لقد حفلت كتب الحديث، بالروايات التي تتناول موضوع الإخلاص، إذ تكاد لا تجد كتاباً إلا ويتطرق له، ويركز عليه، بشكل قلَّ نظيره، وذلك لما للإخلاص من تأثير كبير على العبادة والعمل. فالعبادة دون إخلاص وتوجه حقيقي للباري تعالى لا تصح وكذا العمل، فإنه كلما كان مخلصاً لله سبحانه، كلما آتى ثماره بشكل أفضل.
فما هو الإخلاص المطلوب تحصيله؟
* تعريف الإخلاص
لقد عرَّف إمام العرفاء روح الله الموسوي الخميني قدس سره الإخلاص
ب: "تصفية العمل عن كل شائبة سوى الله وتصفية السر عن رؤية غير الحق تعالى في جميع الأعمال الصورية واللبيّة والظاهرية والباطنية". وهذا ما أشار إليه حديث الإمام علي عليه السلام حين قال: " طوبى لمن أخلص لله عمله وعلمه، وحبه وبغضه، وأخذه وتركه، وكلامه وصمته، وفعله وقوله " ، وما تناوله في حديث له آخر: " طوبى لمن أخلص لله العبادة والدعاء، ولم يشغل قلبه بما تراه عيناه، ولم ينسَ ذكر الله بما تسمع أذناه، ولم يحزن صدره بما أعطي غيره ".
* سر من أسرار الله
ومن هنا سما الإخلاص وارتقى، ليصل إلى أعلى المراتب، بحيث أصبح سراً من أسرار الله تعالى يستودعه قلب من أحب من عباده كما روي عن الزهراء عليها السلام قولها: "قال الله تعالى: الإخلاص سرٌّ من أسراري استودعه قلب من أحببت من عبادي". وليس هذا الأمر على سبيل الانتقاء والاختيار العبثي والعشوائي، بل هو من باب الاستعداد والقابلية الموجودين في هؤلاء الأشخاص المنتجبين، ولما جاهدوا به أنفسهم للوصول إلى هذا المقام السامي. وهذا هو مفاد حديث الإمام الصادق عليه السلام حيث يقول: "إن لله عباداً عاملوه بخالص من سره فعاملَهم بخالص من بره ". ويشير الإمام عليه السلام إلى هذا البر الإلهي فيقول: " فهم الذين تمر صحفهم يوم القيامة فرَّغاً، فإذا وقفوا بين يديه ملأها من سرّ ما أسرّوا إليه " . يقول الراوي فقلت: يا مولاي ولم ذلك؟ فقال عليه الصلاة و السلام : "أجلّهم أن تطلع الحفظة على ما بينه وبينهم " .
*حقيقة الإخلاص والدين الخالص
لا يمكن الوصول إلى حقيقة الإخلاص ما لم نجاهد أنفسنا وننهاها عن الهوى، بحيث لا نحب أن نحمد على عمل عملناه لله. فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في تعريف حقيقة الإخلاص قوله: "إن لكل حق حقيقة، وما بلغ عبد حقيقة الإخلاص حتى لا يحب أن يحمد على شيء من عمل لله"، وإيصالها أيضاً إلى حقيقة العبادة والتي جاء عن الإمام علي عليه السلام في تعريفها: "لعبادة الخالصة أن لا يرجو الرجل إلا ربه، ولا يخاف إلا ذنبه".
فتحجزه عندها مخافة الله والاعتقاد بربوبيته وتوحيده عما يحرمه تعالى، وذلك هو الدين الخالص على ما روي عن الإمام الصادق عليه السلام حيث قال: "من قال لا إله إلا الله مخلصاً دخل الجنة، وإخلاصه أن يحجزه لا إله إلا الله عمّا حرَّم الله".
* آثار الإخلاص
وللإخلاص آثار يخلفها على الفرد المسلم وخيرات يمنحه إياها الباري عز وجل بفضله، وهذه تتمثل ب:
أ- جريان الحكمة من قبله على لسانه: فقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " ما أخلص عبد لله عز وجل أربعين صباحاً إلا جرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه".
ب- خوف كل شيء منه: ففي رواية عن الإمام الصادق عليه السلام جاء فيها: "إن المؤمن ليخشع له كل شيء ويهابه كل شيء، ثم قال: إذا كان مخلصاً لله أخاف الله منه كل شيء حتى هوام الأرض وسباعها وطير السماء".
ج- تذوقه حلاوة الإيمان: فقد روي عن المسيح عليه السلام قوله: "يا عبيد السوء! نقوا القمح وطيّبوه، وأدقوا طحنه تجدوا طعمه، ويهنئكم أكله. كذلك فأخلصوا الإيمان وأكملوه تجدوا حلاوته، وينفعكم غبَّه".
د- تقويم الله سبحانه وسياسته له: فقد جاء عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قوله: قال الله عز وجل " لا أطلع على قلب عبد فأعلم منه حب الإخلاص لطاعتي وابتغاء مرضاتي إلا توليت تقويمه وسياسته".
اللهم اجعلنا من المخلصين، وصفِّ أسرارنا وطهِّر أعمالنا من كل شائبة سواك. "إلهي هب لي كمال الانقطاع إليك وأنر أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك حتى تخرق أبصار القلوب حجب النور فتصل إلى معدن العظمة وتصير أرواحنا معلقة بعز قدسك".