مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

التعبئة التربوية: 29 عاماً من الجهاد والشهادة

تحقيق: جنان شحادة
عن مسيرة من ذهب... نُقشت بأيادي طلاب مقاومين

يتحدّث شيمون بيريز في كتاب يحمل اسم "الشرق الأوسط" عن أن الصراع مع العرب لا يُحسم في الميادين العسكرية، بل في أروقة الجامعات والمدارس. ومن هنا أعزّائي القراء تبدأ زبدة الكلام. لم يُحسم الصراع مع العدو بسبب المواجهة العسكرية فقط، فقد كان لوجوه أخرى دور أساسي، انطلاقاً من العمل في الإعلام المقاوم، والتثقيف الاجتماعي، وصولاً إلى الأدب والفن المقاوم، ووجوه أخرى تبرز التعبئة التربوية كعنوان مضيء فيها. "التعبئة التربوية" كلمتان تختصران سنوات وسنوات من العمل الشاق والأجر العظيم، كلمات تحمل بين طيّاتها الكثير. سنحاول في هذا التحقيق الإضاءة على بعض الجوانب التي ما زال يجهلها الكثيرون.

*من ألف التعبئة إلى ياء المقاومة
نشأت التعبئة التربوية في شهر حزيران من العام 1985 تحت اسم "التعبئة الطلابية"، بعد أربعة أشهر تقريباً من الرسالة المفتوحة التي أعلنت إطلاق ونشأة حزب الله، وكان المطلوب حينها تكاتف جهود كل القوى لمقاومة الاحتلال.

*من التعبئة الطلابية إلى التعبئة التربوية، جملة من الأهداف
يعتبر مسؤول التعبئة التربوية المركزية في حزب الله الحاج يوسف مرعي أن نشأة التعبئة الطلابية جاءت باكراً مقارنة ببقية الأجهزة داخل حزب الله. ويعيد ذلك لسببين:
الأول: وهو وجود اتحاد يحمل اسم "الاتحاد اللبناني للطلبة المسلمين"، الذي كان يتمتّع بهيكلية خاصة، وكان يعمل ضمن الجامعات والمؤسسات. وعندما توحّدت القوى الإسلامية ونشأ حزب الله، كان هذا الاتحاد جزءاً من هذه القوى، فتمّ

 

تعديل اسمه والأهداف الموضوعة لهذه الحركة الطلابية.

الثاني: هو وجود الاحتلال الذي كان يتطلّب توفّر كلّ الطاقات لمواجهته. والطلاب كانوا من هذه الطاقات.
ويشير الحاج يوسف إلى أنها سميت أولاً بالتعبئة الطلابية بسبب كون الشريحة الأساس التي يتمّ العمل عليها هي الطلاب. والعمل مع المعلمين كان بسيطاً جداً. وبعد أربعة سنوات عدّل الاسم ليصبح "التعبئة التربوية" لأنها توسّعت لتشمل كل الشرائح التربوية بحيث بدأ العمل مع المعلمين وأساتذة الجامعات ومع الموظفين في الحالة التربوية.

*إنجازات وشهداء
وعن الإنجازات التي حققتها حتى يومنا هذا يشير الحاج يوسف مرعي إلى أن التعبئة وُجدت ليكون دورها الأساسي دعم المقاومة ورفدها بالكفاءات العلمية. ويؤكد مرعي أنها أمست جزءاً من حركة إسلامية، قائمة على ركيزة من ثلاثة أعمدة أساسية وهي الإيمان والمقاومة والعلم والتربية.
ويشرح الأعمدة الثلاثة مبتدئاً بالجزء المتعلق بالمقاومة "ساهمت التعبئة ببثّ ثقافة المقاومة من خلال هذه الشريحة الواسعة في الساحة، وترسيخ هذه الثقافة وخلق رأي عام مؤيّد للمقاومة، وأيضاً من خلال المشاركة المباشرة بالمقاومة، فالتعبئة تفتخر بأن لها ما لا يقل عن ثلاثمئة شهيد، خمسة وثمانون استشهدوا في عدوان تموز، ومن ضمنهم خمسة وثلاثون شهيداً من طلاب الجامعات".

وفيما يخص الجانب الثاني المتعلق بالإيمان، فقد لعبت التعبئة دوراً أساسياً في بثّ الإيمان ونشر الإسلام في المؤسسات، حيث يلخص الحاج يوسف مرعي الفكرة بالقول: "لا يمكن العمل على صناعة شخص مقاوم إذا لم يكن مؤمناً".
وفي الجزء الثالث المختص بالمجال التربوي، فقد ركزت التعبئة على خدمة المجتمع من خلال العمل على تأمين الأقساط والمساعدة في الحسومات والكتب.

*هموم الوطن داخل قلب التعبئة
لطالما حملت التعبئة التربوية هموم وآلام الوطن، وضمّدت جراح أبنائه وطلابه، ما جعلها مرجعاً أساسياً للطلاب، ومكّنها من أن تحصد عدداً كبيراً من المجالس الطلابية في البقاع والجنوب والضاحية الجنوبية، ما أثبت حضورها القوي والأساسي والفعّال بين الطلاب وتمثيلها لهذا الجزء الكبير منهم.

*خدمة المستضعفين أولاً
حددت التعبئة التربوية أولوياتها منذ بدأ عملها، حيث عملت على تأمين فرص التعليم اللائقة للتلاميذ المستضعفين، تعزيز الوعي والثقافة عند الناس والعمل على ترسيخ القيم واستقطاب الناس إلى الحالة التي تنتمي إليها.
ويبدأ الحاج أسامة نصر الدين (مسؤول التعبئة التربوية في بيروت) حديثه عن الاهتمام الذي أولته التعبئة التربوية لقضايا الجامعة اللبنانية والمدارس الرسمية كونها الخيار الوحيد الذي يمتلكه الشعب المستضعف.

 

وتُعنى دائرة التعبئة التربوية بشؤون الجامعات والمدارس والمهنيات، أي أمور الطلاب في جميع المراحل والمعلمين وأساتذة الجامعات.
وحول النشاطات العلمية في المدارس يشرح نصر الدين قائلاً: "نقوم بلقاءات توجيه بالتنسيق مع المركز الإسلامي للتوجيه العالي، ولدينا أيضاً دورات لدعم الطلاب المتقدمين للامتحانات الرسمية، كما قمنا هذا العام بأول تجربة لها علاقة بموضوع الإملاء باللّغات الثلاث للصف السابع متوسط، والهدف من هذا المشروع هو الاهتمام باللّغات". إضافة إلى ما ذُكر قدّمت التعبئة خدمات علمية أخرى، كإنشاء حلقة وصل بين التلاميذ والأهل وبين الأساتذة.

*خدمات في الجامعات والمهنيات
وقد حاولت التعبئة التربوية أن تبذل ما بوسعها لتقدم الدعم اللازم الذي يحتاجه الطلاب الذين أنهوا دراستهم الثانوية ويستعدون للالتحاق بالجامعة. ويذكر الحاج أسامة نصر الدين بعضاً من هذه الخدمات "تقيم التعبئة دورات تقوية لامتحانات الدخول إلى كليات الطب العام، طب الأسنان، الصيدلة، الصحة، التربية، الإعلام، الهندسة، الفنون، إدارة الأعمال والزراعة". وتنظم التعبئة أيضاً دورات دعم خلال السنوات الدراسية لبعض المواد التي يعاني الطلاب من مشاكل فيها، وكذلك الحال في المهنيات.

*إحياء للمناسبات الدينية والوطنية
طوال السنوات الماضية سعت التعبئة لإقامة أنشطة في المناسبات الوطنية والمقاومة (يوم الشهيد، 25 أيار، ذكرى انتصار تموز، ذكرى الشهداء القادة) والمناسبات الدينية، حيث يشرح نصر الدين قائلاً: "تختلف طريقة الإحياء للمناسبات الوطنية والدينية من جهة لجهة أخرى، ففي المرحلة الابتدائية تُحيى المناسبة بطرق ترفيهية (زيارة إلى مدينة الملاهي، توزيع بوسترات، بالونات..). أما في الجامعات فنقوم بتنظيم الندوات والمعارض، إضافة إلى تنظيم رحلات في بعض المناسبات، والتركيز على جانب التوعية للقيم عند الإخوة والأخوات، بدون نسيان مسألة تنظيم رحلات ذات طابع ديني وهادف كزيارة المقامات، أماكن المقاومة".

*صيف زاخر بالعمل
وحول البرامج التي تقدمها التعبئة اللتربوية للشباب في فصل الصيف سنوياً يفصل الحاج أسامة نصر الدين هذه البرامج ومحتوياتها قائلاً: "نعمل على تنظيم رحلات للإخوة والأخوات بالإضافة إلى دورات ثقافية ودورات قصيرة، وأنشطة ذات طابع حياتي تتعلّق بثقافة الحياة والبيئة وتهدف إلى تحصين قيم المجتمع وزيادة الوعي. كما هناك مجموعة من المشاريع غير الثقافية، كالدينية والسياسية.

وأكثر النشاطات التي أخذت صيتاً في مختلف الكليات هي المسابقات الثقافية كمسابقة الشهيد مرتضى مطهري قدس سره والتي كان لها صدى في الجامعات والتي عملت التعبئة على تطويرها وأصبحت تحمل اسم "مسابقة الفكر الإسلامي الأصيل".
كما عملت التعبئة بأنشطتها وخدماتها التي تقدمها على تنمية قيمة التطوّع والمشاركة عند الشباب الذين يشكّلون عصب هذا المجتمع المقاوم.

*تعزيز مستوى الأساتذة شرط ضروري
ولطالما اتخذت التعبئة التربوية من تعزيز المستوى التعليمي في مختلف المناطق الإسلامية هدفاً لها. ومن هذا المنطلق يتحدث مسؤول تجمّع المعلمين التابع للتعبئة التربوية الحاج يوسف زلغوط عن أن المدخل الأساسي لتعزيز المستوى التعليمي هو الأستاذ، "ومن هذا المنطلق كان الاهتمام بالأستاذ وبالمعلم لرفع المستوى والكفاءات الأكاديمية ومهاراته التعليمية والكفايات التربوية التي اهتمت بها التعبئة التربوية من خلال إقامة دورات تخصّصية ودورات عامة".
كما سعت التعبئة في دوراتها إلى تدريب الأساتذة على الوسائل التكنولوجيا الحديثة لتنتج أساتذة متطورين يواكبون كل جديد في العصر.

*تجمّع المعلمين في لبنان
مختلف الأنشطة والدورات التي يخضع لها الأساتذة تجري تحت اسم "تجمّع المعلمين" وهو جمعية مرخصة ينضوي تحت لوائها ستة آلاف معلم من مختلف المناطق اللبنانية، وهو يقع تحت إشراف التعبئة التربوية، وينتشر في كافة الأراضي اللبنانية (البقاع، الشمال، الضاحية، بيروت، الجنوب)، حيث تقوم كل منطقة بتطبيق هذه البرامج ودورات الدعم ودورات رفع المستوى الأكاديمي ومستوى الكفايات والمهارات التعليمية عند المعلم.

كما يقيم التجمّع دورات دعم للأساتذة المتقدمين لمجلس الخدمة المدنية لتعزيز مستواهم ورفع كفاءاتهم حتى يتاح لهم فرص نجاح بشكل أفضل. ويؤكد زلغوط أن ردود فعل المعلمين إيجابية جداً، "حيث يشيرون إلى عدم وجود أي جهة تربوية تقوم بدور مماثل لما يقوم به تجمّع المعلمين".

*إنجازات حصرية للتجمّع
يبرز تجمّع المعلمين وحيداً في الساحة اللبنانية كتجمّع يضم ستة آلاف معلم في جميع الفروع الأكاديمية والمهنية والمناطق اللبنانية. وهذا وحده يعدّ إنجازاً كبيراً ومهماً للتعبئة التربوية، واهتمامه بالثقافة الدينية والثقافة المعاصرة هي علامة فارقة أيضاً.

*بلسان شباب التعبئة
إذاً، هذه المنظمة الشبابية التربوية تعمل على تحصين الساحة التربوية والشبابية. لم نرغب في أن نتكلم عن التعبئة بلسان قادتها والعاملين فيها فقط، فتوجّهنا إلى شبابها المتطوعين فيها، إلى من عمل وسعى ليزهر مستقبل الوطن والأمة.

* علي محمد: توفيق إلهي
علي حسن محمد، طالب سنة أولى ماجستير في كلية إدارة الأعمال في الجامعة اللبنانية، يتحدث عن توفيق إلهي دفعه ليكون واحداً من الأفراد التعبويين الذين عملوا في لجان التعبئة التربوية في الكلية، حيث يقول: "كان لي كل الشرف بذلك، حيث ساهمت تجربتي هذه بالتأثير في شخصيتي من خلال تنمية روح التعاون والتضحية والإخلاص لدي، والبذل والإيثار عندي من أجل تجسيد الشعار الذي رفعه سيد شهداء المقاومة الإسلامية السيد عباس الموسوي (رض) "سنخدمكم بأشفار عيوننا" فعلاً لا قولاً، بالإضافة إلى تنمية حسّ المسؤولية لدي اتجاه هذا النهج والخط المبارك الذي عمّدته دماء الشهداء الزاكية".

* لارا بشير: تغيّر مفهوم الجهاد لدي
طالبتنا هذه أنهت دراستها الجامعية، لكنها لم تنه علاقتها مع التعبئة التي امتدت سنوات طوالاً. تتحدث لارا بشغف معنا عندما طرحنا عليها هذا السؤال، فتجيب: "العمل مع التعبئة التربوية غيّر لي المفهوم الذي كان لدي عن الجهاد الحقيقي، فبعد تجربتي تيقّنت أن الجهاد العسكري يجب أن يكون مدعماً بجهاد ثقافي لبناء مجتمع مقاوم وبيئة حاضنة لخط حزب الله".

"التعبئة التربوية" عبارة تجمع الكثير من المعاني التي يصعب جمعها في سطور محدّدة، يكفي أن نقول إنها تحوي معاناة وتضحيات جسام لطلاب جامعين اختاروا من المقاومة نهجاً ومن العلم نوراً.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع