آية الله الشيخ حسين مظاهري
من أفضل العبادة في الإسلام أن تخدم المرأة زوجها، ويخدم الرجل زوجته. ونلاحظ في الأحاديث الشريفة أنّ للمرأة التي تخدم زوجها، وتُعِدّ الطعام، وتغسل الأواني، وتقدِّمُ المائدة، ثمّ تجمعها، أجْرَ شهيدٍ يكتبه ربُّ العالمين في صحيفةِ أعمالها(1)؛ فأنتم تعلمون أنّ أعظم كرامة للإنسان هي الشهادة في سبيل الله.
كما نلاحظ فيها أنّ مثل هذا الأجر يُعطى للرجل الذي يخدُمُ في المنزل ليُقلِّلَ من مشقَّةِ زوجته أو يكدُّ في العملِ خارجَ المنزلِ ليعيش عيالُه في رفاهيةٍ: "الكادُّ على عيالِهِ كالمجاهِدِ في سبيلِ الله"(2).
•أفضل الخدمة والعبادة
إذاً، إنّ من أفضل الخدمة والعبادة هي الخدمة في البيت. وإذا أردتم أن تشمل البركة والفضل والرحمة الإلهيّة بيوتكم وتحضرها الملائكة، وأهمّ من ذلك أن تقدِّموا للمجتمع جيلاً مباركاً، وأن تكون حياتكم مباركة، فاهتمّوا بتقويةِ ارتباطِكم بالله في المنزل.
ومن عواملِ تحقيق ذلك تقوية الألفةِ والمودَّة بين الزوج والزوجة، فطوبى للرجال الذين يحظون برضى زوجاتهم، وطوبى للنساء اللواتي يحظَيْنَ برضى أزواجهنّ، ففي هذه الحالة يرضى عنهم الله عزّ وجلّ، وفي المقابل تعساً لحال الرجل الذي لا ترضى عنه زوجته، وأسوأ منه حالُ المرأة التي لا تستجلب رضى زوجها.
•تأثير المال الحرام
أقول لكم، إذا دخل في بيوتكم طعامٌ من حرامٍ، كالربا والرشوة وأكلِ أموالِ الناس (بالباطل)، فاعلموا أنّها ستُحرم حضور الملائكة فيها، بل ستكون محلّاً للنار، بمعنى أنّ الملائكة في السماء ترى هذه البيوت تحترق، كما أنَّ مَنْ فيها من النساء وأطفالها الأبرياء يأكلون النار: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا﴾ (النساء: 10). ومال اليتامى مذكورٌ هنا على نحو المصداق الأوضح، وعليه يكون معنى الآية: أنّ الذين يأكلون المال الحرام إنّما يأكلون ناراً. عن الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف: "مَنْ أكل من أموالِنا شيئاً، فإنّما يأكلُ ناراً، وسيَصْلى سعيراً"(3). وعن الإمام الباقر عليه السلام وقد سأله أبو بصير عن أيسر ما يَدْخل به العبدُ النار، فقال: "مَنْ أكلَ من مالِ اليتيمِ درهماً، ونَحْنُ اليتيمُ"(4).
•لماذا أطعمتنا ناراً؟
إنّ صاحب عين البصيرة هو من يرى البيت الذي لا يؤدِّي الخُمُسَ وهو يحترق، والمرأة والأطفال فيه يأكلون ناراً؛ يشاهد ذلك عندما يتحقّق: ﴿ فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ﴾ (ق: 22). فاللّحم والأرزُّ في مائدة الدنيا هو نارُ جهنّم في يوم القيامة، فتوضع في جهنّم هذه السفرة نفسها ويأكلون حينئذٍ المال الحرام الذي أكلوه ولكنّه نار هذه المرَّة.
وويلٌ لعِيالِ مثل هذا البيت؛ إذْ بعيدٌ أن ينال أطفاله السعادة، وهؤلاء العيال سيكونون أعداء له، ويتصدّون له يومَ القيامة (زوجته وأولاده)، ويخاطبونه: أيّها الظالمُ، لماذا أطعمتنا المالَ الحرام؟ لماذا أطعمتنا ناراً؟ لماذا لم تُؤدِّ الخُمسَ الذي كان عليكَ لتُطعمنا مِنْ مالٍ حلالٍ، فلم يكن لدينا إقبالٌ على العبادة، وتوجَّهْنا نحو المعاصي؟ لقد حرمتنا السعادة بما أعطيتَنا من مالٍ حرام.
•هباءً منثوراً
تذكُر رواياتنا، أنّ أحدَ الأشقياء يوم القيامة هو الذي كان يكدح ليلاً نهاراً في العمل من أجل عيالِه، ولكنّهم سيُعادونه يوم القيامة، ويلعنونه، ويطلبون من الله أن يقتصّ منه؛ لأنّه لم يؤدِّ حقّ الخمس، فأطعمهم من المالِ الحرامِ، وجعل قلوبَهم قاسيةً. فيحيطه من جهة البؤس والأوزار والأوبال، ومن جهة أخرى لعنات زوجته وأطفاله، يقول تعالى: ﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا﴾ (الفرقان: 23).
تتحدّث الآية الكريمة عن طائفةٍ من الناس يتعبّدون بصورةٍ جيّدةٍ (ظاهريّاً)، فهم قد أقاموا الصلاة، وصاموا، وحجُّوا، وزاروا كربلاء والإمام الحسين عليه السلام، وفضيلة هذه الزيارة أعظم من غيرها، وأقاموا مجالس العزاء، وبكَوا على الإمام الحسين عليه السلام، وهو العمل الذي يصفه الإمام الصادق عليه السلام بأنّه يجعل أصحابه يتألّقون يوم القيامة بحللٍ بيضاء(5)، لكنّهم أكلوا المال الحرام وحقوق الآخرين، وهذا ما يؤدّي إلى تحوّلِ أعمالهم كافّة إلى الذين أكلوا أموالهم، فتخلو أيديهم، ويسخر منهم الآخرون، ويصفونهم بأنّهم الذين أكل عيالُهُم أعمالهم؛ لأنّهم استحصلوا الأموال عن طريقٍ محرَّمٍ فأكلها عيالُهُم وعاشوا بها بشرف، وعليه هو أن يدفع يوم الفصل الغرامات، وهي أن يعطي أعماله ويبقى هو دون عملٍ، فيكون مصيره جهنّم.
•بيتٌ من نار
1- تنازع أهل جهنّم: قد نجد بيتاً يتنازع فيه الزوجان، ويرفضُ كلٌّ منهما الإقرار بالتقصير؛ فالزوج يقول أنتِ التي جلبتِ الشقاء والبؤس لي، والزوجة تتّهمه بمثل ذلك، وهو يلقي على عاتِقها مسؤوليّة انحراف الأولاد. والبيت الذي يشهد تبادل الإساءات والكلمات البذيئة والفحشاء والشتائم -والعياذ بالله- هو بيتٌ في الظاهر، وهو في الحقيقة بحسب قانون تجسُّم الأعمال جهنّم، ستتّضح حقيقته يوم تُرفع الحجب، فترجع الإساءات والشتائم التي كان يوجِّهها الأزواج لزوجاتهم أو بالعكس إلى فاعليها، ويرجع إلى الأب التعنيف نفسه الذي كان يوجِّهه لأطفاله.
أقول لكم -أزواجاً وزوجات- إنّ الدنيا والآخرة وجهان لعملةٍ واحدةٍ، فالظاهر هي الدنيا، والآخرة هي باطنُ هذه الدنيا نفسها. فما يقع في الدنيا تظهرُ حقيقته في الآخرة، فإذا كانت العاقبة النار ونقماتها، فمن أعمالنا: ﴿ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ﴾ (آل عمران: 182). وإذا كانت الجنّة ونعيمُها وحورُها وقصورُها، فمن أعمالنا نحن أيضاً: ﴿كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ﴾ (الحاقة: 24)؛ ففي الجنّة يُخاطَب الصائمون: هذه النِعَم هي التي قدّمتموها في شهر رمضان المبارك في الدنيا، فكلوا واشربوا هنيئاً.
2- ﴿إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا﴾: وعلى العكس، فإنّ حالُ أهل الجنّة على ما يقول القرآن الكريم عنهم: ﴿عَلَى سُرُرٍ مَّوْضُونَةٍ*مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ﴾ (الواقعة: 15-16)، وهم مفعمون بالحيويّة والأُنس: ﴿لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا*إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا﴾ (الواقعة: 25- 26). فلا تجد عندهم لغواً ولا سُباباً، بل يثني ويَشكر بعضهم بعضاً على المعونة التي قدّمها كلٌّ منهم لجعلِ الآخرين من أهل الجنّة. هذه صفةُ أهلِ النعيم، وقانون تجسّم الأعمال يقول لنا: إنّه إذا كانت المودّةُ والأُلفةُ تسودُ في بيتٍ ما؛ فالرجل يشكر زوجته على جودةِ طبخها للطعام، فتبتسم له وتشكره بدورها على جلبِه هذا الطعام.
وإذا كان كلّ منهما يعلِّل طِيب أجواء البيت بطيب أخلاق الطرف المقابل، وكانت الزوجة تعتذر لزوجها مِنَ التقصير حينما يقع في البيت أمرٌ غير مناسبٍ، فيردّ هو الاعتذار متحمّلاً مسؤوليّة التقصير، فتجسّم هذا الوضع هو أنّهما يكونان مِصداقاً للآية الكريمة المتقدِّمة المتحدِّثة عن صفة أهلِ الجنة.
إذاً، فلتكن سُنَّتكم القيام بما من شأنه تحويلُ أعمالكم إلى نِعَمٍ في الجنّة.
(*) من كتاب أخلاقيّات العلاقة الزوجيّة، الفصل الثاني والثالث، ص93- 101، بتصرّف.
1.راجع: وسائل الشيعة، الحرّ العاملي، ج14، ص122.
2.مستدرك الوسائل، الميرزا النوري، ج1، ص551.
3.سفينة البحار، عباس القمّي، ج1، ص428.
4.بحار الأنوار، المجلسي، ج103، ص13.
5.راجع: ثواب الأعمال، الصدوق، ص108 وما بعدها.