بمَ ينتصر الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف؟ (1)* أخلاقنا | الكبر الرداء المحرّم (2)* تسابيح جراح | نور إرادتي أقوى من ظلام عينَيّ الشهيد القائد إبراهيم محمّد قبيسي (الحاج أبو موسى) صحة وحياة | كيف نتجاوز ألم الفقد؟ كشكول الأدب تحقيق | الشهادة ميراثٌ عظيم (2) بيئة | حربٌ على الشجر أيضاً عوائل الشهداء: لن يكسرنا الغياب لتكن علاقاتنا الاجتماعيّة مصدر أنس ٍوعافية

تسابيح جراح | نور إرادتي أقوى من ظلام عينَيّ

حنان الموسويّ


لماذا لا أرى؟ هل جَمُدَ الدم على جفنَي، ولذا لا أستطيع فتحهما؟ أم أنّ سماكة الغبار جراء الانفجار تكرّست فوق عينَي فالتصقتا إحداهما بالأخرى؟ تحليلاتٌ شغلت فكري خلال ثوانٍ قبل أن يدخل رفاقي لنجدتي، بعد أن انفجر البايجر بين يدَي!

أمّا النتيجة فكانت: جبيني انفلق نصفين، وجمجمتي تضرّرت، وميازيب الدم المنسابة أخفت عينَي، ووجنتاي اخترقتهما الشظايا!

* مناجاة شكر
نُقِلت إلى مستشفيات عدّة آخرها مستشفى الساحل. الصخب الذي رافقني طوال الطريق أوحى إليّ بأنّ العدوّ الإسرائيليّ يقصف كلّ مباني الضاحية. في الطوارئ شُغِلت بالمناجاة، طلبت وجه الله وحده، رفعت رأسي ولهج لساني بحمده وشكره: ربّي إن كانت إصابتي كفّارة عن ذنوبي فكلّي امتنانٌ لك، وإن كانت وسام شرفٍ منك فكلّي تقديرٌ لعطائك.

نُقِلت إلى مستشفى المشرق الفرنسيّ، حيث أُدخِلت مباشرة إلى غرفة العمليّات عند الساعة السادسة بعد أن طلبت من رفيقي إخبار صهري بإصابتي. رافقني فريق أطبّاء متخصّص، واستمرّت الجراحة ثماني ساعات متواصلة، شملت الرأس والعينين واليدين، خار نبضي خلالها ثلاث مرّاتٍ واعتزل الحياة لشدّة النزف. خرج الممّرض وأخبر الجميع أنّ لا أمل لي باستعادة البصر ثانية، أمّا الطبيب فاقترح تخديري اثنتين وسبعين ساعة حتّى يتأكّد من توقّف النزيف في رأسي، لكن بأمر الله استعدت وعيي في اليوم التالي.

* جراحاتٌ وترميم
نُقلت إلى مستشفى الإمام الحسين عليه السلام في إيران حيث خضعت لجراحات عدّة للعينين ولعظم الوجه، فضلاً عن زراعة جلدٍ لليدين وترميمٍ لجراحي بشكلٍ عام. تلفت عيني اليُسرى برمّتها، أمّا اليُمنى، فقد اندثرت مع محيطها من عظم الوجه وتناثرت بعض الشظايا من الشفتين والرقبة، واخترقت إحداها قلادتي. نُقلت بعد فترةٍ إلى مشهد، حيث أعداد الجرحى أقلّ.

عدت إلى لبنان بعد انتهاء الحرب بأسبوع. استقبلني أهل قريتي استقبالاً مميّزاً، إذ كانت الوفود تتقاطر لزيارتي.

* ارتباطٌ كربلائيّ
أجمل ما في إصابتي ارتباطها بكربلاء، رغم خجلي من زهيد ما قدّمته أمام تضحيات أهل بيت النبوّة عليهم السلام العظيمة. كما أنّي لم أواسِ أبا الفضل عليه السلام كما يجب، ولا يمكنني الوصول لمقدار ذرةٍ ممّا قدّمه، فمن وجد من انتشله وأسعفه وطبّبه، ليس كمن بقي في العراء ظامئاً مغسّلاً بدمائه!

أنظر إلى كلّ ما يدور حولنا بإيجابيّة، فكلّ الأحداث تمثّل بذاتها تمهيداً لدولة صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف، وقد يكون هذا البلاء العظيم لصالحنا في مكان ما. صحيح أنّنا خسرنا سماحة السيّد في هذه الحرب، ولكنّنا كنّا قوّته في حياته، بنا يهدّد ويتوعّد، فما خيّبنا أمله يوماً ولن نفعل ما حيينا. هذه القوّة المذخورة ما زالت حاضرة وبشدّة، رغم ارتقاء القائد.

* جهادٌ وتربية
تكليفنا الآن هو جهاد التبيين. لقد كنت أتابع مع الكشّافة وما زلت، إذ أضحى كلامي أكثر تأثيراً في هذه المرحلة وبعد الإصابة، وبات خزّان الوقت مليئاً، أدّخره كي أُظهر طاقات كانت كامنة في داخلي إن من ناحية الخطابة أو الإبداع الفكريّ والكتابة، فقد صرت محترفاً بانتقاء الحرف الأكثر عمقاً في النفوس، ليتجوهر الأثر بليغاً في أفعال من يستمع ويرى. حتّى مشاركاتي مع الكشّافة في تشييع الشهداء وأنا كفيف، تلقي الحجّة على غيري، وتجعل من حضوري أكثر فعاليّةً. لذا، أقول: اعرفوا قيمة كشّافة الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، فلها فضلٌ كبيرٌ عليّ ودورٌ بارزٌ في تأسيس شخصيّتي، ويجب على الجميع التمسّك بها لما تمثّله من قيمٍ ممهّدة للظهور المبارك. وعلى الجرحى الكشفيّين متابعة دورهم في صفوفها، فإنّ تربية الأجيال على حبّ الإمام الغائب عجل الله تعالى فرجه الشريف أوجب الواجبات.

* نفحة رقيّ
أحمد الله أنّ إصابتي كانت في عملي وفي غرفتي ولم يتأذَّ أحد ممّن هم حولي. أتابع وضعي الصحيّ مع الطبيب إلياس جرادي، الذي احتوى خلاصة الإنسانيّة ونُبل الأخلاق. كما لست أنسى نفحة الرقيّ التي لمستها في تعامل الطاقم الطبيّ في مستشفى المشرق الفرنسيّ، فقد عبرت مشاعر الودّ حدود الطوائف مخترقةً القلوب كلّها. لهذا، أكنّ لهم كلّ الاحترام فرداً فرداً، كما أنّي عازمٌ على زيارة تلك المستشفى لتقديم عربون شكرٍ وامتنان لما قدّموه من محبّةٍ ولهفةٍ على الجرحى وعليّ.

* رسائل حبٍّ وعزم
رسالتي إلى الجرحى: الجرح يحفّز الجانب الإبداعيّ ويفتح المجال لتأسيسه وتفعيله. لا تيأسوا فأنتم لستم مكبّلين، ليست العيون عائقاً بفقدها، إنّما البصيرة أهمّ من البصر. لن يهزمنا العدوّ الإسرائيليّ ولن يضعفنا، بجراحنا وصبرنا سنهزمه دائماً، فبقدر ثباتنا سيكون الفرج والنصر، وسنقضي عليه بإذن الله. الحرب سجال، فمن موجبات النصر الصبر في الشدائد، ومصداق ذلك الآية الكريمة: ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ﴾ (العنكبوت: 2). الفتنة هي التي تثبت الصبر، وهو المعيار في غربلة الناس كما قال أمير المؤمنين عليه السلام: «والله لتغربلنّ، حتّى لا يبقى منكم إلّا الأندر»(1). تمسّكوا بالولاية فهي لا تتجزّأ، ولبُّ قضيّتنا أنّنا نوالي نهجاً ومسيرة، ولا نوالي أشخاصاً لذاتهم، لذلك، نحن نطيع أيّ شخصٍ يتسلّم الأمانة العامّة، فولاؤنا وطاعتنا ناتجَين عن ثقتنا وإخلاصنا للقيادة.

أمّا لأعداء الداخل: فنحن من مدرسة «اقتلونا فإنّ شعبنا سيعي أكثر فأكثر». هم يراهنون على ضعفنا بعد شهادة السيّد. نقول لهم: السيّد استشهد لكنّ الله في الساحة. نحمد الله على لطفه العظيم وحسن تدبيره في مجزرة البايجر، من حيث عدد الإصابات ونوعها، لأنّ ما خطّط لنا طيلة سنواتٍ كان أفظع وأشدّ، ويبقى مكر الله هو الغالب.

الاسم الجهاديّ: ولاء حيدر.

تاريخ الولادة: 14-2-1996م.

تاريخ الإصابة: 17-9-2014م.

نوع الإصابة: كفيف مع بتر في أصابع اليدين.


(1) ميزان الحكمة، الريشهري، ج 3، ص 2362.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع