طوبى لعبد تطهر في بيته ثم زارني في بيتي إلاّ إنّ على المزور كرامة الزائر.
ألا بشّر المشائين في الظلمات إلى المساجد بالنور الساطع يوم القيامة.
يا إلهي أي كرم هو كرم الله، وأيّ فيض هو فيضهُ وأي حرما جرنا إليه جهلنا، وضعف همتنا.
وأي عاقل يدعوه الله سبحانه لزيارة بيته فيعرض عن ضيافة بيته؟!
* أخي في الإيمان
كم نعتذر – أنا وأنت – بكثرة الأشغال والكدّ على العيال، أو نعتذر بالانشغالات في ساحة العمل لله، أو ليست كلها أعذار واهية؟ ألا يجدر بنا أن نستجيب لنداء المجاهد الأكبر الإمام الخميني قدس سره "مساجدكم متاريسكم فاملأوا متاريسكم" نحن جميعاً مدعوون من جديد أن نتعرف على مكانة بين الله وفضل الصلاة فيه والتردّد إليه لنعيد بذلك سنّة من سنن النبي والأئمة عليهم السلام.
* المساجد لله
المساجد من الأماكن التي اختصها الله لنفسه، قال تعالى: ﴿وإنّ المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً﴾ سورة الجن /18
ثم حصر سبحانه وتعالى عمارة المساجد بالمؤمنين دون غيرهم فقال تعالى: ﴿إنّما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر﴾ التوبة /18.
وقال الإمام الصادق عليه السلام: "عليكم بإتيان المساجد فإنّها بيوت الله في الأرض، ومن أتاها متطهّراً طهّره الله من ذنوبه وكتب من زواره".
وعن المشي إلى مساجد الله قال عليه السلام: "من مشى إلى مسجد يطلب فيه الجماعة كان له بكلّ خطرة سبعون ألف حسنة، ويرفع له من الدرجات مثل ذلك، وإن مات وهو على ذلك وكّل الله به سبعين ألف ملك يعودونه في قبره، ويؤنسونه في وحدته ويستغفرون له حتّى يبعث".
* المكث من المسجد
وللجلوس في المسجد أجرٌ لا يُحصى، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "يا أبا ذر إنّ الله تعالى يعطيك ما دمت جالساً في المسجد بكلّ نفس تنفست درجةً في الجنّة، وتصلّي عليك الملائكة وتكتب لك بكلّ نفسٍ تنفسّت فيه عشر حسنات، وتُمحى عنك عشر سيئات".
وعنه أيضاً صلى الله عليه وآله وسلم: الجلوس في المسجد عبادة، ما لم يُحدث، قيل يا رسول الله وما الحدث؟ قال: الاغتياب.
* المسجد المهجور يشكو
أيّها الأخ الإيماني، لا تكن ممن يقبل بالحرمان من كلّ هذه التفضلات الربانية، ويرضى بأن يكون ممن تشكوه المساجد إلى الله!
أما سمعت قول الصادق عليه السلام: شكت المساجد إلى الله تعالى الذين لا يشهدونها من جيرانها، فأوحى الله عزّ وجلّ إليها: وعزّتي وجلالي لا قبلت لهم صلاة واحدة، ولا أظهرت لهم في الناس عدالة، ولا نالتهم رحمتي، ولا جاوروني في جنّتي!.
وأما علمت أنّ أمير المؤمنين عليه السلام كان يقول: لا صلاة لجار المسجد إلاّ في المسجد. وكلّ من يسمع نداء الصلاة (الآذان) فهو جارُ للمسجد.
* وللمسجد فوائد أخرى
والاختلاف إلى المسجد لا يعدم الفائدة مطلقاً. فعن أمير المؤمنين عليه السلام قال: من اختلف إلى المسجد أصاب إحدى الثمان: أخاً مستفاداً في الله، أو علماً مستطرفاً، أو آية محكمة، أو رحمة منتظرة، أو كلمة تردّه عن ردى، أو يسمع كلمة تدلّله على هدى، أو يترك ذنباً خشيةً أو حياءً.
وعنه عليه السلام أيضاً: "لا يرجع صاحب المسجد بأقل من إحدى ثلاث: إمّا دعاء يدعو به يدخله الله به الجنّة، وإمّا دعاء يدعو به فيصرف الله عنه بلاء، وأما أخٌ يستفيده في الله عزّ وجلّ".
* من آداب المسجد
وتسأل: هل كان من يرتاد إلى المساجد تفاض عليه كلّ هذه النعم والبركات؟ والجواب نعم، ولكن بشرطها وشروطها.
فعن أبي ذر رضي الله عنه، قلت يا رسول الله كيف تعمرُ مساجد الله؟ قال: "لا ترفعُ فيها الأصوات، ولا يخاض فيها بالباطل، ولا يشترى فيها ولا يُباع، واترك اللغو ما دمت فها، فإن لم تفعل فلا تلومنّ يوم القيامة إلاّ نفسكَ".
وعنه صلى الله عليه و آله و سلم: "كلّ جلوس في المسجد لغو إلاّ ثلاثة: قراءةُ مصلّ، أو ذكرُ الله أو سائلٌ عن علم".
ولا تدع عليكَ مظلمة إلاّ رددتها لأهلها حتّى تجاور االله مع النبيين والصديقين والشهداء. قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: "أوحى الله إليّ أن يا أخا المرسلين يا أخا المنذرين، أنذر قومك لا يدخلن بيتاً من بيوتي ولأحد من عبادي عند أحدهم مظلمة فإني ألعنه ما دام قائماً يصلّي بين يديّ حتّى يرد تلك المظلمة، [فإذا ردّها] فأكون سمعه الذي يسمع به، وأكون بصره الذي يبصر به، ويكون من أوليائي وأصفيائي، ويكون جاري مع النبيّين والصديقين والشهداء في الجنّة".
والآن، وقد رأيتك أيّها العزيز، أصغيت إلى نداء الحق وهديت للصواب، واستمعت القول فاتبعت أحسنه، وهممت بالتطهّر في بيتك لزيارة بيت ربك، أوردُ على مسامعكَ ما أدب به صادق أهل البيت عليهم السلام شيعته القاصدين مساجد الله تبارك وتعالى.
"إذا بلغت باب المسجد فاعلم أنّك قصدت باب بيت ملك عظيم، لا يطأ بساطه إلاّ المطهرون، ولا يؤذن بمجالسة مجلسه إلاّ الصديقون، وهب القدوم إلى بساط خدمة الملك، فإنّك على خطرٍ عظيم إن غفلتَ هيبة الملك، وأعلم أنّه قادرٌ على ما يشاء من العدل والفضل معك وبك...
واعترف بعجزك وتقصيرك وفقرك بين يديه، فإنّك قد توجهت للعبادة له، والمؤانسة واعرض أسرارك عليه، ولتعلم أنّه لا تخفى عليه أسرار الخلائق أجمعين وعلانيتهم.
وكن كأفقر عباده بين يديه، وأخل قلبكَ عن كلّ شاغلٍ يحجبك عن ربك، فإنّه لا يقبل إلاّ الأطهر والأخلص وانظر من أيّ ديوان يخرج اسمك.
فإن ذقت من حلاوة مناجاته، ولذيذ مخاطباته، وشربت بكأس رحمته وكراماته من حسن إقباله عليك وإجابته، فقد صلحت لخدمته فادخل فلك الأمن والأمان.
وإلاً فقف وقوف مضطر قد انقطعت عنه الحيل، وقصر عنه الأمل، وقضى عليه الأجل.
فإذا علم الله عزّ وجل من قلبك صدق الالتجاء إليه، نظر إليك بعين الرحمة والرأفة والعطف، ووفقك لما يحبّ ويرضى: فإنّه كريم يحب الكرامة لعباده المضطرين إليه المحترقين على بابه لطلب مرضاته، قال الله عزّ وجل "أمّن يجيب المضطرّ إذا دعاه..."