مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

دور المعلّم في تعزيز الدافعية للتعلم

د. هاشم عواضة

 



لا يشكّ أحدٌ في دور المعلّم في انخراط المتعلّم بفعالية في العملية التعلّمية. وهذا ليس فقط في مطلع العام الدراسي، وإنما خلاله أيضاً. سنحاول في هذا المقال توضيح بعض المفاهيم الأساسية المتعلّقة بالموضوع، كالتعليم – التعلّم، والتعلّم، والدافعية للتعلّم، كمقدمة لتبيان جوانب من دور المعلّم في تحريك دافعية المتعلّم للتعلّم.

* التعليم – التعلّم المدرسي:
عملية تفاعل إرادي هادف بين المعلّم والمتعلّم والمعرفة(1). لقد اعتمدنا تسمية مركّبة للعملية، بهدف لفت النظر إلى دور التفاعل بين المعلّم الذي يقوم بالتعليم، والمتعلّم الذي يكتسب خلال العملية، وفي نهايتها، قدرات عقلية ومهارات حسيّة – حركية ومواقف (اتجاهات) عاطفية أو وجدانية – اجتماعية.

* التعلّم:
مفهوم معقّد تعدّدت تعريفاته بتعدّد مدارس علم النفس وعلمائه. لقد عرّفه (2)Rieunier على أنّه تغيير يدوم في السلوك أو اكتساب بنى فكرية أو أشكال عمل جديدة أو أيضاً زيادة تدوم في المعارف. أمّا (3) Piaget فعرّف التعلّم على أنّه تشكّل داخلي لدى الفرد نستدلّ على حصوله من خلال آثاره المتمثّلة في تغيير السلوك. وهكذا يكون التعلّم سيرورة (Processus) وليس نتاجاً. هذا ولكل من مدارس علم النفس نظريات في التعلم لا يسمح المجال هنا بذكرها.

* الدافعية للتعلّم:
هي رغبة نفسية لدى المتعلّم مسؤولة عن انطلاق أو متابعة أو وقف نشاط تعلّمي معيّن(4). إنها نوع من قوة دفع تجذب المتعلّم عفوياً نحو الاهتمام بالنشاط التعلّمي وأدائه. ولا شكّ بجدوائية وجودها لدى المتعلّم قبل النشاط كقوّة جذب باتجاهه، وخلال النشاط كعامل مساعد على متابعة إنجازه. قد تحتاج هذه الدافعية إلى التعزيز خلال النشاط. وهي، عند النجاح فيه، تُدعّم وتكتب خاصية الترحيل إلى النشاطات المشابهة. لقد تباينت مواقف نظريات التعلّم من مفهوم الدافعية وبالخصوص من سبل إيجادها لدى المتعلّمين. فذهبت المدرسة السلوكية إلى تبنّي التعزيز الخارجي للسلوك المرغوب. وانتقدت المدرسة المجالية اللجوء إلى التعزيز الخارجي؛ لأنه يصرف انتباه المتعلّم عن التعلّم، لتتبنّى الدافعية الداخلية التي تتحصّل بالفهم والرضا عن الإنجاز. أما المدرسة البنائية فتبنّت فكرة تولّد الدافعية من إدراك المتعلّم الفارق بين العالم والمدرَك بشكل غير مُرضٍ والعالم المتصوّر بشكل مرضٍ، فيما يشبه رغبة برسم الإيجاد بين الحاجة والطلب، تترجم عملاً وتختفي عند حلّ المسألة وبلوغ الهدف(5).

لقد حكى "جاكوبسون"(6) في كتابه الشهير "حرباء في المدرسة" تجربة علماء نفس جرت في الضواحي الفقيرة في سان فرانسيسكو مع معلّمي صف أطفال بعمر السبع سنوات، أُبلغوا عن توقّع تطوّر نموهم الفكري خلال العام الدراسي بالرجوع إلى اختبارات وروائز بمعدل 20% (لم تجر الاختبارات في الواقع). وبعد سنة من تعليم هؤلاء الأطفال أصبحت النبوءة حقيقة حين زادت، بالرجوع إلى الروائز والاختبارات، النتائج المدرسية والحشرية الثقافية وعامل الذكاء (Q.I.) بمعدل 20%. لقد أبدى معلمو الأطفال المزيد من الاهتمام بهم وشجعوهم وأبلغوهم توقعاتهم الإيجابية منهم وتسامحوا مع الأخطاء في جو تعليم – تعلّم إيجابي وتعاوني.

* دور المعلّم:
يلعب المعلّم دوراً محورياً في بعث الدافعية للتعلّم لدى المتعلّم من خلال:

علاقة تعليمية سوية مع المتعلّمين يحترم فيها شخصية المتعلّم ويصغي إليه ولا يصدر عليه الأحكام. يتقاسم معه السلطة ويلعب دور الوسيط بينه وبين المعرفة. إن دخول المتعلّم عالم المعرفة هو دخول في نوع من العلاقات الاجتماعية التي تتقوّى بالعلاقات الإنسانية في المدرسة. تعزيز مشاركة المتعلّمين من خلال ردّ فعل المعلّم الإيجابي على إجابات المتعلّمين والتفاعل معها بالصوت والحركة والنظرات. إن التعزيز وسيلة فعّالة تزيد من مشاركة المتعلّمين في النشاطات التعلّمية ومن فرص معاودة السلوك المعزّز. يمكن هذا التعزيز أن يكون: كلامياً (تعقيب إيجابي على جواب، تبنّي إجابة، ذكر المتعلّم كمثال...)، لا شفاهياً (نظرة مهتمة، ابتسامة...)، حركياً (هزّ الرأس، التربيت على الكتف...)(7).

إننا في الوقت الذي نؤيد فيه لجوء المعلّم إلى التعزيز المعنوي للمتعلمين وخاصة لمن يحتاجه منهم وليس فقط لمن يجيب بسرعة وبشكل صحيح، نرفض استعمال التعزيز المادي لأنه يجعل النشاط في موقع الوسيلة ويوجّه بالتالي اهتمام المتعلّمين إلى أمور مادية بعيدة عن النشاط وأهدافه. إنّه يحرّف الدافعية باتجاه المكافأة المادية في حين أن المطلوب تعزيزها وربطها بالهدف التعلّمي مباشرة. إن التعزيز المادي يضرّ بالدافعية الداخلية، والتركيز عليه ينمّي لدى المتعلّم الحاجة لإثبات تمكّنه من التعلّم بالقياس مع الآخرين على حساب القياس مع المهمة والتركيز على زيادة المعارف والشعور بالارتياح والتعلّم للتعلّم. إننا نعتبر اعتماد التعزيز المادي الخارجي من مؤشرات التعليم التقليدي الذي:
-يشجّع التنافس بين المتعلّمين.
-ينمّي مقابلة أداء المتعلّمين بين بعضهم البعض.
-يعطي مكافآت لمتعلمين لا حاجة لديهم للتحفيز.
-يضع بقية المتعلّمين في وضعيات صعبة، تظهر علناً عدم الكفاءة أمام الجمهور، مما يدفعهم للدفاع عن أنفسهم ومحاولة التعويض أحياناً في مجالات أخرى (عدم احترام النظام، الجنوح...).
-ينمّي التركيز على الأنا لدى المتعلّم بدل التركيز على المهمة، مما يولّد لديه تحميل المسؤولية عن التقصير إلى أسباب داخلية وثابتة تولّد القناعة بعدم القدرة وتمنع تجديد المحاولة. إننا ندافع عن تبنّي المعلّم تنمية الدافعية الداخلية لدى المتعلّمين وتعزيزها معنوياً من خلال:
-اختيار نشاطات ذات معنى للمتعلم من أجل زيادة القيمة التي يعطيها للنشاط.
-اعتماد نشاطات تعلّمية أبعد قليلاً من مستوى نضجه من أجل إشعار المتعلّم بالارتياح وعيش لذّة النجاح في التنفيذ وإثبات الفعالية وتكوين صورة إيجابية عن النفس وبناء علاقة إيجابية مع المعرفة وتحقيق الذات(8).
-التركيز على المهمّة ودور الجهد المبذول في النجاح واعتماد التقييم الذاتي والمعياري، ووضع المتعلّم في وضعية تنافس مع نفسه في مساره باتجاه الهدف التعلّمي وليس مع الآخرين.
-اعتماد التعاون وتنمية الإحساس بالانتماء إلى جماعة والابتعاد عن أساليب الضغط والإكراه والعقاب من أجل الشعور بالاستقلالية لدى المتعلّم.

في الختام، نودّ أن نشير إلى أن الدور الهام للمعلّم في تنمية الدافعية للتعلّم لدى المتعلّم لا تكون من دون إعداد تربوي متين وتأهيل متواصل للمعلم.


(1) عواضة، هاشم، 2005، التخطيط في التعليم – التعلّم، دار العلم للملايين، طبعة ثانية، بيروت.
(2) Rieunier A. (2005), Préparer un cours…, ESF. Ed., 2ème Ed. France
(3) Balas – Chanel A. & coll. Apprendre et comprendre … RETZ, Paris
(4)Delannoy C. & Levine J. (2005), La motivation … Hachette, Paris
(5) perraudeau M. (2006), Les Stratégies d’apprentissage… Armand
Colin, Paris
(6) Delannoy C. & Levine J. (2005), La motivation … Hachette, Paris
(7)عواضة، هاشم، 2008، تطوير أداء المعلّم، كفايات التعليم والتأهيل المتواصل والإشراف، بيروت.
(8) Bourgeois E. & Chappelle G. (2006), Apprendre et faire apprendre, P.U.F., France

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع