آية الله مظاهري
"الإخلاص" من المسائل الواجبة والضرورية للجميع خصوصاً لمجاهدي الإسلام في الحرب، والخلوص هو تخليص القصد من كل ما سوى الله سبحانه، إذ، لا قيمة للعلم إلا إذا أُدّيَ بإخلاص، وكان الهدف من أدائه رضا الله تعالى، لا رضا غيره.
وأعمالنا إذا لم تكن خالصة، فلن يكون لها قيمة إلهية ومعنوية أبداً، ليس هذا فحسب بل إننا نحصل على الإثم. فالكاسب والتاجر والطبيب إذا لم يكن مخلصاً في عمله فإن ذلك لن يضر، ولكنه يحرم من ثواب الخلوص فيه، ومن الرشد المعنوي.
أما عمل المجاهد إذا انتفى منه الإخلاص، ولم تكن لعمله وجهة إلهية هذا الذي يعتبر من أفضل العبادات. فسوف يكون عمله باطلاً، ولن يحصِّل به الكمال، بل تترتب عليه معصية عملية يستحق عليها العقاب.
إذا لم يكن ذهاب الشخص إلى الجهاد لتحقيق رضا ربه ولأداء الواجب الإلهي فإنه لن يكون مجاهداً حتى لو سمي بذلك.
قد يقال له مجاهد في الظاهر، ولكنه ليس كذلك حسب صورته الملكوتية.
فلو كان للعامل هدف آخر في عمله غير رضا الله، كان شركاً. والقرآن يحذر المرائين بقوله: ﴿فويل للمصلين... الذين هم يراؤون﴾.
وله وصف آخر في حقهم حين يقول: ﴿يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رثاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر، فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلداً لا يقدرون على شيء مما كسبوا والله لا يهدي القوم الكافرين﴾. (البقرة/264)
فكل عمل لا يكون لله، لا قيمة له، والرياء في حد الكفر.
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنما الأعمال بالنيات ولكل امرىء ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، وإن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه".
فإذا لم يكن الله هو المقصود من العمل، وكان العمل خالياً من الإخلاص كان شركاً وكفراً. الهجرة في سبيل الله تعالى، وبقصد نصرة دينه هي هجرة إلى الله ورسوله. وكذا الذهاب إلى الجهاد فهو مورد قبول الحق تعالى حين يكون لنصرة الإسلام فقط. إذا ذهب الإنسان إلى الجبهة ثم قُتل، كان شهيداً وفي جوار الله، ولو ودع الدنيا خارج ساحة الجهاد كان في جوار الله تعالى.. إن الجنة لهؤلاء قليلة، وعليهم أن يفتخروا بلقاء الله.
* المجاهد المجهول
إذا كان المال أو الرئاسة أو كانت الأمور الدنيوية هي العامل في الهجرة فإن أجرها ينتهي بقليل من مال الدنيا ومتاعها، وبأن يقال لصاحبها "أحسنت" وإذا ما قُتل هكذا شخص في الجبهة فلن يكون شهيداً لأن عمله لم يكن خالصاً لله تعالى.
هناك روايات مفادها أنه: يؤتى بمن عدَّ شهيداً في الظاهر، فيسئل كيف كنت؟ ماذا فعلت في الدنيا؟ فيقول: كنت مشاهداً، ودائماً في الخط الأمامي للجبهة قضيت حياتي في المتراس، قاتلت، وتقدمت حتى قتلت في سبيل الله، فيُقال له: أنت كاذب. صحيح أنك كنت في الجبهة وفي الخط الأمامي، وقُتلت ولكن لكي يُقال عنك: كان إنساناً شجاعاً، ولكي يقال لك، عافاك الله، أحسنت!
ثم يُقال له: لست بشهيد ألقوه في جهنم على وجهه.
إن المسألة حساسة. ولذا عليكم أيها الأخوة المجاهدون أن تكونا يقظين تماماً حتى تكتسي أعمالكم لون الخلوص، لأنه في غير هذه الحالة ستكونون خارسين للدنيا والآخرة.
