بمَ ينتصر الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف؟ (1)* أخلاقنا | الكبر الرداء المحرّم (2)* تسابيح جراح | نور إرادتي أقوى من ظلام عينَيّ الشهيد القائد إبراهيم محمّد قبيسي (الحاج أبو موسى) صحة وحياة | كيف نتجاوز ألم الفقد؟ كشكول الأدب تحقيق | الشهادة ميراثٌ عظيم (2) بيئة | حربٌ على الشجر أيضاً عوائل الشهداء: لن يكسرنا الغياب لتكن علاقاتنا الاجتماعيّة مصدر أنس ٍوعافية

عوائل الشهداء: لن يكسرنا الغياب

تحقيق: زينب خشاب
 

يختبر عوائل الشهداء معنى الفقد والغياب، ولكنّهم يجدون أنفسهم أمام تحدّي استمرار المسيرة رغم الألم. قصص النساء اللواتي فقدن أزواجهنّ، أو أخاً كان لإحداهنّ سنداً، أو أباً كان حضوره رمزاً للأمان، هي شهادات حياة تروي كيف يمكن للإنسان أن يواجه الوجع بروح الإيمان والصبر.

ومع ذلك، فإنّ زوجات الشهداء وأبناءهم هم الأكثر تضرّراً من هذه الخسارة الجسيمة؛ فغياب الأب والزوج ليس مجرّد فقدان شخصيّ، بل هو تحوّل جذريّ في الأدوار العاطفيّة والاجتماعيّة داخل الأسرة. فكيف يمكن للزوجة أن تصبح جسراً يعبر عليه الأبناء من الألم إلى التعافي؟ وكيف يمكن للأطفال أن يبنوا هويّتهم في ظلّ غياب الأب؟


* الشوق إلى اللقاء
تقول نسرين عبيد، زوجة الشهيد أحمد رضا، إنّ الشهيد كان مثال الزوج العطوف، والأب الرؤوف، والأخ السند. لم يشك أحد منه طيلة حياته، بل كان كنسمة الربيع العابرة. تضيف: «إنّنا نفتقده في كلّ شيء: عند مائدة الطعام، وفي شهر رمضان، وفي تفاصيل الحياة كلّها. كيف لنا أن لا نتذكّره وهو كان في حياتنا الحبيب والرفيق والصديق؟ أفتقده وأولادي كثيراً، ونحزن على غيابه، لكنّه وعدنا بالجنّة، حيث يبني لنا بيتاً سنجتمع فيه مجدّداً، ونحن ننتظر الانضمام إليه بشوق كبير».

كم هو صعب أن ينظر الأولاد في عيون بعضهم بعضاً ويتساءلوا: «أين والدنا؟» ولكنّ نسرين تجيبهم: «إنّه حيّ بيننا، يحرسكم ويظلّلكم ويحنو عليكم». تضيف: «بالفعل، الشهيد يتابع تفاصيل حياتنا التي تتيسّر ببركته، كلّما مرّت الأيّام، ازداد شوقنا إليه. ليته كان بيننا، فتعود الفرحة والبهجة إلى أولادي. ألم الفقد صعب للغاية، ولكنّنا سنصبر ونتحمّل لأنّنا على ثقة أنّ الله سيُثيبنا على ذلك يوم القيامة، وأنّ شهادته وتضحيته في عين الله».

* نقدّم أرواحنا لهذا النهج
أن تعتاد على صوت الحبيب وخطواته في البيت، ثمّ يغيب فجأة، ولا يعود، ولا يُمهلك وقتاً لتتهيّأ لتلك اللحظة، لهو أمر صعب جدّاً.

تقول زوجة الشهيد علي السيّد: «إنّ فقدان زوجي ليس بالأمر السهل أبداً، ولكنّني أواسي نفسي بدمعة السيّدة الزهراء عليها السلام، وصبر السيّدة زينب عليها السلام، التي وقفت على أجساد إخوتها ولم تنكسر». تضيف: «ما زال الشهيد حاضراً في البيت، نلمحه في التفاصيل الصغيرة، ونراه في المنام. مرّة قال لي ابني الصغير: (لقد حضر إليّ بابا وأخذني إلى النهر وسبحنا)، وابني الكبير قال: (بابا ذهب معي إلى الكشّاف، وقدّم لي هديّة). وفعلاً، حصل على هديّة من الكشّافة بعد مدّة. كم يشتاق إليه أولاده، وهم سيكملون طريقه».

تنهي زوجة الشهيد كلامها بالموقف الثابت: «نحن نقدّم أبناءنا وأزواجنا وأنفسنا فداء لهذا النهج؛ فهو استشهد من أجل قضيّة نؤمن جميعاً بها، فهنيئاً له ولكلّ الشهداء».

* الأخ والسند
كم هو قاسٍ غياب الأخ، خاصّةً إذا كان مثل الشهيد محمّد رضا، سنداً وجبلاً ومتّكأً! تقول آلاء، شقيقة الشهيد، إنّ الفقد، رغم صعوبته، لا يستطيع أن يحجب حضور الشهيد الروحيّ في قلبها وبيتها: «ذات يوم، بكيت كثيراً من شدّة شوقي إليه، فحضر إليّ في المنام وحضنني بقوّة قائلاً: (مشتقلك يختي)، وهي العبارة التي كان يقولها لي كثيراً».

* «سأكمل الطريق»
المدرّبة بتول حوماني، لم تفقد حبيباً واحداً، بل فقدت حياة: أمّها وأباها، وبعض إخوتها، وعدداً من أولاد إخوتها، وصهرها؛ لقد كانوا جميعهم في بيت واحد في أوّل أيّام الحرب حينما استهدفه العدوّ الصهيونيّ. عن ذلك تقول: «لقد رحلوا جميعهم دفعةً واحدة دون وداع أو استئذان، ومع ذلك، لم أنكسر أو أستسلم. بعد الحرب، عاودت العمل في المنصّة، أقدّم دورات وورشاً تدريبيّة تثقيفيّة للمجتمع وجيل الشباب، وأهدي الكثير منها إلى أرواح الشهداء. لا كلمات تصف حالتي وعظيم البلاء، لكنّني صابرة محتسبة، وسأكمل الطريق برضى الله عزّ وجلّ».

* «مستعدّة لتقديم المزيد»
انتظر الشهيد محمّد شحرور قدوم طفلته فاطمة 8 سنوات، وكان يقول: «بدّي عيّشها أميرة»، ولكنّه استشهد بعد ثلاثة أشهر من ولادتها. تقول زوجته زهراء حرب: «لا أصدّق أنّ فاطمة ستكبر من دون أن تعرف مَن كان يحلم أن يربّيها كأميرة! لقد كان الفقد موجعاً بشكلٍ لا يُوصف، ولكنّ الله أنزل السكينة في قلبي». صحيح أنّ الشهيد رحل بجسده، ولكنّه يحيط ابنته بالاهتمام والحبّ، عن ذلك تقول: «في أحد الأيّام، كانت فاطمة نائمة، وفجأة، استيقظت وهي تضحك وتنادي: (بابا)!، في كلّ مرّة أواجه أمراً صعباً، أشعر أنّ الله يرسل لي المساعدة من حيث لا أدري، فتتجسّد لي بأشخاص يساعدونني في حلّ أموري». تختم كلامها بالقول: «رغم الفقد القاسي والموجع، إلّا أنّني أشكر الله على هذا الوسام الذي منحني إيّاه، وأنا مستعدة لتقديم المزيد في سبيل هذا النهج».

* التعافي من ألم الفقد
في مواجهة الفقد، تتحوّل حياة الزوجة وأبنائها إلى رحلة جديدة مليئة بالتحدّيات النفسيّة والاجتماعيّة. فما مسؤوليّاتها تجاه نفسها وأولادها؟ هذا ما تجيب عنه د. لاريسا صفا.

أوّلاً: كيفيّة تعافي الزوجة من ألم الفقد

عندما تفقد الزوجة شريك حياتها، تجد نفسها أمام تحدّيات نفسيّة واجتماعيّة وتربويّة معقّدة تتطلّب منها أكثر من مجرّد الصبر والتحمّل. في مجتمعاتنا التي تربّي الأطفال على قيم التضحية والفداء، تصبح هي محور هذا العالم الجديد، إذ عليها أن تكون الجسر والدرع، المعلّمة والحاضنة، والصامدة التي تخفي دموعها بصمت. يتحقّق تعافي الأمّ بخطوات عدّة:

1. التعامل مع الألم كجزء طبيعيّ من الحياة: تحتاج الزوجة إلى أن تدرك أنّ التعامل مع الوجع كأمر طبيعيّ وغير مخجل هو الخطوة الأولى نحو التعافي. يجب أن تتجنّب نكران مشاعرها أو إخفاء حزنها بالكامل، لأنّ ذلك قد يفاقم الضغط النفسيّ عليها.

2. التوازن العاطفيّ والنفسيّ: على الزوجة أن تتعلّم كيف تحزن دون انكسار، وكيف تفرح دون إنكار الألم. إذا استطاعت تحقيق هذا التوازن، فإنّها تنقل لأبنائها دروساً قيّمة في كيفيّة التعامل مع المشاعر الصعبة.

3. الدعم الذاتيّ والإرشاد المتخصّص: ثمّة حاجة إلى تمكين الزوجة عبر أدوات الدعم الذاتيّ مثل الدعم النفسيّ والاجتماعيّ، والإرشاد التربويّ، والتواصل الدائم مع من يدفعها إلى الأمام.

4 التركيز على الجانب الروحيّ والاجتماعيّ: يقدّم الإسلام حلولاً عمليّة للتعامل مع الفقد، مثل الصلاة، والدعاء، وصلة الأرحام. هذه الممارسات تساعد زوجة الشهيد في شحن روحها وتجاوز الألم.

ثانياً: كيفية تعافي الأولاد من ألم الفقد

عندما يفقد الطفل والده، فإنّه يواجه تحدّياً كبيراً في بناء هويّته الشخصيّة وفهم العالم من حوله. في هذه الحالة، يصبح دور الأمّ حاسماً في تقديم الدعم العاطفيّ والتربويّ للأطفال، وذلك من خلال:

1. الدعم المجتمعيّ والروحيّ: مثل الأمّ، يحتاج الأطفال أيضاً إلى دعم اجتماعيّ وروحيّ. يمكن أن يساعد الانخراط في النشاطات الاجتماعيّة، مثل صلة الأرحام وحضور المناسبات الدينيّة، في تعزيز شعورهم بالأمان والانتماء.

2. تعويض الفقد العاطفيّ: يفتقد الطفل لغة الجسد الدافئة، والنظرة الحانية، والأحضان التي لا يمكن تعويضها بالكلمات فقط. هذا الفراغ العاطفيّ قد يظهر في سلوك مثل التمرّد والقلق. هنا يأتي دور الأمّ في تقديم الدعم العاطفيّ وإعادة بناء شعور الأمان داخل الأسرة.

3. إعادة بناء الهويّة الذكوريّة: في حالة فقد الأب، قد يحتاج الصبيّ إلى نموذج بديل يساعده في بناء هويّته الذكوريّة. لذا، على الأمّ أن تحرص على تقديم نماذج إيجابيّة دون الوقوع في فخّ القسوة أو التصنّع، مثل: الجدّ والعم والخال والأخ الأكبر، فحضور هذه النماذج أمام الصبيّ ضروريّ لبناء هويّته.

4. الإجابة عن الأسئلة الصعبة: يطرح الأطفال أسئلة مثل: «لماذا ذهب أبي؟ هل سيعود؟ لماذا نحن مختلفون؟». يجب أن تكون الأمّ مستعدّة للإجابة عن هذه الأسئلة بصدق وبساطة، مع التركيز على تقديم الطمأنينة رغم الغياب.

5. تحقيق التواصل العاطفيّ: تحتاج الطفولة إلى التواصل الحقيقيّ، والحضن، والنماء المتّزن. هنا، تصبح الأمّ المصدر الحيّ للثبات والبطولة الهادئة، بحيث تعمل على بناء علاقة قويّة مع أبنائها تقوم على الثقة والحبّ.

إنّ تعافي الزوجة والأولاد من ألم الفقد يتطلّب جهداً مشتركاً ومتكاملاً؛ هي تحتاج إلى تحقيق التوازن بين حزنها وقوّتها لتتمكّن من دعم أبنائها، بينما يحتاج الأطفال إلى الدعم العاطفيّ والتربويّ لإعادة بناء هويّتهم وتجاوز الفراغ الذي تركه الأب الشهيد.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع