الإمام الصادق عليه السلام والمفضل
* حال من لا ينبت في وجهه الشعر وعلة ذلك
ولو لم يخرج الشعر في وجهه في وقته ألم يكن سيبقى في هيئة الصبيان والنساء، فلا ترى له جلالة ولا وقاراً؟
قال المفضل فقلت له: يا مولاي فقد رأيت من يبقى على حالته ولا ينبت الشعر في وجهه وإن بلغ الكبر، فقال عليه السلام: ﴿ذلك بما قدّمت أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد﴾ فمن هذا الذي يرصده حتى يوافيه بكل شيء من هذه المآرب إلا الذي أنشأه خلقاً، بعد أن لم يكن، ثم توكل له بمصلحته بعد أن كان، فإن كان الإهمال يأتي بمثل هذا التدبير، فقد يجب أن يكون العمد والتقدير يأتيان بالخطأ والمحال، لأنهما ضد الإهمال وهذا فظيع من القول وجهل من قائله. لأن الإهمال لا يأتي بالصواب، والتضاد لا يأتي بالنظام تعالى الله عما يقول الملحدون علواً كبيراً.
* أعضاء البدن وفوائد كل منها
فكر يا مفضل في أعضاء البدن أجمع، وتدبير كل منها للأرب فاليدان للعلاج، والرجلان للسعي، والعينان للاهتداء، والفم للاغتذاء والمعدة للهضم، والكبد للتخليص... وكذلك جميع الأعضاء، إذا ما تأملتها وأعملت فكرك فيها ونظرك، وجدت كل شيء منها قد قدر لشيء على صواب وحكمة.
قال المفضل فقلت: يا مولاي إن قوماً يزعمون أن هذا من فعل الطبيعة، فقال عليه السلام: سلهم عن هذه الطبيعة أهي شيء له علم وقدرة على مثل هذه الأفعال، أم ليست كذلك؟؟ فإن أوجبوا لها العلم والقدرة فما يمنعهم من إثبات الخالق، فإن هذه صنعته!!، وإن زعموا أنها تفعل هذه الأفعال بغير علم ولا عمد، وكان في أفعالها ما قد تراه من الصواب والحكمة، علم أن هذا الفعل للخالق الحكيم، فإن الذي سموه طبيعة هو سنته في خلقه، الجارية على ما أجراها عليه.
* الشعر والأظفار وفائدة قصهما
تأمل واعتبر بحسن التدبير في حلق الشعر والأظفار، فإنهما لما كانا مما يطول ويكثر، حتى يحتاج إلى تخفيفه أولاً فأولاً، جعلا عديما الحس، لئلا يؤلم الإنسان الأخذ منهما. ولو كان قص الشعر وتقليم الأظفار مما يوجد له ألم، وقع من ذلك بين مكروهين، إما أن يدع كل واحد منهما حتى يطول فيثقل عليه، وأما أن يخففه بوجع وألم يتألم منه.
قال المفضل فقلت: فلم لم يجعل ذلك خلقه لا تزيد فيحتاج الإنسان إلى النقصان منه، فقال عليه السلام: إن لله تبارك اسمه في ذلك على العبد نعماً لا يعرفها، فيحمده عليها... أعلم أن آلام البدن وأدواءه تخرج بخروج الشعر في مسامه وبخروج الأظفار من أناملها، ولذلك أمر الإنسان بالنورة، وحلق الرأس، وقص الأظفار، في كل أسبوع ليسرع الشعر والأظفار في النبات، فتخرج الآلام والأدواء بخروجهما... وإذا طالا تحيرا، وقل خروجهما، فاحتبست الآلام والأدواء في البدن فأحدثت عللاً وأوجاعاً، ومنع - مع ذلك - الشعر من المواضع التي تضر بالإنسان، وتحدث عليه الفساد والضر لو نبت الشعر في العين، ألم يكن سيعمي البصر؟ ولو نبت في الفم، ألم يكن سينغص على الإنسان طعامه وشرابه؟ ولو نبت في باطن الكف، ألم يكن سيعوقه عن صحة اللمس وبعض الأعمال؟... فانظر كيف تنكب الشعر عن هذه المواضع، لما في ذلك من المصلحة، ثم ليس هذا في الإنسان فقط، بل تجده في البهائم والسباع وسائر المتناسلات، فإنك ترى أجسامها مجللة بالشعر وترى هذه المواضع خالية منه لهذا السبب بعينه.. فتأمل الخلقة كيف تتحرز وجوه الخطأ والمضرة، وتأتي بالصواب والمنفعة.