يمكن اكتشاف قيمة الأشياء أو الأشخاص بطرق عدَّة، منها:
الحكم عليهم بالأهميَّة والقيمة، من خلال مصدر موثوق، أو من خلال معرفة أهميَّة ما
تحمله هذه الأشياء أو هؤلاء الأشخاص من أمر قيِّم، أو من خلال شباهة الدور الذي
يؤدونه بالدور الذي يؤدِّيه من لا يُشَك في قيمته وأهميَّته. ولتوضيح هذه الإشارات
نذكر بعض الأمثلة التوضيحيَّة. فعندما يحدِّثنا الله أو أحد المعصومين عن قيمة شيء
من الأشياء، أو شخص من الناس لا يبقى لدينا شك في قيمته.
* المعلِّم في القرآن الكريم
ووفق القاعدة المذكورة أعلاه سوف نحاول اكتشاف منزلة المعلِّم ومقامه في القرآن
الكريم، من خلال النظر في قيمة المضمون الذي يحمله المعلِّم وهو العلم، أو من خلال
اكتشاف وجه الشبه بين دور المعلِّم والخدمة التي يقدِّمها وبين الدور الذي يقوم به
الله ورسله، ومن خلال التصريح المباشر حول قيمة المعلِّم في الكتاب أو السنة
الشريفة. عندما نتأمَّل في ثنايا آيات الله سبحانه لمعرفة قيمة المعلِّم وعلوِّ
منزلته، يمكننا القول إنَّ صفة العلم لعلها من أهمِّ الصفات التي يمكن أن يتحلَّى
بها موجود من الموجودات ماديّاً كان، أم غير مادي. وعندما يكون العلم صفة قيِّمة
يكون حامل العلم ذا قيمة عالية؛ بالنظر إلى ما يحمل من أمر قيِّم.
* قيمة العلم في القرآن الكريم
إذا تتبّعنا ما وصف الله تعالى نفسه به في القرآن الكريم، نجد أنَّ من أهمِّ الصفات
التي وصف نفسه بها هي صفة العلم. وهذه بعض النماذج:
﴿أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ
سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللهَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ﴾(التوبة:
78).
﴿قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ
عَلاَّمُ الْغُيُوبِ﴾(سبأ:
48). إذاً، في هذه الآيات يثني الله على نفسه بوصفه ذاته بالعلم، ونكتشف منه
أنَّ صفة العلم من الصفات الحسنة التي تؤدِّي إلى ارتفاع قيمة من يحملها وعلوّ
مقامه؛ لأنَّ الله سبحانه لا يصف نفسه إلا بما هو حسن. ومن هنا، فإن قيمة العلم
وأهميته تنتقل إلى حامله والمتسلح به، وهو المعلِّم.
أ ذمُّ الجهل والجاهلين:
وفي مقابل مدح العلم وحامليه، نجد أنَّ الله يُعيِّر بعض الناس بجهلهم ويذمُّهم
لأجل هذا الجهل، فيقول في كتابه:
﴿إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ
يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاء رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الْخَوَالِفِ
وَطَبَعَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ﴾(التوبة:
93). والآيات التي تذمُّ الذين لا يعلمون كثيرة في القرآن الكريم لا داعي
لاستعراضها جميعاً.
ب مدح العلماء وحاملي العلم:
ولم يكتفِ الله بالحديث عن صفة العلم في حدِّ نفسها، وإنَّما حدَّثنا عن قيمة
العلماء وبيان فضلهم؛ حيث حصر بهم وحدهم الخشية منه تعالى: في قوله:
﴿... وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ
وَالأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ
عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ﴾(فاطر:
28). وفي محلٍّ آخر يترك الله الحكم إلى ذوي العقول ليقضوا هم بفطرتهم
ووجدانهم، بأنَّ العالم وحامل العلم أفضل من غيرهما، وكأنَّه يقول لنا إنَّ هذا
الأمر - لوضوحه - متروكٌ لعقولكم حتَّى تحكموا أنتم بأنَّ من يحمل العلم لا شك في
فضله وعلوِّ مقامه، وذلك في الآية الشريفة:
﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ
يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ﴾(الزمر:
9).
* تشبُّه المعلِّم بالعظماء
وبالعودة إلى القرآن الكريم يتبيَّن لنا أنَّ التعليم يُنسب إلى أفضل الموجودات وهو
الله سبحانه وتعالى، ومن بعده إلى أفضل مخلوقاته وهم الأنبياء عليهم السلام.|
أ- التعليم من قبل الله تعالى:
في القرآن الكريم آيات عدَّة تنسب التعليم إلى الله سبحانه، ومنها:
﴿... وَاتَّقُواْ اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ
اللهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾(البقرة:
282).
﴿وَآتَاهُ اللهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ
وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء﴾(البقرة:
251). إذاً، في هذه الآيات، يخبر الله عن نفسه بأنَّه يعلم الإنسان ويفيض
عليه من علمه.
ب التعليم من قبل الأنبياء:
كما يَنسب الله مهمَّة التعليم إلى نفسه، ينسبها كذلك إلى رسله الذين بعثهم إلى
العباد. وقد ذكر الله تعالى التعليم واحداً من الأدوار التي يقوم بها الأنبياء
عليهم السلام، وقرَنَه بالتزكية، ما يكشف عن الربط بين الأمرين بشكل وثيق. ومن
الآيات التي تشير إلى هذا الدور للأنبياء:
﴿كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً
مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ
وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ﴾(البقرة:
151).
﴿لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ
إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ
وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ
لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ﴾(آل
عمران: 164). هذه الآيات تشير إلى واحدة من المهام التي يقوم بها الأنبياء،
وهي مهمَّة التعليم والتزكية، وفي ذكرها غنى عن استعراض غيرها. من خلال ما تقدم،
يمكننا القول إنَّ المهمَّة التي يقوم بها المعلِّم تشبه فعلاً من أفعال الله تعالى،
والدور الذي يؤديه يشبه الدور الذي أُرسِل الأنبياء لأدائه والقيام به بين الناس.
* المعلِّم في السنَّة النبوية الشريفة
في السنَّة الشريفة الكثير من الأحاديث التي تهتف بصوت عال بالإخبار عن مقام هذا
الإنسان وعلوّ منزلته بين سائر بني البشر. ففي فضل العلم، يكفي أن نشير إلى أنَّ
الأحاديث الشريفة جعلت طلب العلم فريضة، ودعت إلى السعي في سبيله ولو كان في الصين،
وأنَّ الملائكة تضع أجنحتها تحت أقدام الساعي في طلب العلم تكريماً له. إلى غير ذلك
مما ورد وهو كثير.
* فضل المعلِّم في السنَّة
ونختم مقالتنا بالإشارة إلى بعض الأحاديث الواردة في فضل المعلِّم بشكل مباشر
لنلاحظ أنَّ عمل المعلِّم من بين أعظم الأعمال التي يمكن أن يؤدِّيها إنسان على وجه
الأرض: عن النبي صلى الله عليه وآله: "يقول الله عزَّ وجلَّ يوم القيامة للعلماء:
إني لم أجعل علمي وحكمي فيكم، إلا وأنا أريد أن أغفر لكم على ما كان منكم ولا أبالي"(1).
وعنه صلى الله عليه وآله: "إذا قال المعلم للصبي: قل: بسم الله الرحمن الرحيم، فقال
الصبي: بسم الله الرحمن الرحيم، كتب الله براءة للصبي وبراءة لأبويه وبراءة للمعلم"(2).
وعن الإمام الباقر عليه السلام: "العالم كمن معه شمعة تضيء للناس، فكلّ من أبصر
بشمعته دعا له بخير، كذلك العالم معه شمعته يزيل بها ظلمة الجهل والحيرة، فكل من
أضاءت له فخرج بها من حيرة أو نجا بها من جهل، فهو من عتقائه من النار، والله تعالى
يعوِّضه عن ذلك بكلِّ شعرة لمن أعتقه ما هو أفضل له من الصدقة بمائة ألف قنطار، على
غير الوجه الذي أمر الله عزَّ وجلَّ به..."(3) (*).
1- الشهيد الأول، منية المريد، دار الكتاب الإسلامي، بيروت، لا.ت، ص25.
2- وسائل الشيعة، ج6، ص169.
3- منية المريد، مصدر سابق، ص33.
(*) للمزيد من الاطلاع والتوسع يمكن الرجوع إلى المصادر التالية:
1 - الوحي والنبوة للشهيد مطهري.
2 - في رحاب القرآن للشيخ الآصفي.
3 - روح الدين الإسلامي لعفيف عبد الفتاح طبارة.
4 - بحار الأنوار، العلامة المجلسي.
5 - تفسير الميزان، العلامة الطباطبائي.