بمَ ينتصر الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف؟ (1)* أخلاقنا | الكبر الرداء المحرّم (2)* تسابيح جراح | نور إرادتي أقوى من ظلام عينَيّ الشهيد القائد إبراهيم محمّد قبيسي (الحاج أبو موسى) صحة وحياة | كيف نتجاوز ألم الفقد؟ كشكول الأدب تحقيق | الشهادة ميراثٌ عظيم (2) بيئة | حربٌ على الشجر أيضاً عوائل الشهداء: لن يكسرنا الغياب لتكن علاقاتنا الاجتماعيّة مصدر أنس ٍوعافية

الشهيد القائد إبراهيم محمّد قبيسي (الحاج أبو موسى)

نسرين إدريس قازان


اسم الأم: منتهى الشاب.
تاريخ الولادة ومحلها: كوثرية السياد، ١٩٦٢-١٠-١0م.
الوضع الاجتماعي: متأهّل وله ٧ أبناء.
تاريخ الشهادة ومحلها: الغبيري، 2024-9-24م.

بامتنانٍ عميق تتحدّثُ عائلة الشهيد إبراهيم قبيسيّ عن الأب والقائد، الذي لطالما أجاد زرعه الذي يؤتي أكله كلّ حين. ابتسامة وضحكات موسومة بدمعِ الحنين، حينما يستذكرون تلك الأيّام الخوالي، التي صارت زاداً للأيّام الآتية. حكايات عن الإنسان، والأب، والمجاهد والقائد نلتمس منها العِبرة من على ضفّة العَبرة.

* صباحات البيت
ذكرياتٌ كلّ ما فيها جميل. تخبرنا زوجته رفيقة الطريق، أنّ الحاج إبراهيم كان حينما يُنهي نوافل الليل وصلاة الصبح، يستلقي ليرتاح قليلاً قبل أن ينطلق إلى عمله عند السادسة والنصف صباحاً، وكان من عادته أن يشغّل مذياعاً قديماً صغير الحجم قربه، ليستمع إلى أخبار إذاعة النور، فتكمل ابنتها الكبرى وهي تنظر إلى إخوتها ضاحكة: «ولكنّنا كنّا نستيقظُ على صوت المذياع، فيما يغفو هو، وإذا أطفأته أمّي استيقظ مستنكراً، ليعيد تشغيله فيكمل كبوته».

* قداسة العمل
يقول ابنه: «لم يؤخّره شيء عن جلسات العمل، ففي إحدى المرّات، عاد من سفره بُعيد صلاة الصبح، وكان لديه جلسة في ذلك اليوم صباحاً أيضاً، وعلى الرغم من تعبه إلّا أنّه أصرّ على حضورها ليختصر الوقت على المتابعات مع المجاهدين، فتعامله مع الوقت كان دقيقاً، حتّى أنّنا الآن إذا ما نظرنا إلى طبيعة حياته التي قسّمها بين العمل الجهاديّ وما فيه من مسؤوليّات، وعائلته، والمستحبّات التي كان يواظب عليها، إلى جانب ممارسته لهواياته، نسأل أنفسنا: هل حقّاً كان يومه أربعاً وعشرين ساعة مثلنا؟!».

* أوّل وقت الصلاة
ولكن، كيف كان يضبطُ وقته وينسّق مواعيده، فيما عمله يفرض عليه التنقّل الدائم؟ تجيبنا ابنته: «حسب مواقيت الصلاة؛ لقد وضع خارطة طريق للمساجد وأمكنة الصلاة ضمن النطاق الجغرافيّ الذي يعمل فيه، أو حتّى الذي يتنقّل عبره، إذ كنّا نسمع عن مصلّى صغير أو مسجد قديم لا يعرفه إلّا القاطنون في المنطقة وهو، ويضبطُ الوقت بحيث يكون هناك أوّل وقت الصلاة، وهذا ما كان يؤكّده دوماً، فالصلاة في أوّل وقتها، وبقيّة الأعمال يأتي وقتها».

* رغم الضغوطات
«لم تكن تلك السنوات سهلة»، تحكي زوجة الحاجّ عن تلك الحقبة، «لأنّها حملت بين حربَيها بين عامَي 1993م و1996م إرهاصات التحرير، وتزاحمت فيها العمليّات العسكريّة، وفُرضت معادلات جديدة في المواجهة مع العدوّ، وهذا ما استدعى غيابه الطويل عن العائلة في كثير من الأحيان. ولكنّ ذلك الغياب لم يمنعه من متابعة أدقّ التفاصيل في حياة أسرته، ولم ينقطع عن صلة رحمه أو الاطمئنان على معارفه ورفاقه.

وتضيف ابنته الصغرى: «لقد زاد غيابه بعد تسلّمه لقيادة وحدة بدر (شمالي نهر الليطاني)، ولكنّه في كلّ يوم كان يتّصل ليتحدّث مع كلّ واحد فينا، ويسألنا عن صحّتنا والمدرسة والرفاق، وما جرى معنا من أحداث.

* الاهتمام بالزرع
رُزق الحاج إبراهيم سبعة أولاد، وكان همّه وزوجته أن يتحلّوا بالتديّن والأخلاق، ولطالما قال لهم إنّه سيورثهم شيئين: الدين والإيمان، فلا شيء سينفعهم سواهما، وتضيف ابنته الوسطى: «اشترى والدي قطعة أرضٍ صغيرة في مدينة النبطيّة حوّلها إلى مشتلٍ، وزرع فيها الشجر الذي أثمر، وكان يعتني فيها كما لو أنّها أحد أولاده. وكان يصرّ أحياناً على زرع شجر لا ينبت في المنطقة فيعاند المناخ، ويخترع أساليب زراعيّة ليحقّق ولو خطوة نجاح واحدة. وأحياناً، كان يطلب من إخوتي تفقّد الشجر، ويحدّد لهم ماذا عليهم أن يفعلوا عندما كان يغيب عن البيت».

لم تكن قطعة الأرض تلك مشتله الوحيد، فهو كان يزرع بعض المزروعات أيضاً في أصائص على السطح، ويتفقّد شتلاته من وقت لآخر.

* خدمة المجاهدين أولويّة
إنّه القائدُ الذي كان خلال شهر رمضان يشارك المرابطين في الثغور إفطارهم، حتّى أنّ أولاده لم يقضوا أيّ عيد معه، إلّا بعد استشهاده عند ضريحه المبارك، فأيُّ رجل هو هذا الذي كرّس كلّ وقته للجهاد، يتنقّلُ بين مواقع المجاهدين ويسأل عنهم، ويطمئن إليهم، ويبادر إلى معرفة احتياجاتهم؟

يقول ابنه: «عندما تقرّر نقله إلى أحدى التشكيلات، أحسّ الشباب باليُتم من دونه، وظلّوا على تواصل معه، يلجأون إليه بمسائلهم الشخصيّة، وخصوصاً في الأمور الماديّة، إذ كان يساعدهم على قدر استطاعته، حتّى أنّ أحد الإخوة قال لي بعد الحرب إنّ أموره تيسّرت بسبب رسالة الحاجّ أبي موسى، ما يعني أنّه حتّى في خضمّ الحرب لم ينسَ خدمة الإخوة».

تضيف زوجته: «لم يهمل خدمة أحد، إذ كان يواظب عليها كما لو كانت إحدى عباداته الواجبة أو المستحبّة التي كان يؤدّيها».

* حُسن الختام
خلال حرب إسناد غزّة، زاد غيابه عن المنزل، وصار من الصعب رؤيته، إلى أن كان الوداع الأخير الذي تخلّله الكثير من الإجراءات، ولم يستمرّ لأكثر من 10 دقائق اختصرت الحياة، واستشهد بعدها باستهداف في منطقة الغبيري في الضاحية الجنوبيّة ليرتقي وثلّة من رفاقه شهداء بتاريخ 24 أيلول/ سبتمبر 2024م.

«لا تقل لديّ كذا، الإنسان لا يملك شيئاً في هذه الدنيا إلّا ما يأخذه معه من عمل إلى آخرته»، هكذا يكون من يجيد حرث الدنيا للآخرة كأبي موسى، كلام كان دائماً يردّده كوصيّة لمن حوله ومن سيُكملون الطريق بعده.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع