مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

أخلاق: الإخلاص

آية الله مشكيني

إحدى الصفات الكمالية للإنسان الإخلاص. والإخلاص أو الخلوص في اللغة العربية هو بمعنى الطهارة من الأشياء المختلطة، فيقال قمح خالص أي أنه لا يوجد فيه غير القمح، والذهب الخالص الذي لا يوجد فيه شيء آخر غير الذهب. والمقصود من الإخلاص في الكتب الأخلاقية خلوص عقائد وآراء الإنسان وخلوص أعماله.

لهذا فإن للإخلاص مرحلتين:
1- الخلوص في الاعتقادات.
2- الخلوص في الأعمال.

فالأول معناه أن على الإنسانَ أن يحمل الأفكار والعقائد الدينية الخالصة التي ليس فيها أي نوع من الانحراف والبطلان. فإذا لم يخلص الإنسان في هذه المرحلة فسوف يبقى إيمانه ناقصاً ومختلطاً، وقد يعبّر أحياناً عن إيمانه بأنه التقاطي ومعتقداته التقاطية.
إحدى الآيات التي تثبت الإخلاص في الإيمان والعمل معاً وتشير إلى الجانب الالتقاطي، هذه الآية: ﴿الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون(الأنعام- 82).
فإذا قلنا مثلاً أن اليهود مؤمنون بالله، نجد أن إيمانهم مخلوط لأنهم يعتبرون الله جسماً يسير في الجنة ينادي آدم فيختفي آدم وراء الأشجار فلا يراه!! أيعد هذا الذي وُضع في التوراة توحيداً؟

إن هذا الإيمان مخلوط بالظلم، بالعقيدة المنحرفة. وكل اعتقاد منحرف أو عمل منحرف يحسب على أنه ظلم. هذا الإيمان المخلوط نجده في النصارى أيضاً الذين يعتقدون أن الله "ثالث ثلاثة"= الأب والابن والروح القدس!!
وكذلك من يعتقد بالنبوة ثم يعتقد بأن النبي يرتكب الخطأ وهو ليس معصوماً، أو أن يؤمن بالمعاد ولكنه يعتقد أن المعاد روحاني وليس جسمانياً، وأمثال ذلك...

فالذي يريد أن يخلص في اعتقاداته، ولا يلبس إيمانه بظلمٍ ينبغي أن يجعل كل أفكاره طبق الموازين الإلهية والإسلامية فالخلوص في الإيمان هو عدم خلط العقائد المنحرفة وغير الإسلامية فيه.
إن الإنسان الذي يريد أن يخلص في اعتقاداته ولا يلبس إيمانه بظلم، ينبغي أن يجعل كل أفكاره طبق الموازين الإلهية والإسلامية.
أما الإخلاص في العمل فهو يرتبط بالدافع للقيام به، فإذا كان لله وامتثالاً لأمره، يعد هذا العمل خالصاً. ذلك الدافع والعلة الغائية التي تحمل الإنسان على العمل إذا كانت إلهية، فإن العمل يكون شريفاً وكل عمل يكون الدافع إليه دنيئاً يعد دنيئاً وغير مخلص.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنما الأعمال بالنيَّات"، أو كما في رواية أخرى: "لكل امرئ ما نوى".
والإخلاص في منطق القرآن والروايات وفي بحث علم الأخلاق يعني أن يكون دافع الإنسان لأجل العمل إلهياً، وأن ما يحركه هو الأمر الإلهي.
لقد بُعث الأنبياء لكي يوصلوا الإنسان للكمال في العقيدة والعمل عبر الإخلاص.

عندما يدخل أهل الجنة بعد إتمام الأعمال إليها (إلى مكانهم الأبدي) ويرون تلك النعم العظيمة الدائمة من قبل الله يقولون هذه الجملة: ﴿إن ربّنا لغفور شكور، فهو قد أعطانا كل هذا الثواب العظيم لقاء أعمالنا.
ويقول الإمام الصادق عليه السلام: "إن الله شكور" ثم يضيف: "إن العبد ليصلي ركعتين يريد بهما وجه الله فيغفر الله له ويدخله الجنة". وبشأن إبراهيم عليه السلام يقول القرآن الكريم: ﴿ما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً ولكن كان حنيفاً مسلماً.

فاليهود كانوا يقولون إن إبراهيم منا، والنصارى يقولون إنه منا ولكن القرآن يكذّبهم ويقول إنه كان حنيفاً مسلماً. وهنا يقول الإمام الصادق عليه السلام: "إن إبراهيم كان خالصاً"، فهو في بُعده العقائدي والعملي لم يكن يريد إلاَّ الله.
على كل حال إن إحدى أفضل الصفات الكمالية لكل إنسان هي الإخلاص. فالإنسان كلّما سلك طريقاً ينبغي أن يكون فيه صافياً وبعيداً عن الالتقاط والنفاق الذي هو أدنى وأحقر الصفات. ويلزم على الإنسان قبل كل شيء أن يتفحّص ويختار المذهب الصحيح ويكون مخلصاً تجاه ذلك المذهب.

في الآيات التالية نقرأ: ﴿وسيجنّبها الأتقى الذي يؤتى ماله يتزكّى.
فالذي سيبعَد عن النار هو الأتقى (الأكثر تُقىً) الذي ينفق من أمواله للآخرين في سبيل الله لكي يطهّر نفسه. أي الذي يؤدّي المجاهدات المالية والنفسية لكي يطهّر روحه وأفكاره من التقاطات والعقائد المنحرفة ويخلص عمله من النفاق والرياء وأمثالهما. ﴿يؤتى ماله يتزكَّى.
ثم نقرأ في تتمة الآيات: ﴿وما لأحد عنده من نعمةٍ تجزى إلاّ ابتغاء وجه ربه الأعلى. فكل عمل يؤدّيه هذا الإنسان الأتقى ليس لأجل أن يحصل على ءحسان الآخرين، بل لأنه مؤمن يؤدّي أعماله الربانية طالباً رضا ربه، فغاية عمل المؤمن هو هذا الأمر.

لقد بُعث الأنبياء لكي يوصلوا الإنسان للكمال في العقيدة والعمل عبر الإخلاص. فالغرض من خلقة الإنسان هو أن تصبح أفكاره وأعماله خالصة لوجه الله، وذلك الإنسان خليفة الله الذي يطهّر المجتمع من الأرجاس ويغيّره إلى الطهارة والخلوص ويزكّي الإنسانية الملوّثة.

وينبغي الالتفات إلى هذه النقطة جيّداً وهي أن الوصول إلى هذا المقام صعب جداً. فخلوص العقائد والأعمال من الأمور الصعبة على الإنسان ولكن الوصول إلى هذه المراحل من الكمال الإنساني مع صعوبته أمر لا شيء أعلى منه.
جاء في رواية: "هلك الناس إلاَّ العالمون، وهلك العالمون إلاَّ العاملون وهلك العاملون إلا المخلصون والمخلصون في خطر عظيم".

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع