سماحة السيّد هاشم صفي الدين
ليست الحملة الناعمة التي يشنّها أعداء الإسلام جديدة على عالمنا المعاصر، بل دأبَ
هؤلاء ومنذ زمن على العمل لتشويه صورة الإسلام والنيل من قِيَمه وإهانة مقدَّساته.
وقد لجأ الأعداء إلى هذه الحرب لاعتقادهم أنّ الوصول إلى الأهداف المرسومة غير ممكن
عبر العمليّات العسكريّة. وبما أنّ المقاومة واحدة من أبرز القِيَم التي نحملها
لذلك كانت في معرض الهجوم من أعدائها.
* الإمام الخامنئيّ استشرف "الحرب الناعمة"
كما هو معلوم فإنّ سماحة الإمام القائد دام ظله هو من الذين استشرفوا المخاطر
وأدركوا تماماً سير الأحداث والأدوات التي خبّأها العدو والتي عمل على إبرازها
وإظهارها لمواجهة المدّ الإسلاميّ والثوريّ الصاعد في منطقتنا. فالقوة الناعمة ليست
جديدة، إلّا أنّ ما أشار إليه السيّد القائد هو إحساسه وشعوره أنّ هذا الخطر قادم،
وأحد أهمّ مشاكله أنّه ليس حرباً صلبة أو قاسية يشار إليها بالبنان، فالحرب الناعمة
تُقدَّم بعناوين برّاقة وجذّابة لا تستفزّ في مراحلها الأولى. وهذا ما كان يحتاج
إلى التوعية والتنبيه، وقد أبرزها السيّد القائد بمصطلح يوحي بذلك عام 2009م.
* لماذا الحرب الناعمة على المقاومة؟
تتعرّض المقاومة للاستهداف في الحرب باتّجاهين: الأوّل: عسكريّ، والثاني: فكريّ
تضليلي ناعم.
من المعلوم أنّ الصراع القائم والموجود بين المقاومة وبين قوى الشرّ والاستكبار
والاحتلال هو صراع طويل امتدَّ لعقود من الزمن. ونحن الآن في مرحلة دقيقة وحسّاسة
ومهمّة، وربما تكون هي المرحلة التي ستليها نتائج حاسمة على مستوى المنطقة كلّها.
استشعرت أميركا الخوف بعد أن فشلت عسكريّاً في القضاء على المقاومة وفي إحباط نتائج
انتصاراتها. وهذا هو الأهمّ؛ لأنّ نتائج الانتصارات كرّست المقاومة كفكر وثقافة
وكمفهوم وكبديل حقيقيّ وجدّيّ. من أجل أن تحبط هذه الإنجازات كلّها، ومن أجل أن يقف
قوس الصعود للعمل المقاوم... ولكي ينحدر، لأجل هذا كلّه استَخدمت ضدّنا القوى
الناعمة، الموجودة أساساً في الفكر الاستراتيجيّ لأعدائنا.
هذه القوة كانت موجودة ومستخدمة بعناوين شتّى في السابق، لكن في هذه المرحلة أنفقت
أميركا أموالاً كثيرة، ووُجِّهت أدواتها... استخدَمت كلّ ما تملك من طاقات وإمكانات
للتوجيه، بشكل مباشر، على المقاومة.
* درسوا أسباب قوّة المقاومة
بعد انتصار عام 2006 قام العدوّ بدراسة المقاومة: ما هي؟ ما هي قوّتها وما هي أسباب
قوّتها؟ وكيف يمكن هزيمتها؟
قدّم الباحثون رؤية ركّزت على الموضوع الثقافيّ الاجتماعيّ، التربويّ، والحياتيّ،
والعادات والتقاليد... درسوا المقاومة من هذه الجوانب، ولم يذهبوا فقط لدراسة
الجانب العسكريّ والأمنيّ.
وتخلص الدراسة إلى إنّ للمقاومة قوّة مستمدّة من التاريخ ومن الانتماء العقائديّ،
الفكريّ، والثقافيّ والاجتماعيّ. وبتعبير يوضح المقصود، قالوا -طبعاً هذا كلام
العدو- إنّ المقاومة هي طائر يطير بجناحين: الجناح الأوّل: الاستشهاد
وكربلاء والارتباط بالإمام الحسين عليه السلام.
والجناح الثاني: البعد العقائديّ الثقافيّ والفكريّ الذي يربطه
بمرجعيّاته، وعلمائه وقياداته. والمطلوب قصّ هذه الأجنحة لإسقاط هذا الطائر. وقال
لهم الباحثون، من باب النصيحة إنّه لا مجال للتعاطي مع الجناح المرتبط بكربلاء لأنّ
هذا الجناح كلما قصّ تاريخيّاً كلما استطال. لذا، يبقى أمامكم أن تذهبوا إلى
الثقافة، والفكر والانتماء العقائديّ الثقافيّ فإذا ما أُضعف هذا الجانب فإنّ
المقاومة لن تتقدَّم إلى الأمام.
* الحرب الناعمة: استراتيجيّات وأدوات
تمتاز الحرب الناعمة بأنّ القوّة المحرّكة فيها تكون عادة خلف الستار؛ أي أنّها غير
مرئيّة وغير مشهودة؛ لأنّها إذا ما عُرفت تَسقُط أهدافها مباشرة، والقوة المحرّكة
هذه تملك أدوات كثيرة:
أوّلاً: من خلال إمبراطوريات الإعلام في العالم وفي المنطقة، حيث يتمّ توجيه
الإعلام لتحقيق أهداف محدّدة.
ثانياً: استخدام المؤسّسات والمنظّمات الدوليّة في مجلس الأمن لخدمة الحرب
الناعمة.
ثالثاً: استخدام نفوذ هذه القوّة في المنطقة: رؤساء، سياسيّون، مفكّرون،
نخب، جامعات، كتّاب؛ كتب الفن... إلخ.
رابعاً: ضعفاء النفوس من الذين يطمحون لتحقيق مواقع سياسيّة في منطقتنا أو
في بلدنا؛ بعض الجهات السياسيّة الضعيفة -بذاتها-، هم بعض الإعلاميين مثلاً، بعض
النخب، بغضّ النظر كيف يُحرّكون، وهنا لا نتحدّث عن عمالة، بل عن تأثير مباشر وغير
مباشر. وهذا ليس سرّاً، بل قيل بشكل واضح(1).
مضافاً إلى ما تقدَّم، فقد استخدم هؤلاء الجانب الفنيّ والاقتصاديّ لتوجيه السهام
وليبيّنوا أنّ هذه المقاومة هي خلاف ما تقول -وهذا هو المقصود في الحرب الناعمة-
فهي ليست مقاومة، بل هي التي تسبّب وتؤدّي إلى حصول كلّ النكبات والمآسي التي تحصل
في المنطقة.
* التلاعب بالمصطلحات الإعلاميّة
الحرب الناعمة تستخدم المصطلحات، وتتلاعب بها وبالمفاهيم وبالثقافة. ومن حيث لا
يشعر الإنسان، فإنّ كثرة تكرار هذه المصطلحات على الملأ، من خلال الإمبراطوريّات
الإعلاميّة، أو بيانات المحافل الدوليّة، يؤدّي إلى تكريس هذا المفهوم...
المطلوب، إذاً، التركيز على وصف المقاومة بالإرهاب، من خلال:
أوّلاً: الضغط الاقتصاديّ، واستهداف الشعب (البيئة الحاضنة للمقاومة)،
بإظهار أنّ المشكلة الاقتصاديّة هي نتيجة المقاومة، وإظهار أنّ وجود المقاومة عكس
مصلحة الاقتصاد الوطنيّ.
ثانياً: استهداف المصالح الاقتصاديّة لبيئة المقاومة ومجتمعها من خلال تشويه
الصورة، مثل الترويج الإعلاميّ بأنّ فلاناً يدعم المقاومة، فيضعون عليه علامة
استفهام ويوضع في إطار الملاحقة، فإذا ما أراد أن يحفظ مصالحه عليه أن يترك
المقاومة.
وبعضهم يتبرّع بمناسبة أو غير مناسبة ليقول: ألا تخاف المقاومة على من هو معها؟ على
مجتمعها وعلى أهلها؟
* لعبة القول إنّ الانتصار هزيمة!
شاهدنا في مرحلة من المراحل ولمسنا الآثار الطيّبة والكبيرة لعمل المقاومة، على
الناس، لكن، كانت هناك مسارعة من قبل البعض لتجويف انتصارات المقاومة، هذه المسارعة
لم تكن صدفة، بل هي حركة، مدروسة.
بعد انتهاء حرب تمّوز حيث كانت هناك انتصارات كبيرة وهائلة، خرج بعض الإعلام
العربيّ بشكل فاضح ووقح ليتحدّث حول الخسائر التي حصلت، ليقول: ماذا جنى لبنان من
هذه المعركة ومن هذه الحرب؟ هناك شعب اعتزَّ بانتصاره وهو يعود إلى قراه رافعاً
شارات النصر عزيزاً كريماً بعد أن أذلّ القوة الصهيونيّة المعتدية. في الوقت نفسه
يأتي هذا البعض ليقول إنّ الاقتصاد تدمّر وإنّ كلّ الذي حصل هو خسائر.
هذه إحدى تكتيكات وعقليّات الحرب الناعمة التي تحاول أن تدغدغ مشاعر الناس، التي
تعيش في مشكلة وضائقة اقتصاديّة وإشعار الناس أنّ الدولة دون المقاومة هي التي
تحقّق لكم مصالحكم وآمالكم، فتخلّوا عن المقاومة.
(*) هذا المقال عبارة عن حلقة حواريّة حول الحرب الناعمة أجراها تلفزيون
المنار مع سماحة السيّد هاشم صفيّ الدين ضمن برنامج أحسن الحديث في شهر ت2/2015.
1- حديث فيلتمان حيث قال: إن هناك خمسمائة مليون دولار أميركيّ -نصف مليار دولار -
رصدت لدعم الحرب الناعمة على منطقتنا.