أيها المضحون الأعزاء، يا من تتحملون أعباء الحرب على أكتافكم، أيها المجاهدون المجهولة أسماؤكم. كونوا على حذر ومن مجهولي الأسماء حتى تكونوا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومع إمام الزمان عليه السلام. ليس من افتخار أكبر من أن يُقال يوم القيامة: مجاهد مجهول لولي الله الأعظم إمام الزمان عليه السلام.
يا له من افتخار عظيم عندما يأتون بالمجاهد يوم القيامة إلى المحشر، ويعرفونه بابن الإمام الخميني. نعم عندما يأتون بالشهيد إلى المحشر، يصبح المكان نورانياً معطراً، فيتعجب الجميع، ينظرون بحيرة ويقولون: ما الذي جرى؟ فيأتيهم الخطاب: لقد دخل أحد مجاهدي الإسلام، دخل مجاهد مجهول. فهل من افتخار أعظم من هاذ؟! فلنلون الأعمال المباحة بلون الإخلاص.
يجب أن تكون الصبغة الإلهية على كل الأعمال، يجب أن تكون أقوالنا أعمالنا سلوكنا، وبالأخص جهادنا وهجرتنا، خالصة لله ولمعرض رضاه سبحانه.
بعض الرجال الإلهيين لا يقومون بالأعمال الواجبة والمستحبة فقط ولا يمتنعون عن الحرام والمكروه فقط، بل حتى أنهم لا يقومون بالمباحات إلا بعد صبغتها بالصبغة الإلهية، فمثلاً: النوم أمر مباح، فيصبغونه بلون الإخلاص وباللون الإلهي ويخرجونه من كونه مباحاً.
يا حراس النور، كونوا كذلك. فلتكن نياتكم عند الاستراحة في الجبهة إننا نستريح لله. إلهي أستريح وأنام كي أزيل تعبي، فأصبح أكثر قدرة على الحرب في سبيلك. عندها يصبح للنوم حالة قدسية، ويكون له ثواب صلاة الليل ويُعد لدى الله عبادة.
* من سوح الجهاد يعرج السالكون إلى عز اللقاء
يمكن للمجاهد إذا ما أخلص أن يحصل على الثواب حتى من الأمور المباحة فيصبح مقرباً من محضر الله. فيكون تناوله للطعام كي يتقوى ويكون أكثر استعداداً من أجل نصرة الإسلام والتحرك في سبيل دين الله، وعندها يصبح تناول الطعام عملاً مستحباً، وله ثواب كبير. ويا له من تشبيه جميل: ﴿صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة﴾. (البقرة/138)
نقرأ أحياناً في الروايات أن أعمال إنسان ما تكون يوم القيامة نورانية لدرجة أنها تشع كنور القمر يوم القيامة. وليس هذا إلا للخلوص في العمل.
ومن هنا فالإخلاص أمرٌ ضروري للجميع وخصوصاً للمجاهدين في الجبهة، صحيح أن الإخلاص أمر صعب ولكنه ضروري. لأن العمل بدونه لا يساوي أية قيمة وعلى هذا يجب أن يكون الله تعالى هو المحرك والعلة لكل أعمالنا وحركاتنا.
فنؤديها جميعها لتحقيق رضاه والقيام بالواجب، من الذهاب إلى الجبهة والحرب، التقدم إلى الخط الأمامي، الهجوم، الانتصار، الهزيمة...، إلى الطعام، والشراب كلها يجب أن تكون لله وحده.
* علامات الإخلاص
من يستطيع أن قول: عملي لله؟ الادعاء وحده لا يكفي فالأعمال التي تكون لرضا الله تعالى لها علامات هي:
1- عدم تأثير المدح والثناء عليه.
أي إذا قيل له: أحسنت وعافاك الله، لا يفرح، ومن جهة ثانية لا يتضايق إذا لم يُقل له هدا، فإذا ما حارب جيداً في إحدى الحملات وكان سبباً لتحقق النصر، ولم يمدحه مسؤوله لم ينزعج. وإذا عرف مسؤوله به وبعمله ومدحه لم يفرح. فإذا تغيرت حاله مع المدح، فعليه أن يعلم أن عمله لم يكن لله ولم يكن مخلصاً في عمله.
جاءت مجموعة إلى الإمام رضوان الله عليه وقالت: لقد تحملنا الكثير من الأعباء في سبيل الثورة فأجابهم هل عملتم لي أم لله؟ إذا كان عملكم لي فلا فائدة فيه وإذا كان لله، فلماذا تريدون أن أشكركم.
فإذا كان عمل المجاهد لله فعليه أن لا يتوقع المديح والشكر من أحد. لأنه لو كان راغباً بالمدح والثناء فهذا يعني أن ذهابه للجبهة لم يكن من أجل رضا الله. وإذا لم يُمدح في هذه الحال كان مصداقاً لـ ﴿خسر الدنيا والآخرة ﴾. (الحج/11)
يقول القرآن الكريم: ﴿فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً ﴾. (الكهف/110)
أيها المجاهد كن على حذر من أن تقضي على أعمالك النورانية الشريفة التي قمت بها في الجبهة مع توقع المدح والثناء.
2- عدم الافتخار بالعمل
فإذا ما جلس في مجلس عام عليه أن لا يذهب في تمجيد نفسه ومدحها: شاركت في الهجوم الفلاني، كنتُ في ذاك المحور، قمت بكذا وفعلت كذا، كنت شجاعاً! قتلت الكثير من الأعداء، لم أخد، تقدمت، بقيت في الجبهة عدة أشهر... هذا الكلام يحرق الأعمال ويبطلها.
المجاهد المجهول والمخلص، هو الذي يقوم بعمله على أحسن وجه في الجبهة ولا يطلع أحد على عمله ولا يسمع منه كلمة: كنت في الجبهة...
الحمد لله أن للإسلام مجاهدين مجهولين كُثُر. كما قال أستاذنا الكبير قائد ثورتنا العظيم: كم أعطانا المجتمع مجاهدين مجهولين.
نعم فكل مجاهدينا إسلاميون مجهولون. لأنهم لا يتوقعون المديح والثناء إلا من أمام الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف. نشكر الله تعالى لكون علامة الخلوص متجلية بوضوح في جيش الإسلام. إنهم مفخرة للإسلام ولإيران وللثورة الإسلامية.
علامات الخلوص موجودة في مجاهدينا. ولكن يجب أن نكون يقظين منتبهين لأنها مسألة حساسة جداً ففي الحديث: الناس هلكى إلا العالمون، والعالمون هلكى إلا العاملون، والعاملون هلكى إلا المخلصون، والمخلصون في خطر عظيم.
من كان مخلصاً في عمله وتوقع المديح، سلبت القيمة الإلهية منه وإذا ما افتخر فقد خلوصه وبطل عمله.
يجب أن يكون كل هم الإنسان أن يؤدي واجبه الإلهي، فيعتبر ذهابه إلى الجهاد واجباً إلهياً، لا أن يجعل من ذهابه وجهاده وسيلة مباهاة. لأنه عندما يكون الأمر متعلقاً بأداء الواجب والتكليف فلا معنى للمديح والفخر.
3- أن يكون النصر والهزيمة لديه سواء
إذا ما انتصر المجاهد فقد وصل إلى هدفه، وإذا ما هُزم بحسب الظاهر فقد وصل إلى غايته أيضاً، فيجب أن يكون فخوراً لأنه أدى تكليفه، لأن أداء الواجب الإلهي أكبر الانتصارات.
لهذا السبب ليس من هزيمة لجيش الإسلام، ولا وجود لكلمة "هزيمة" في الثقافة الإسلامية فلا مفهوم لها ولا مصداق. فالمسألة المهمة هي أداء التكليف الإلهي، ومن يؤدي التكليف الإلهي فلا هزيمة له.
يعلم القرآن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يخاطب المنافقين قائلاً: ﴿قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ونحن نتربص أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا فتربصوا إنَّا معكم متربصون﴾. (التوبة/52)
فلا تتوقعوا لنا إلا النصر أو الشهادة أما نحن فننتظر لكم أحد أمرين: الهلاك على أيدينا أو عذاب الله الشديد فانتظروا إنا منتظرون.
ولهذا يجب أن لا نيأس من بعض الحوادث والهزائم الظاهرية.
جاءت مجموعة من موظفي شركة النفط إلى الإمام وقالت له كلاماً لطيفاً، لم نأت لنقول ماذا نريد من الثورة والإسلام ولكننا جئنا لنعرف، ماذا تريد الثورة منا وما الذي يريده الإسلام فقال الإمام: الإسلام والثورة يريدان منكم شيئين:
* أولاً: بناء النفس.
* ثانياً: أن تؤدوا الوظائف الملقاة على عواتقكم على أحسن وجه.
إمام الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف يريد هذين الأمرين من المجاهدين ومن جميع الناس، يريد منهم بناء أنفسهم وأداء واجباتهم على نحو لائق.
كما سبق وذكرنا مرات عديدة، الجبهة في الإسلام لبناء الإنسان، أدوا تكاليفكم هناك على أحسن وجه، سواء كنتم في الخط الأمامي، أو خلف الجبهة، كنتم في الهجوم أو في الدفاع، هذا ما يراد منكم أين ما كنتم، نفذوا ما يطلبه المسؤول.
4- العزل والتعيين عنده على السواء
بأن يكون العزل والتعيين والرفع والحطَّ في المقام عنده سواء.
فلا تتغير حاله إذا عُزل عن مقام أو عُيّن في مسؤولية، بل إذا كان هو مسؤولاً عن أمر ووجد من يُليق به أكثر منه سلمه إياه.
5- عدم الاستفادة من الموقع
فلا يستغل موقعه للاستفادة منه بنحو سيء، فيفخر مثلاً بلباسه على الآخرين، لأنه عند ذلك يصبح لباس الجهاد صنماً له، ويذهب الخلوص من عمله، وسوف يدعى يوم القيامة بـ"المشرك". لأن سوء الاستفادة من لباس الحرب والجهاد شرك.
عندما يفرض نفسه بلباسه على الآخرين، أو يشتري بسببه سلعة بأرخص من قيمتها الحقيقية أو يؤذي الناس، ويخيفهم به، يكون مشركاً. ويدعى يوم القيامة بالمشرك. إذا افتخر المجاهد بنفسه والعياذ بالله، ونظر نظرة احتقار لزميله ابن التعبئة، فهو ليس مجاهداً إسلامياً ولا من جنود إمام الزمان عليه السلام. إذا أساء أحد لأحد المسلمين، فكأنه أساء لله تعالى، إهانة المجاهد لابن التعبئة، أو إهانة ابن التعبئة للجندي المجاهد إهانة لله. وإذا ما ذهب أحدهم إلى جبهة الحرب مع الكفر، وهو على هذه الحالة فكأنه ذهب إلى جبهة يحارب الله فيها.
وإذا أساء القائد لعناصره دون حساب فهو ليس من قادة جند الإسلام، بل من قادة جند الشيطان. وهو عابدٌ للأصنام في الجبهة حيث حوّل الجبهة والمتراس إلى معبد لعبادة الأصنام. تلك الجبهة التي لها حرمة أكبر من حرمة بيت الله.
إثارة الشائعات، توهين الآخرين، الافتخار، الرياء، الكذب، الغيبة، و...تبدّل الجبهة التي يتجلى فيها نور الله إلى معبد للأصنام.
هذه هي المسألة التي يعتني بها الشيطان عنايةً خاصةً حتى يزيل الخلوص والصفاء من قلوب الجميع خصوصاً المجاهدين.
كونوا يقظين حتى تتغلبوا على شياطين الجن والنفس الأمارة كما تغلبتم بحمد الله على شياطين الإنس في الخارج، وأدوا أعمالكم لرضا الله فقط.
والحمد لله رب العالمين.