأس، تماماً كما تمنّى، تأسّياً بالإمام الحسين عليه السلام!

أمّا حسن، ابن الحاجة أم فيّاض وابن أخ الشهيد حسين، والذي لا يزال مفقود الأثر حتّى لحظة كتابة هذا التحقيق، فبعد سنتين من استشهاد عمّه وابن خالته حيدر، قادته أشواقه ورغبته الشديدة في مواساة سيّدته الزهراء عليها السلام إلى ريف مدينة حماه ليواجه الدواعش هناك، حتّى استشهد في المكان نفسه الذي استشهد فيه عمّه، لكنّ جثمانه لم يعد.

أمّا الرابع فهو ابن عم شهيدها، الشهيد فيّاض عبد الرازق سودين، الذي استشهد أثناء صدّ هجوم للتكفيريّين عن «قمحانة» عام 2017م، وقد كان معروفاً بالنخوة والشجاعة في الدفاع عن الأرض والعِرض، ككلّ أقاربه الذين سبقوه.

* عيد الأمّ... مختلف
آخر محطّة في تحقيقنا كانت عند أمّ شهيد تشيّع ابنها الثاني في عيدها، عيد الأمّ، وترفع سلاحه ببأس وصلابة وقوّة، قائلةً إنّه أجمل هديّة قد تتلقّاها أيّ أمّ في هذا اليوم!

إنّها الحاجّة عايدة سرور، التي قدّمت أوّل شهدائها ذا السبعة عشرة ربيعاً، علي عبّاس إسماعيل «كرار»، عام 2014م في معارك الدفاع عن المقدّسات، وهو يتصدّى للتكفيرييّن فوق إحدى التلال، وقد رفض مغادرتها حتّى إتمام مهمّته. كما كان قد رفض سابقاً عرض عمل يستدعي السفر قائلاً: «لن أذهب إلى أيّ دولة أخرى، بل سأسافر إلى عالم آخر أكثر جمالاً».

أمّا شهيدها الثاني فهو محمّد علي عبّاس إسماعيل، الذي استشهد فوق سجّادة صلاته بعد أدائه صلاتَي المغرب والغفيلة، وقد كان مهندساً يسعى لتحصيل شهادة الماجستير في اختصاصه، وزوجاً سعيداً، وأباً يرفض توديع أطفاله كلّما ذهب في مهمّة كي لا يضعف قلبه. ظلّ الشهيد مفقود الأثر لأشهر عدّة، ولكنّها أبت إلّا أن تبحث عنه بنفسها فور انتهاء مهلة الستّين يوماً على وقف إطلاق النار، فوجدته واحتضنته مجدّداً، ولكن هذه المرّة شهيداً.

في ذلك اليوم، رأيت الحاجّة عايدة شامخةً ثابتة، وهي التي كانت أيضاً قد ألقت قبل مدّة كلمة في حضرة السيّد علىّ الخامنئيّ دام ظله في إيران، فيها الكثير من معاني التسليم والرضى بقضاء الله وبمواصلة هذا الدرب.

عندما أصغيت إليها، أيقنت أنّ الشهادة ليست فقط نهجاً يسير عليه المجاهدون وميراثاً يتناقلونه في ما بينهم، وإنّما هي أيضاً نتاج تربية أبوَين صالحَين يؤمنان بها صراطاً مستقيماً وخاتمةً حُسنى لأبنائهما.

هؤلاء هنّ أمّهات الشهداء اللواتي أنشأنَ رجالاً ليسوا كأيّ رجال، فحصدنَ مجاهدين أبطالاً ساروا في درب الإمام الحسين عليه السلام، وأثمرت دماؤهم نصراً وعزّاً. وهؤلاء هم عوائل الشهداء الذين يفتخرون بما قدّموه من تضحيات، وهم ثابتون على مواقفهم مهما عظمت الصعوبات، فلا شيء يثنيهم عن مواصلة درب ما بدأه كلّ شهيد في مختلف مراحل المقاومة.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع