مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

تربية: المعلِّم الجديد والمقومات العلمية

د. حسن سلهب(*)


يدخل المعلم إلى مسرح التعليم وفي جعبته شهادة علميه تخوِّله من حيث المبدأ السير بصفه في اتجاه تحقيق الأهداف العلمية المقررة، لكن من دون أية خلفية عن مكونات هذه الأهداف، وبالتالي، دورها في قيام الهدف وتحققه عند التلميذ، بل دون أية خلفية عن وزن هذا المكوِّن لجهة الاستعداد الذهني للتلميذ وتجربته العلمية. فالمتوافر لدى المعلم هو المادة العلمية، بعيداً عن مكانها ودورها وعلاقاتها في ذهن التلميذ. وبشكل إجمالي، فإن المعرفة التي يمتلكها المعلم لحظة دخوله التعليم، تتسم بالعمومية وتشكل مادة أولية في عملية التعليم ليس أكثر. وفي أي حال، فإن المعلم يسعى دائماً للحفاظ على معارفه التي تتلاشى مع مرور الوقت وبتأثير النسيان. ولا بد له من تطوير هذه المعارف وتحديثها وتوسيع مجالاتها. ومن غير المناسب أن يخضع المعلم كلياً لمعارفه السابقة أو للمعارف التي يعرضها مؤلفو الكتب وتتحكم فيها دور النشر أو تجارة الكتب.

* من المعارف إلى القدرات‏
ثم إن اكتساب المعلم لمعارفه العلمية، يحتاج في غالب الأحيان إلى إعادة استيعاب وتأمل، تمكنه من إنجاز إحاطة واسعة يستطيع معها تسليط الضوء على أدق التفاصيل. وبعبارة أخرى، يجري إدخال معارفه السابقة في حيوية ذهنية ينتج عنها تفاعل جديد، بل ومشاعر جديدة، سوف يكون لها الأثر الملحوظ في عرض تلك المعارف وقيادة التلامذة نحوها.

والمعلم بحاجة لا سيما في الصفوف العليا إلى نوعٍ من التأصيل، وربما التوثيق، لمعظم معارفه ومعلوماته السابقة، وذلك بغية تحسين نوعية هذه المعارف والمعلومات. وإن أدنى مقارنة بين معارف مجهولة الأصول، وأخرى معروضة في مصادرها وأصولها، تكشف الفارق الكبير بين هذين النوعين من المعارف. لقد انتهى الزمن الذي يتبنى فيه المعلم أرقاماً أو معلوماتٍ لا يعرف شيئاً عن مصدرها، بل لا يعرف مصدرها مطلقاً. والقضية ليست في مستوى إحاطة المعلم بالمادة أو استيعابه لها فحسب، إنما في قدرته على تقييمها والإنتاج فيها. فمعلم اللغة على سبيل المثال لا تكفيه قدرته على قراءة النص بلفظ صحيح وفهم كافٍ، بل يجب التدقيق فيما إذا كان قادراً على تقييم نصه هذا، من حيث الشكل والمضمون، وبالتالي إمكانية إنتاجه لنص جديد ضمن الشروط المطلوبة. ومعلم الرياضيات لا يكتفي بقدرته على معالجة المسائل بطريقة صحيحة، بل لا بد له من امتلاك قدرة على تقييم المسائل المعروضة، وبالتالي إعداد مسائل جديدة ضمن الشروط المحددة. ولا يمكن لمعلم العلوم أن يكون ناطقاً رسمياً لروَّاد المختبرات العلمية فحسب، بل لا بد له من إنجاز تجاربه العلمية الخاصة، وأن يكون له مختبره العلمي الذي يتناسب مع دوره، ويمكِّنه من تقديم إضافة علمية ذاتية في مجال الملاحظة والتحليل والتعليل والمقارنة وغير ذلك. ومتى اقتصر معلم العلوم الإنسانية على استيعاب الأفكار والأرقام، دون تحليل أو تعليل، أو نقدٍ وتقييم، فإنه يذهب بنفسه إلى دور لن يتجاوز وظيفة الحاسوب في أحسن الأحوال. هذا الكلام يؤدي بنا إلى الانتقال بالمعلم من مرحلة المعارف إلى مرحلة القدرات، دون التقليل من ضرورة المعارف كحد أدنى لا بد منه، وهذا ما يؤكد المنحى الشخصي الذي طرحناه في موضوع "مواصفات المعلمين".

* الحيوية الذهنية
كذلك، فإن اللغة التي يتوسلها المعلم في عرض المعارف تحتاج إلى عمليه تنقية وإغناء تتصل بالجدارة العلمية للمعلم. فالقدرة على عرض المعارف بلغة علمية لا تقل علماً عن امتلاك المعارف نفسها. والوعاء يحدد الكثير من شكل المادة التي يقدِّمها. ولا يصح تقديم الرياضيات والعلوم وسائر العلوم الانسانية بلغة ركيكة أو مشوَّهة.

وليس من المبالغة القول بأن توهج الحيوية الذهنية باستمرار عند المعلم شرط أساسي في استمرار جدارته العلمية، وبالتالي قدرته على لعب دور علمي متين في تجربته التعليمية. وعندما نقول دوراً علمياً، فإننا نعني بذلك كلَّ أنشطته وإجراءاته وقراراته في المادة وفي مستوى التلميذ. وإن أخطر ما قد يصيب المعلمين القدامى هو تدني حيويتهم الذهنية مع مرور الوقت، حتى لكأننا أمام معلمين قد خضعوا لعملية تجويف منتظمة طيلة فترة التزامهم بالتعليم. وغني عن القول إن العلم هو المضمون، ومتى ضعف هذا المضمون أو نضب نتيجة ركوده، فإن العملية التعليمية الفاعلة تفقد بريقها ووجودها معاً.

هل يعني ذلك أننا في صدد معلمين علماء وباحثين، وأن الشهادات العلمية التي يحملها المعلم تسمح بدخوله إلى ميدان التربية من دون أن تخوِّله وحدها الاستمرار فيه؟ نقول نعم، لأن تنوع العلوم المطلوبة، وحالة التجدُّد الدائم التي تطال قسماً ملحوظاً منها، يجعل المعلم أمام تحديات عديدة، لن يتمكن من مواجهتها إلا بعقل حيوي ومضمون علمي حديث ومعاصر.
 


(*) مدير الاعداد والاشراف في مدارس الإمداد.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع