من كلام الشهيد القائد إبراهيم عقيل
إنّ استجابة الدعاء أمرٌ هيّن على الله، ولكنّه تعالى قد لا يجيب دعاء أو مطلباً ما، فيؤخّره إمّا لمصلحةٍ فرديّة وجماعيّة، وإمّا لمصلحة في الدنيا أو الآخرة، كمصلحة النبيّ إسماعيل والنبيّ إسحاق L؛ أي تلك التي تتبلور فيها الحكمة وتصل إلى ذروة كمالها بكلّ جوانبها. والنبيّ إبراهيم عليه السلام أيضاً مثالٌ على ذلك؛ إذ امتحنه الله بأصعب الامتحانات، فلم يُرزق بالذريّة. لقد كان عليه السلام أمّة في زمانه، يعيش وسط عالمٍ مليءٍ بالباطل، وهو ما ورد في سورة النحل: ﴿إنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُنْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ (النحل: 120)؛ فقد كان كلّ أهل الأرض مشركين، إلّا إبراهيم عليه السلام! فهل سقط عنه التكليف؟ لا، بل التزم بكلّ أنواع التكليف، لدرجة أنّهم عندما أوقدوا النار ورموه فيها، وجاءه الملاك جبرائيل عليه السلام ليسأله إن كان يريد منه شيئاً، أجابه: «منك لا أريد شيئاً، ولكن علمه بحالي يغني عن سؤالي“.
يقول العلماء إنّ يقين إبراهيم عليه السلام هو الذي جعل تلك النار برداً وسلاماً. إنّ النار تحرق كلّ ما هو قابل للاحتراق، لكن هل يمكنها حرق التوحيد؟ لا يمكنها ذلك، ولو أوقدوا كلّ نيران الدنيا لما أمكنها إحراقه! لو جمعوا كفرهم وشرك الكرة الأرضيّة والوجود والكون أجمع، لأفناها يقينه.
إذاً، لم يسقط التكليف عنه كشخص، وكذلك لم يسقط عن زكريا عليه السلام الذي كان دائم الدعاء رغم وضعه؛ فكلّما كان الإنسان قريباً من الله تعالى، كان ابتلاؤه أكبر وأعظم. والمقصود هنا الامتحان للارتقاء في الدرجات أكثر، وليس كما يتعامل معه بعض الناس على أنّه مصيبة.
لم يطلب النبيّ إبراهيم عليه السلام من الله أثناء اقتياده لقذفه في النار أن يخلّصه منها، هل يمكننا تخيّل ذلك؟
إن لم يُستجب دعاؤنا في بعض الأوقات، فلأنّنا نحول دون ارتقاء مقاماتنا ودرجاتنا.
إنّه من غير المنطقيّ مثلاً أن ندعو: «يا ربّ، فلْيَمُت نتنياهو ويفنَ فتزُلِ الشرور عنّا وعن البشريّة جمعاء». هل يُعقل ذلك؟
إنّ نظام الكون مختلف، وجود الشرور اختبار، وإلّا، إذا طلبنا زوالها دون بذل أي جهد في مواجهتها، لن نحظى بفرصةٍ لتمييز الخبيث من الطيّب. هذه هي فلسفة الدعاء وإجابته.