مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

بيوتٌ أُسِّست على التقوى

إبراهيم منصور


المسجد الحرام
هو ذلك البيت العظيم الذي أُسِّسَ على التقوى من أوّل يوم أُنشئ فيه، والذي جعله الله مثابةً للناس وأمناً، وطهّره للطائفين والرّكّع السجود. وهو الذي كان، ولا يزال، مهوى قلوب المؤمنين، وملتقى الشعوب الإسلامية على اختلاف مشاربها وألسنتها، ومنارةً للهدى والرَّشاد. يقع المسجد الحرام في مكّة، وهي إحدى مدن شبه الجزيرة العربية، وترتفع عن سطح البحر بنحو 330 متراً. يقول تعالى في مُحكَم تنزيله: ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ(آل عمران: 96).

وتقعُ الكعبة الشريفة في وسط المسجد الحرام، تقريباً. ويُجمع المسلمون على أنّ بانيَ الكعبة هو إبراهيم الخليل عليه السلام بأمر من ربّه، إذ قال عزّ وجلّ: ﴿وَإِذْ بَوَّأْنَا(1) لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ(الحج: 26). وفيها ولد أمير المؤمنين عليه السلام، وهي قبلة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها. ولحكمة جليلة أرادها الله أَذِنَ لإبراهيم عليه السلام بأن ينقل زوجَه هاجرَ وابنه إسماعيل عليه السلام إلى وادي مكّة -وكان مجدباً لا زرع فيه ولا ثمر- وألقى الله في نفسِ نبيّه سَكينةً وطمأنينة، بأنه، سبحانه، سيرزقهما من أيسر سبيل، وإذ بالصخر الأصمّ يجود بمائه العذب الفُرات، فيتَّخذ سبيلَه بين قدمَيْ إسماعيل عليه السلام. فكانت بئر زمزم، وكان الحرمُ الآمن الذي تهوي إليه الأفئدة. وقُبَيْلَ البعثة النبويّة، حينما كان محمّد صلى الله عليه وآله في الخامسة والثلاثين من عمره الشريف، أصاب الكعبة سيلٌ جارِف صدَّعَ جدرانَها وأوهنَ بُنيانَها، فتداعت قُريش لإعادةِ بنائها، وراح الناس يحملون الحجارة على أعناقهم. ولمّا تمَّ البناءُ ثمانيَ عشرةَ ذراعاً، إذ زِيدَ على الأصل تِسْعُ أذرُع، ورُفع الباب عن الأرض، أرادوا وضع الحجر الأسود -وهو ياقوتةٌ من يواقيتِ الجنّة- فاختلفوا فيه، من يضعُه؟ ثمَّ حكّموا الصادق الأمين محمّداً صلى الله عليه وآله، فبسط لهم رداءَه، وأمرَ أُمراءَ مكّة أن يأخذ كلٌّ بناحيةٍ من الرداء، ثمَّ وَضَعَ الحجرَ في وسطه، وأمرَهم برفعه جَمْعَةً، ففعلوا، ثمَّ حملَه بنفسه ووضعه مَوْضعَه، وائداً بذلك فتنةً كادت تعصفُ برؤوس قريش!. وفي عهد الرسول صلى الله عليه وآله لم يكن للمسجد الحرام جدران تُحيط به، وإنَّما كانت دُور قريش مُحيطةً به من كلّ جانب.

وكان بين الدُّورِ ممرَّاتٌ يُسْلَكُ منها إلى الحَرَم. أمَّا في صدر الإسلام فقد اشتريت الدور وتمَّت توسعة المسجد وسُقِفَتْ أَرْوِقتُه عام 26هـ. ثمّ توالت عمليّات البناء والتوسعة والزخرفة، خلال العهود المتلاحقة حتى بلغت مساحةُ المسجد الحرام -اليوم، بطابقيه- 160861 متراً مربّعاً.

المسجد النبويّ الشريف

تحتضنُ المدينة المنوّرة، فوق أرضها الطيّبة، قبرَ سيِّد الخَلْق محمَّدٍ صلى الله عليه وآله، وأطهر المساجد بعد المسجد الحرام، وهو المسجد النبوّي الشريف. يقع هذا المسجدُ من المدينة، موقع القلب من الجسد، ويرتفع عن سطح البحر حوالي 600م. هو ثاني مسجد بناه الرسول صلى الله عليه وآله في السنة الأولى من الهجرة(2). لقد كانت أرض المسجد، عند مقدِم النبيّ من قباء إلى المدينة، مِرْبداً(3) لغلاميْن يتيمَين اسمُهما "سُهيلٌ وسَهْل". ولمَّا نزل واحة المدينة هبَّ كلٌّ من الصحابة يريدُ الأخذ بزمامِ ناقته (القصواء)، ليكون ضيفه ونزيله. ولكنَّ الرسول صلى الله عليه وآله كان يقول لهم: "خلُّوا سبيلها، فإنَّها مأمورة".

ولمَّا بركَتْ عند موضع مسجده، قال صلى الله عليه وآله: "هنا المنزل، إنْ شاء الله تعالى". ثمَّ همَّ بالبناء ليكون مسجداً يُصلَّى فيه لله. خطّط الرسول صلى الله عليه وآله أرض هذا المسجد الشريف، فجعل طوله خمسين متراً، وعرضَه تسعةً وأربعين متراً، فهو شبه مربَّع، وجعل القِبلة، بَدْءاً، بيتَ المقدِس، وحفر أساسه، وسقفه بالجريد جاعلاً عُمُده جُذوعَ النخل، وجعل له أبواباً ثلاثة: باباً في مؤخّرة المسجد، يُقال له "باب الرحمة"، وبابَ النساء، وبابَ جبريل عليه السلام، وهو الذي كان يدخل منه الرسول صلى الله عليه وآله. كما جعل في مؤخّرة المسجد، مكاناً مظلَّلاً يُعرَفُ بالصفَّة، وهو المكان الذي كان يأوي إليه الغرباء والمساكين. وفي السنة الثانية للهجرة أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وآله أن يولّيَ وجهه الكريم شطر المسجد الحرام بمكّة المكرّمة، بعد أن كانت القِبلة، أوّل الأمر، تجاه بيت المقدس. في السنة السابعة للهجرة، بعد غزوة خيبر المظفَّرة، قام النبيُّ بتوسيع المسجد. ثمَّ أُدخلت على المسجد، عبر العصور، إضافات كثيرة مثل المآذن والمحراب، وأُدخل فيه الرّخام والمرمر، واستمرَّت التوسعة والتوشية حتى بلغت مساحة المسجد النبوي، عام (1373هـ-1955م) 160366م2.

ولا بُدَّ من كلمة عن أساطين هذا المسجد، أو أعمدته المشهورة والموجودة في الروضة الشريفة. من هذه الأساطين: الأسطوانة المخلّقة (المعطّرة): وهي التي صلّى إليها النبيّ صلى الله عليه وآله بعد تحوُّل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة المشرّفة. أسطوانة الحرس: وهي أسطوانة أمير المؤمنين علي عليه السلام، إذ كان يصلّي عندها، ويُقابل وفود العرب القادمين إليه. أسطوانة التهجُّد: وتقع وراء بيت السيِّدة فاطمة عليها السلام، وعندها محراب صغير كانت تتهجَّد فيه الزهراء عليها السلام.


المسجد الأقصى
هو اسمٌ لجميع ما دار عليه السّور، ويشتمل على المسجد الذي في صدره، وقبَّة الصخرة. والمتعارف عليه بين الناس أنّ المسجد الأقصى هو الجامع الذي في صدر الحرم القُدسي. يُروى عن الصحابي الكبير أبي ذرّ رضي الله عنه أنّه قال: قلت: يا رسول الله، أيُّ مسجد وُضعَ في الأرض أوّلاً؟ قال: المسجد الحرام. قلتُ: ثمّ أيّ؟ قال: المسجد الأقصى. قلت: كم كان بينهما؟ قال: أربعون سنة. والمسجد الأقصى هو دُرَّةُ بيت المقدس. وفي التعريف اللغوي: بيت المقدس هو البيت المنزّه أو المطهّر، وقيل: إنّه الأرض المباركة. لمحة تاريخية: لقد سكنت القبائل العربية بيت المقدس منذ عهد بعيد، فقد استوطنها العموريّون والآراميون والكنعانيون، وكان اسمُها، آنذاك، "يبوس" نسبةً إلى اليبّوسيين، وهم من بطون العرب الكنعانيين. لذلك تُسمّى فلسطين: "أرض كنعان". ثمّ أُطلق عليها، بعد ذلك، اسم "يورساليم" الذي تطوّر إلى "أورشاليم". أمّا في التاريخ الحديث فكثُرت الهجرة اليهودية إلى فلسطين، وغادر الإنكليز القدس عام 1948 بعد أن سلّموها لليهود بحسب "وعد بلفور" (1917). وفي عام 1967 سقط القطاع العربي للقدس بيد اليهود، بما فيه المسجد الأقصى. بعد ذلك بسنتين حدث في المسجد حريق كبير على يد مستوطن يهودي، أطفأه المسلمون بعد جهد بالغ.

بناء الأقصى وفضائله:
يقال إنّ النبي سليمان عليه السلام هو مَنْ بنى المسجد الأقصى، ولكنَّ الأرجح، كما يرى المؤرّخون، أنّ سليمان جدَّد بناءه، ولا يُدرى من بدأ هذا البناء، كما لم يثبت عن النبي محمّد صلى الله عليه وآله شيء في تعيين بنائه. من فضائل المسجد الأقصى أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله أُسْرِيَ به إليه، وعُرِجَ به منه إلى السماء. قال تعالى ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ(الإسراء: 1). أمّا قُبّة الصخرة فقد بُنيت في العهد الأموي، إذ لم يكن في عهد الرسول صلى الله عليه وآله، ولا في صدر الإسلام، على الصخرة قُبّة، بل كانت مكشوفة.

مسجد الكوفة
لمحة تاريخية: كانت الكوفة صحراء، فاختار الصحابيَّان سلمان الفارسي وحذيفة اليماني رضي الله عنهما موقعها سنة 17هـ للجيش الإسلامي المرابط في أرض الرافدين، فسُمِّيت، لذلك، "كوفة الجُنْد". وبُنيت عام 22هـ بالآجرّ على سبع محلات لكلّ قبيلة. واتخذها الإمام علي عليه السلام سنة 36هـ بعد معركة الجمل، عاصمة للخلافة الإسلاميّة، فاتجهت إليها الأنظار، وأصبحت مدينة علمية وتجاريّة في عهده عليه السلام. واستمرّت في الازدهار حتى قيام خلافة العبّاسيين عام 132هـ، فاتخذوا الهاشميّة عاصمة لهم، ثمّ بغداد، فذبُلَتْ نضارة الكوفة بعد عزّ، واستسلمت للخراب سنة 580هـ، كما يقول الرحالة ابن جُبير.

المسجد الجامع: إنّ مسجد الكوفة المعظّم، في العراق، هو أحد أقدم المساجد في العالم الإسلامي، وأشهرها. هو مربّع الشكل، طول ضلعه 110 أمتار تقريباً. يتوسَّط صحنَه بُقعة منخفضة يُنزل إليها بسلّم، وتُسمَّى السفينة. مقام أمير المؤمنين عليه السلام: يحيط بالمسجد عددٌ كبير من الغُرف، أوسعُها ما في القِبلة، وفيه المحراب الذي كان يصلي فيه الإمام علي عليه السلام وفيه استُشهد، ومن هنا سُمِّيَ بالمقام. وكان بجنب المحراب باب يؤدي إلى قصر الإمارة، الذي لا تزال أطلاله ماثلة، اليوم، وينتهي إلى بيت الإمام عليه السلام، وهو على بعد 85 متراً من دار الإمارة. ولا يزال البيت المطهّر قائماً، وعليه قُبَّة خضراء. يقصد المؤمنون هذا المقام الشريف للتبرُّك به ويُصلُّون قِبالة المحراب الذي قام سلطان البَهرة عام 1974 بنصب شبَّاك من الفضة والذهب عليه. مرقد مسلم بن عقيل رضي الله عنه: مسلم بن عقيل هو سفير الإمام الحسين عليه السلام إلى الكوفة.. قُتل مع هاني بن عروة رضي الله عنه يوم عرفة.

فضائل مسجد الكوفة: عن رسول الله صلى الله عليه وآله، لمَّا أُسرى به وعُرِجَ إلى السماء، (قال له جبرائيل: أتدري أين أنت، يا محمّد؟ أنت، الساعة، مقابل مسجد كوفان. قال: فاستأذن لي أصلّي فيه ركعتين. فنزل فصلّى فيه). لذلك يرى الزائرون مقاماً للنبيّ الأعظم عليه السلام، في وسط المسجد، فيصلّون لديه ويتبرّكون به وبما حوله، روضةً من رياض الجنَّة. وعن أئمة الهدى عليهم السلام أن الصلاة في مسجد الكوفة تعادل ألف صلاة، النافلة فيه بخمسمائة صلاة، وأن الجلوس فيه لَعبادة، ولو عَلِمَ الناس ما فيه من قداسة وثواب، لأتوا إليه ولو حَبْواً!. وقال الإمام علي عليه السلام: النافلة في هذا المسجد تعدِلُ عُمرةً مع النبيّ صلى الله عليه وآله، والفريضة تعدِل حِجَّة مع النبيّ صلى الله عليه وآله. وحسب هذا المسجد شرفاً وفخراً أنه أحد المساجد الأربعة التي تُشدُّ إليها الرِّحال، وقد صلّى فيه، بحسب ما ورد عن أهل العترة الطاهرة عليها السلام، ألفُ نبيٍّ ووصيّ، وسيصلّي فيه إمام الزمان، القائم المهدي !.عجل الله فرجه


(1) "بؤَّأْنا": وطَّأْنا وهيَّأنا (التفسير المعين).
(2) الأوَّل: مسجد قباء.
(3) المِرْبَد: مكان لتجفيف التمر، كالبيدر للحنطة.
(4) المصادر
(5) معجم البلدان، ياقوت الحموي، ج5.
(6) سيرة ابن هشام، ج1.
(7) تاريخ مكّة، الأزرقي، ج1.
(8) أخبار مكّة، الفاكهي.
(9) المسجد النبوي الشريف، د. محمد السيد متوكل.
(10) رحلة ابن جُبير.
(11) ويكيبيديا، الموسوعة الحُرّة.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع