تحقيق: زينب صالح
تتناقل الأجيال قصص الحماة والكنّة، حيث تضرب الأمثال بهذه العلاقة، وتُحاك الفكاهات وأحياناً الخرافات. لكنّ العلاقة بين هاتين المرأتين تكون مبكية أحياناً وسبباً لتعاسة إحداهما أو كليهما، وقد تكون مبعثاً للسرور في قلب العائلة النواة، التي بدأت لتوّها بتأسيس حياتها. هكذا، تتنوّع الحكايات بين أم الزوج وزوجته، لارتباطها بأسباب تكوينيّة، نفسيّة واجتماعيّة.
*تنافس أم ودّ؟
لأسباب تنافر العلاقة أحياناً بين الحماة والكنّة عوامل كثيرة. أوّلها شخصيّة كلّ منهما، ورغبتهما في السيطرة على الرجل. هذا الرجل الذي ربّته أمه بجفون العين أياماً وليالي حتى كبر، تخاف عليه، تتولّى أموره، وتسعى إلى تزويجه لترى أولاده. لكن ما إن يحصل الزواج حتى ترى امرأة أخرى باتت محور حياة ابنها، وتحلّ مكانها في تولّي خدمته ورعايته.
وفي المقابل، ترى الزوجة أن زوجها أصبح ملكها هي، شريكة حياته وأيامه الجديدة. وتسعى بدافع المحبة إلى تزويده بكل المشاعر التي قد يحتاجها من امرأة، وحتى من أمه. فيصبح للابن زوجة تلبّي جميع حاجاته المادية والعاطفية، لتصبح الأمّ مجرد شخص في حياته وإن كثُرت لقاءاته بها، فإنها لن تأخذ أكثر من جزء بسيط من وقته.
هنا تقع الخلافات، عندما يختلّ التوازن العاطفي لدى إحدى هاتين السيدتين، فتنسى الزوجة أو تتناسى مشاعر الأم الطبيعيّة، ورغبتها في الاطمئنان على سعادة ابنها معها. وتنسى الأم أيضاً أو تتناسى أنّ هذه المرأة الجديدة هي شريكة حياة ولدها، كما كانت هي يوماً ما شريكة حياة ابن امرأة أخرى.
فقدان التوازن هذا، والمشاعر السلبية التي تنتج عنه، يؤدي أحياناً إلى "خربان البيوت"، ومشاكل لا تحمد عقباها.
*قصص واقعية
هكذا تتنوع القصص الواقعية عن هذا الموضوع، في جميع البيئات والمناطق. قصص سنذكر نماذج منها دون التطرّق إلى الأسماء الحقيقية احتراماً لخصوصيّة العائلات. فلم تكن تعرف فاطمة أنّ زواجها الذي أرادته حياة جديدة، سيكون كابوساً تعيش أيامه ببطء شديد. فبعد سنوات مريرة من الانتظار، قرّر زوجها أن يعارض أهله ويضمّها إلى هودج وجوده. فأسباب رفض أهله لها طوال تلك المدّة لم يكن منطقياً، بل يعود إلى أسباب جغرافيّة وعائليّة، لأنها ليست من قريته، ولأنها تجاوزت عمر العشرين.
وهكذا، ظنّ الزوج أنّ الأهل سوف يتقبّلون زوجته، وسوف يأذنون له بالسكن معها في بيته الجاهز الكبير، لكنّ رياح الأم جرت بما لا يشتهيه القبطان. رفضت الأم ذلك وأصرّت على طلاق فاطمة. ولم يشفع للولد أن زوجته حامل، إذ سرعان ما تبين أنّ هذا المولود الذي سوف يأتي "بنت، وحماتي تحب الصبيان، فقالت لنا لو أنّ الجنين صبي لقبلت زواجكما، لكنه بنت". ترافق الرفض مع معاملة سيئة لفاطمة في بيت عمها، "ولم يتمكن زوجي من اتخاذ قرار بشأني لأنّ أمه هدّدته بأن تغضب عليه، إضافة إلى حرمانه من الميراث".
عندما لم تعد فاطمة قادرة على التحمل، خرجت إلى بيت أهلها، لتصلها ورقة الطلاق بعد أشهر من وضعها ابنتها، مصحوبة باعتذار الزوج الذي يئس واستسلم أمام عناد أمه.
*أعاني من العزلة بسبب حماتي
لِتَدَخُّل الحماة في حياة الابن وعائلته قصص كثيرة تعود أسبابها أحياناً إلى كِبر الأم، وشعورها بالوحدة، وعدم الاستئناس إلا في بيوت أولادها. لكنّ وجودها هناك قد يسبب أحياناً ثقلاً على الزوجة وحياتها الاجتماعيّة والخاصّة، دون أن تقدر الأخرى على التصريح عن ذلك مخافة إغضاب الزوج وأمه.
فـ"هنادي"، أم لأربعة أولاد، وتعاني من عزلة اجتماعية، تقول: "بات لا يزورني أحد من أهلي وأصدقائي بسبب تدخّل حماتي في كلّ الأحاديث وكلّ التفاصيل". فإن أمّ زوجها -التي يتلاصق بيتها وبيت ابنها- تأتي فور ما ترى أنّ زواراً قدموا إلى بيت ابنها "لتفرض أحاديثها فتسأل كثيراً، وتسلبنا المقدرة على الكلام. ونتحاشى إغضابها أو التسبب في الأذى المعنوي لها، فنبقى منصتين لكلّ الأحاديث المملّة، والتي أحياناً تكون فارغة من أي معنى. لذا لم يعد يزورني أحد. ولا تتوقف المشكلة هنا، فهي ترافقني في كل زياراتي". ولا تستطيع هنادي مصارحة حماتها بما تريده منها "لأنها تغضب وقد أسبّب لها الحزن كما لا أحبّ أن أضايق زوجي، فهي أمه، وقد كبرت في السن، وعلينا أن نكون بارّين بها".
*زماننا غير زمانها
كما ويشكّل فارق السن بين الحماة والكنّة مشكلة أخرى. إذ ترغب الأم بأن تعيش زوجة ابنها كما عاشت هي، وأن "تتحمّل" وتقتصد كما فعلت حماتها. تقول علا: "زوجي مقتدر مادياً، ويكفي أمور بيتنا من مؤونة وطعام وملبس وجميع ما نحتاج. لكنّ أمه ليست راضية عن حياتنا. تحبّ أن نوفّر أكثر في مصروفنا. فمثلاً، تحبّذ أن نطهو الطعام على العيدان والحطب بدلاً من الغاز، وأن نأكل السميد والبرغل بدلاً من اللحم، الأمر الذي لا يتناسب مع حياتنا اليوم". ثم تضيف السيدة علا: "ومع هذا فإنّنا نرضيها أياماً في الأسبوع بأن نطهو كما تريد وتحب، لكنّ هذا لا يجنّبنا الكلام عنّا وعن طريقة حياتنا". وتضيف: "أقدّر كم تحملت زوجة عمي كي تربي أبناءها التسعة، لكنّ زماننا غير زمانها. نحن لم ننجب سوى ثلاثة أولاد، ووضعنا الاقتصادي جيد، ولا نضطر إلى هذا النوع من الاقتصاد".
*غيرة الزوجة أذى
وفي المقابل، تتسبّب الزوجة أحياناً عن قصد أو غير قصد بأذى معنوي لأم زوجها عندما لا تحترم مكانتها في حياته، ولا شعورها بذاك التغيير الذي طرأ على حياتها عند زواج ابنها. فالحاجة "أم حسن" على سبيل المثال، وعندما تزوج ولدها، شعرت بأنّها أصبحت ضيفاً لا أكثر على حياته، بسبب غيرة زوجته منها، وسعيها إلى إخفاء تفاصيل حياتها عنها. فتقول: "عندما تزوج ابني سكن معي في البيت، لكنّ زوجته تبقى في غرفتها عندما يكون هو في العمل، ولا نراها إلا قليلاً وفي حضوره هو. كما أنها تخفي عني جميع تفاصيل حياتها، بل وتفاصيل حياته هو أيضاً". فيما اعتذر الابن من أمه قائلاً: "إنّ زوجته تغار عليه من جميع الناس حتى من أمه التي عليها تقبّل وضعه الجديد".
وفي بعض الأحيان، تعتبر الزوجة أنّ مال زوجها يجب أن يكون بتصرّفها وتصرّف أولادها فقط، ما يحرم الأم الاستفادة من خدمات ابنها المادية.
هكذا، بين الزوجة التي يختصر حقوقها الإمام زين العابدين عليه السلام في كلمات "وحق الزوجة أن تعلم أن الله عزّ وجلّ جعلها لك سكناً وأنساً، وتعلم أن ذلك نعمة من الله تعالى عليك، فتكرمها وترفق بها" وبين حق الأم التي يقول عنها: "فحق أمك أن تعلم أنّها حملتك، حيث لا يحمل أحد أحداً، وأطعمتك من ثمرة قلبها ما لا يطعم أحدٌ أحداً"(1)، عناوين على الزوجة والأم والابن مراعاتها كي تسير الحياة وفق ما أراد الله، ليكون الزواج "سكناً وحياة".
1.الخصال، الصدوق، ص567.