بمَ ينتصر الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف؟ (1)* أخلاقنا | الكبر الرداء المحرّم (2)* تسابيح جراح | نور إرادتي أقوى من ظلام عينَيّ الشهيد القائد إبراهيم محمّد قبيسي (الحاج أبو موسى) صحة وحياة | كيف نتجاوز ألم الفقد؟ كشكول الأدب تحقيق | الشهادة ميراثٌ عظيم (2) بيئة | حربٌ على الشجر أيضاً عوائل الشهداء: لن يكسرنا الغياب لتكن علاقاتنا الاجتماعيّة مصدر أنس ٍوعافية

أخلاقنا | الكبر الرداء المحرّم (2)*


السيّد الشهيد عبد الحسين دستغيب قدس سره
 

إنّ حقيقة الكبرياء خاصّة بالله، وهي حرام على المخلوق كما روي عن الإمام الباقر عليه السلام: «العزّ رداء الله والكِبر إزاره، فمن تناول شيئاً منه أكبّه الله في جهنّم»(1). والمراد بمن تناول منه شيئاً من عدّ نفسه عزيزاً وكبيراً.

* العزيز والكبير المطلق
السبب في أنّ العزّة والكبرياء خاصّتان بالله هو أنّه تعالى عين الوجود، وكلّ الكمال، وعالم الوجود بجواهره وأعراضه كلّه. وحيث إنّه لا سبيل لأيّ احتياج إليه، فهو إذاً العزيز المطلق والكبير بحقّ، وكلّ ما سواه وأيّ مخلوق هو فقير مطلق ومحتاج بحقّ: ﴿يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ أَنتُمُ ٱلْفُقَرَآءُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱللَّهُ هُوَ ٱلْغَنِىُّ ٱلْحَمِيدُ﴾ (فاطر: 15). بناءً عليه، فإذا صدر عن جاهل ما يدلّ على أنّه لا يعدّ نفسه عبداً، ولم يأبه بنسبة مملوكيّته ومربوبيّته ومقهوريّته إلى الله، فعدّ نفسه غير محتاج وذا مرتبة عالية وعظيمة، فقد جعل نفسه في الحقيقة ندّاً لله، وسواء علم أم لا، فإنّه ادّعى الربوبيّة. ومثال ادّعاء الربوبيّة عن علم فرعون، بحيث قال للمصريّين: ﴿ أَنَا رَبُّكُمُ ٱلْأَعْلَىٰ﴾ (النازعات: 24).

ومثال ادّعائها دون العلم بذلك سائر أفراد البشر، الذين توجد فيهم أحياناً حالة الكِبر حتّى إذا كانوا من الأشخاص الذين يؤمنون بالله، فإنّهم بالكِبر ينازعون الله حقّ الربوبيّة.

* الكِبر منشأ الصفات السيّئة
إذا تأمّلت جيّداً، أدركت أنّ منشأ جميع الصفات السيّئة والطبائع القبيحة الحيوانيّة والشيطانيّة التي تظهر في الإنسان هو ادّعاؤه لربوبيّته. وبعبارة أخرى: إنّ حالة الكِبر هي منشأ جميع الطبائع القبيحة.

مثلاً: الحسد الذي يوجد فيه، سببه أنّه لا يريد أن يكون شخص آخر أفضل منه في أمر الدين أو الدنيا.

والحقد، الذي هو إخفاء الغضب في الباطن، من هنا ينشأ. والعُجب الذي هو رؤية نفسه كاملاً، أيضاً ينشأ من ادّعاء الربوبيّة هذا. والرياء سببه أنّه يريد مدح الناس وثناءهم، وهو من اللوازم العاديّة للربوبيّة. ولأجل الحيلولة دون كلّ طبع قبيح، يجب أن تكون نصب عين الإنسان دائماً نسبة مملوكيّته ومربوبيّته إلى الله حتّى يصبح ذلك ملكة له وعادة. من هنا، تكرّر الأمر في القرآن الكريم بكثرة ذكر الله: ﴿وَٱذْكُرُوا ٱللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ (الجمعة: 10).

* لا يريدون علوّاً في الأرض
يقول تعالى: ﴿تِلْكَ ٱلدَّارُ الآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِى ٱلْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَٱلْعَـٰقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ (القصص: 83).

«لا يريدون» بمعنى إرادة القلب؛ أي أنّهم يجب أن يكونوا في قلوبهم لا يريدون العلوّ والتفضيل، وهو حالة الكِبر المذكورة. فإذا كان في قلب أحد كِبر، فهو ملوّث بذنب يمنع من دخول الجنّة، حتّى لو لم يظهر ذلك في أقواله وأفعاله.

وأمّا «العلوّ»، أي التجبّر والتكبّر على عباد الله، فهو بأن يطلب الشخص، في أيّ مرتبة كان، العلوّ على الآخرين في تلك المرتبة التي هو فيها، مثلاً: إذا كان يعمل في مجال الكسب والتجارة، يريد أن تكون سلعته مقبولةً ومرغوبةً أكثر من سلع الآخرين، وأن يكون زبائنه أكثر.

عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: «إنّ الرجل ليعجبه شراك نعله فيدخل في هذه الآية»(2)، أي أنّ من يريد العلوّ على غيره بواسطة ما يملك، حتّى إذا كان ذلك شراك نعله، ويتباهى بذلك، فإنّ حالته هذه تحول بينه وبين سعادته، لأنّه من الذين يريدون علوّاً في الأرض.

يا أيّها الفتى، لا تنظر إلى نفسك بعين الرضى، ولا تكن في طريق «أنا»، فلم يستفد أحد منها شيئاً أبداً، وما حلّ بإبليس سببه «أنا»، إذ قال: «أنا خير منه».

رأى أحد عظماء الدين إبليس، فقال له: عظني، قال: لا تقل «أنا» فتصبح مثلي.

يقول الشاعر سعدي الشيرازي(3): «الكبير الذي يعدّ نفسه من الصغار يكون كبيراً في الدنيا والآخرة، وتصبح عزيزاً عند الناس عندما لا تقيم لنفسك أيّ وزن».

حقّاً، لو لم يكن باب التوبة مفتوحاً، ولو لم تُؤّدَّ بعض العبادات، كالصلاة والحجّ، بشرائطها وآدابها، فتطهّر من الذنوب، لكانت نار الغصّة تلهب الأحشاء، ولكنّ الشكر لله الكريم الذي يقبل التوبة ويمحو أدران عبده. والمأمول من كرمه أن يمنّ بالتوبة بعد حصول حالة الكِبر ﴿إِنَّهُ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ﴾.

* كيف يمنع الكِبر من دخول الجنّة؟
الجواب: من أراد العلوّ، فهو في حرب ونزاع مع الله، ومن كان في نزاع مع الله، فكيف يستحقّ الجنّة؟ اللّهم إلّا أن يقلع عن هذا النزاع ويتوب من كِبره ليصبح مهيّأً للجنّة.

ومن أراد العلوّ فهو جاهل حقيقيّ لم يتحلَّ بعد بالفهم الإنسانيّ ليميز الحقّ من الباطل، والباقي من الفاني.

إنّه لم يدرك بعد عدم اعتبار الحياة الماديّة وعدم ثباتها وضآلة قيمتها ليتعلّق قلبه بها، وجاهل كهذا لا يستحقّ القرب من الله تعالى، إلّا إذا أصبح عالماً وتاب من جهالته.

وقد تسأل أيضاً: هل إرادة العلوّ أمر قلبيّ وليس اختياريّاً؟

والجواب: ما هو غير اختياريّ هو الخطرات والوساوس، أمّا إرادة العلوّ فهي حالة أو رغبة للإنسان، لأنّه يستطيع بواسطة التفكير والقناعة أن يتحرّر من هذه الرغبة أو يرغب في غيرها، وإذا وُجدت، فباستطاعته أن يزيلها.


*مقتبس من كتاب: القلب السليم، الشهيد دستغيب، ج 2، ص ص 211 - 206.

(1) أصول الكافي، الشيخ الكليني،ج2، ص 309.
(2) نور الثقلين، الشيخ الحويزي، ج 4، ص 144.
(3) هو شاعر ومتصوّف فارسيّ، تميّزت كتاباته بأسلوبها الواضح والقيم الأخلاقيّة، ممّا جعله أكثر كُتّاب إيران شعبيّة.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع