بمَ ينتصر الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف؟ (1)* أخلاقنا | الكبر الرداء المحرّم (2)* تسابيح جراح | نور إرادتي أقوى من ظلام عينَيّ الشهيد القائد إبراهيم محمّد قبيسي (الحاج أبو موسى) صحة وحياة | كيف نتجاوز ألم الفقد؟ كشكول الأدب تحقيق | الشهادة ميراثٌ عظيم (2) بيئة | حربٌ على الشجر أيضاً عوائل الشهداء: لن يكسرنا الغياب لتكن علاقاتنا الاجتماعيّة مصدر أنس ٍوعافية

بإرادتنا نهضنا..

لقاء مع د. مصطفى بيرم
حوار: د. فاطمة خشاب درويش


بعد كلّ حرب، تبقى التداعيات الاقتصاديّة والاجتماعيّة عميقة ومستدامة، ممّا يتطلّب جهوداً كبيرة للتعافي وإعادة البناء.

إنّ عمليّة التعافي الاقتصاديّ تُشكّل حجر الأساس لتحقيق الاستقرار واستعادة عجلة الحياة الإنتاجيّة. إنّه مسار يحمل تحدّيات وفرصاً، ويتطلّب تنسيق الجهود بين الأطراف كافّة لضمان تحقيق نهضة مستدامة.

لمزيد من التفاصيل عن هذا الموضوع، تستضيف مجلّتنا وزير العمل السابق الدكتور مصطفى بيرم.

شهدنا في الحرب الأخيرة تدميراً ممنهجاً للعدوّ استهدف فيه حتّى أرزاق الناس. برأيكم، ما الغاية من ذلك؟
لا شكّ في أنّ الحرب الإسرائيليّة الأخيرة على لبنان كانت حرب إبادة شاملة، وتدميريّة بكلّ ما للكلمة من معنى، إذ دمّرت كلّ مظاهر الحياة. لقد سعى المخطّط الصهيونيّ منذ بدايته إلى اعتماد سياسة «الأرض المحروقة»، فاستهدف تدمير كلّ مقدّرات المجتمع من اقتصاد، وثقافة، وتاريخ، وآثار، وحضور، وحتّى مظاهر الحياة اليوميّة.

لقد حصل تدمير كبير، خصوصاً في المناطق التي تُعدّ بيئة حاضنة للمقاومة، مثل الجنوب، لا سيّما جنوب الليطانيّ، وأجزاء من البقاع، من وسطه حتّى شماله، وأيضاً الضاحية الجنوبيّة.

في مجتمع المقاومة، هل سيكون الاقتصاد معركة تحدٍّ أخرى؟
تشير التقديرات إلى أنّ الخسائر الماليّة فاقت تسعة مليارات دولار، وهذا رقم ضخم جدّاً يعكس حجم الدمار.

لكن في الحروب والأزمات، نستذكر قاعدة المؤرّخ «أرنولد توينبي» حول «التحدّي والاستجابة»، والتي تقول: إنّ الحضارات لا تموت، بل تنتحر عندما تعجز عن الاستجابة للتحدّيات. أمّا المجتمعات التي تحوّل أزماتها إلى فرص، فهي التي تتقدّم وتزدهر بعد المحن.

نحن في لبنان، نمتلك القدرة والكفاءة. يتميّز مجتمعنا الممتحَن بالصبر، وقد مرّ بتجارب صعبة عديدة، وفي كلّ مرّة يخرج منها أقوى ممّا كان عليه. نحن نبني ما هو أفضل، ولكن لا يمكننا أن نواجه كلّ شيء وحدنا، بل نحتاج إلى دولة.

ما هي واجبات الدولة تجاه الناس اليوم؟
الدولة هي التي تضع القوانين، وتصدر المراسيم، وتمنح التراخيص، وتوفّر البُنى التحتيّة. وثمّة أيضاً أبعاد أخرى لا بدّ من الالتفات إليها، مثل البُعد البيئيّ، والأمنيّ، والإيكولوجيّ (البيئيّ)، وكلّها تستوجب تدخّل الدولة، لا المجتمع وحده.

إنّنا والدولة نملك الإرادة، ولكنّ الأخيرة متأخّرة في أداء دورها، إمّا بسبب ضغوط خارجيّة أو تبعيّة لشروط أمريكيّة أو أطراف تسعى إلى المقايضة على حساب الإعمار، وهذه مسألة خطيرة جدّاً.

رغم مشكلة الإيواء، تهافت الأهالي للعودة إلى مناطقهم، هل ترون أنّ هذا أول مظاهر التعافي؟
في ما يخصّ الإيواء، ثمّة حركة نشطة تقوم بها المقاومة، إلى جانب الناس أنفسهم، الذين أظهروا إرادة ذاتيّة قويّة في محاولاتهم تحرير قراهم وإعادة الحياة إليها والعمل. إنّ عودة السكّان إلى قراهم، حتّى قبل ترميم البيوت، دليل حياة. شاهدنا في شهر رمضان إفطارات تُقام قرب البيوت المدمّرة، وظهرت مبادرات مثل «مشروع الوجه الحسن» لبناء بيوت جاهزة، هنا تتجلّى إرادة الصمود.

شاهدنا متاجر صغيرة فتحت إلى جانب الركام لتوفّر للعائدين الطعام والمياه واللوازم الأخرى.

أفاد رئيس بلديّة الخيام مثلاً، أنّ أكثر من 150 عائلة عادت إلى البلدة واستقرّت فيها، وفتحت أكثر من مئة مؤسّسة أبوابها. هذه مؤشّرات مشجّعة جدّاً، ودليل مظهر يتجاوز التعافي إلى التحديّ والممانعة والثبات والصمود. هذه الأفعال لا تصدر إلّا من ثابت قويّ.

ما العمل أمام ما يمارسه الاحتلال من استمرار تدمير البيوت الجاهزة ومعالم الحياة في المناطق الحدوديّة؟
الاحتلال لا يزال يمارس اعتداءاته، والحرب مستمرّة، إنّها حرب إرادات. كلّما أُعيد بناء بيت أو مشروع صغير، يعمد الاحتلال إلى ضربه، وكأنّه يقول: «كلّ ما تبنونه سأدمّره». أمّا نحن، فنردّ عليه بالفعل: «ستهدم اليوم... وسنعود غداً».

الأمر أشبه بتلك النملة التي تسعى بإصرار للوصول إلى هدفها رغم العوائق، تعاود المحاولة في كلّ مرّة من المسار نفسه، وبالعزم نفسه، حتّى تنجح.

وعند معرفة قاعدة النصر: «ينتصر من يصبر ساعة أكثر من عدوّه»، وبالإرادة، والعزم، والتوكّل على الله، نستطيع الصمود والمضيّ قُدماً.

كيف يمكن الصمود أمام مشكلة إعادة الإعمار؟
يجب الضغط بشكلٍ حقيقيّ على الدولة للقيام بواجبها في الإعمار، وتحويل الغضب الشعبيّ إلى تحرّك مدنيّ ديموقراطيّ، عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعيّ، وكذلك عبر الضغط السياسيّ.

الإعمار ليس ترفاً، بل حقّ للناس، وأساس لاستمرار الحياة. لا يجوز ربطه بأيّ تسوية أو تنازل سياسيّ. لا نقبل أن يصبح ملفّ الإعمار مادة مساومة، بل هو أولويّة وطنيّة واستراتيجيّة، وقد ورد كتعهّد في البيان الوزاريّ وخطاب القسم لرئيس الجمهوريّة.

علينا أن نتمسّك بهذه الوعود، ونعمل على تنفيذها، ولا نسمح بتحويل هذه القضيّة إلى أمر واقع أو ملفّ منسيّ. هذا واجبنا وعهدنا.

ختاماً، ما الكلمة التي توجّهونها للناس الشرفاء الذين شاركوا بقوّة ثباتهم وإرادتهم في معركة الثبات والصمود؟
إلى أهلنا الشرفاء، إلى أهل العزّة، والكرامة، والقيم الأخلاقيّة، إنّ صمودكم، واستمراركم، وحملكم للراية، ووفاءكم للقادة الشهداء، وعلى رأسهم سيّد شهداء الأمّة معجزة. أنتم المقاومة وروحها وكنهها، أنتم المستقبل والأمل والفخر والدافع لكلّ المضحّين من أجل حياة عزيزة وشريفة، وأنتم الشهود للحقّ والحقيقة في هذا الزمان، والذين سيفتخر بكم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عندما سيباهي بنا الأمم، حفظكم الله وسدّدكم، والسلام عليكم.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع