بمَ ينتصر الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف؟ (1)* أخلاقنا | الكبر الرداء المحرّم (2)* تسابيح جراح | نور إرادتي أقوى من ظلام عينَيّ الشهيد القائد إبراهيم محمّد قبيسي (الحاج أبو موسى) صحة وحياة | كيف نتجاوز ألم الفقد؟ كشكول الأدب تحقيق | الشهادة ميراثٌ عظيم (2) بيئة | حربٌ على الشجر أيضاً عوائل الشهداء: لن يكسرنا الغياب لتكن علاقاتنا الاجتماعيّة مصدر أنس ٍوعافية

تاريخ الشيعة | المتاولة في معاجم الولاء والتاريخ

د. غسّان طه
 

بحسب الشيخ أحمد رضا، «المتاولة» جمع «متوالي»، على غير قياس من تولّى، أي اتّخذ وليّاً ومتبوعاً، ومن الولاء لأهل البيت النبويّ الطاهر، الذي هو الركن الركين في مذهب الشيعة، أو مشتقّ (على القياس) من «توالى»، أي تتابع من تتابعهم واسترسالهم خلفاً عن سلف في موالاة أهل البيت عليهم السلام(1). سنتعرّف في هذا المقال إلى مزيد من المعلومات حول هذا الموضوع.


* تاريخ النشأة
ليس ثمّة تاريخ محدّد يحصر بدايات هذه التسمية أو موطنها، فضلاً عن الظروف والأسباب التي أدّت إلى إطلاقها.

تشير إحدى السالنامات التركيّة(2)، إلى أنّ لقب «المتاولة» بدأ بالظهور لأوّل مرّة سنة 1100 هجريّة، عندما برزت القوّة السياسيّة للشيعة في مناطق متعدّدة في جبل عامل تحت قيادة آل نصّار الوائليّين، وفي بعلبك تحت لواء بني حرفوش، وفي شمالي لبنان تحت راية آل حمادة. ولم يُعرف بين شيعة حلب وحمص وحماه ودمشق إلّا في أحياء معيّنة مأهولة بمهاجري بعلبك وجبل عامل(3).

يشير الشيخ أحمد رضا إلى أنّ لقب «المتاولة» حلّ محلّ اسم «العلويّين» في القرن الحادي عشر الهجريّ، الذي كان يُطلق على الشيعة في جبل عامل منذ العصور الإسلاميّة الأولى، عندما انقسم المسلمون إلى فرقَتَي العلويّين (مؤيّدي الإمام عليّ عليه السلام) والعثمانيّين (مؤيّدي عثمان).

* أسباب النشأة
يرى الشيخ رضا أنّ إطلاق لقب «المتاولة» على الشيعة في القرن الحادي عشر يعود إلى الظروف السياسيّة السيّئة في ذلك التاريخ، حيث كان كلّ فريق يعتمد على قوّته.

انتشرت الحماسة الوطنيّة بين الشيعة، الذين لقبّوا أنفسهم بـ«بني متوال»، وقد انتشر بينهم في جبل عامل وبعلبك وكسروان دون غيرهم في دمشق وحلب، حيث كانوا يُعرفون هناك باسم «الرافضة»، باستثناء سكّان الصالحيّة في دمشق لأنّهم من مهاجري بعلبك(4).

يوافق المفكّر والكاتب الأمير شكيب أرسلان، الشيخ أحمد رضا في أنّه سمع من الشيخ محمّد عبده المصريّ أنّهم كانوا يقولون للعلويّ «متّ وليّاً لعليّ»، فصيغت من ذلك كلمة «متولّي» ثمّ صارت بتوالي الأيّام «متوالي». ويلاحظ أرسلان غرابة اقتصار هذا اللقب على شيعة جبل عامل وبلاد بعلبك وكسروان، دون شيعة العراق أو الحجاز والهند وحتّى دمشق، حيث يُنعتون هناك بالروافض، والشيعة، والعلويّة، والجعفريّة، وغيرها(5).

أمّا محمّد كرد علي، فيذكر أنّ «المتاولة» مأخوذة من الموالاة، وهي الحبّ والموالاة لأهل بيت النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، موكّداً أنّ المتاولة لم يُعرفوا بهذا اللقب قبل القرن الثاني عشر للهجرة(6).

* جغرافيّة التسمية
ذكر الشيخ محمّد تقي الفقيه أنّ الشيعة في جبل عامل وبعلبك عُرفوا بهذا الاسم بعدما كانوا يُعرفون في بعض العصور بالعلويّة(7). وفي حقيقة الأمر، نجد أنّ التسمية كانت تشمل عموم شيعة لبنان، بمن فيهم شيعة جبل لبنان.

جاء في وثيقة لسكّان جبل لبنان، يعود تاريخها إلى عام 1840م، والتي أعلنوا فيها العصيان ضد النفوذ المصريّ: «نحن المذكورة أسماؤنا من دروز ونصارى ومتاولة وإسلام المعروفين بجبل لبنان...»(8).

أمّا السيّد محسن الأمين، فيرى أنّ لقب «المتاولة» يختصّ بشيعة جبل عامل وبعلبك وجبل لبنان(9). وقد استند في تعميمه هذا إلى المؤرّخين ممّن تقدّموه زمنيّاً، على غرار المؤرّخ حيدر الشهابيّ؛ إذ كان لا يزال هذا الاسم يطلق على عموم شيعة لبنان في القرن الثامن عشر.

وبحسب ما يقول الأمير حيدر الشهابيّ حول تجمّع الشيعة للقتال في معارك جبيل في عهد الأمير يوسف الشهابيّ: «إن الحماديّة(10) جمعوا عيالهم ونزحوا من البلاد، وكانوا نحو ألف نفس من الحماديّة ومتاولة بلاد جبيل»(11).

وقد ورد اسم «متاولة» في تقرير سنة 1861م، أُرسل إلى وزارة الحرب الفرنسيّة عقب حملة على لبنان، واقترح إنشاء حكومة برئاسة أمير مسيحيّ وضمّ مناطق ملحقة، وتضمّن جداول إحصائيّة بأعداد القادرين على القتال من الطوائف المختلفة: «سنّة، متاولة، ودروز».

* موطنها الأصليّ
أمّا لناحية الموطن الأصليّ لكلمة «متوالي»، فيذهب المهاجر إلى أنّها تعود إلى المجتمعات الشيعيّة التي كانت ممتدّة من اللاذقيّة شمالاً إلى صفد جنوباً، صعوداً في التلال المشرفة على الساحل، وصولاً إلى نابلس في فلسطين وعمان في البلقاء وطبريّة في الأردن. ولكنّ الغزو الصليبيّ ضرب تلك الكيانات ضربة قاضية أدّت إلى تبعثر الناجين في البلدان، حيث لجأ سكّان طبريّة وصور إلى جبل عامل، وسكّان طرابلس إلى جبل لبنان. وبذلك، تكون الكلمة ولدت هناك، ومن ثمّ انتشرت بين الشيعة في لبنان(12).

* الاستنتاج
إنّ نشأة الكلمة في القرن الخامس للهجرة/ الحادي عشر للميلاد، وفي بيئة خارجة عن لبنان، هو ما جعل المهاجر يقف في مواجهة الاستنتاج الذي خلص إليه أحمد رضا. غير أنّ ذلك يجعل رأي المهاجر، في ما يختصّ بأصل الكلمة ومنشئها في الأردن وفلسطين، يحتاج إلى الإثبات. فكلّ ما يورده في هذا المجال، لا يخرج عن حدود الافتراض بأنّ ثمّة بيئة شيعيّة متماسكة آنذاك، وهو ما لم نجد له قرينة ثابتة لدى المؤرّخين أو شعراء في تلك البلاد، ومن دون أن نعرف كيف انتقلت من العراق ومصر.

كما أنّ القول بأنّ جبل عامل وجبل لبنان لم يعمرا بالشيعة قبل الغزو الصليبيّ، يحتاج إلى تبرير في مواجهة القول بتشيّع جبل عامل أثناء وجود الصحابيّ الجليل أبي ذرّ الغفاريّ. مع ذلك، فليس غريباً أنّ استخدام الكلمة يمكن أن يكون شائعاً في أقطار انتشار الشيعة، ومرتبطاً بمعنى التولّي من خلال استناد الشيعة إلى واقعة غدير خمّ وحديث الموالاة.

أمّا المعنى المرتبط بالموت على حبّ عليّ «متّ وليّاً لعليّ»، فلا ضير في أن يكون مولده لبنان، وأنّه نشأ في زمن المحنة، وليس في الزمن الذي سادت فيه مناخات الحريّة وارتفاع بيارق للشيعة مع الوجود الفاطميّ والحمدانيّ في شمال أفريقيا والموصل وبلاد الشام في القرن الحادي عشر للميلاد.


(1) مجلّة العرفان، أحمد رضا، مج 2، ص 337.
(2) هي كتب أو وثائق رسميّة كانت تُصدرها الدولة العثمانيّة بشكل سنويّ خلال فترة حكم الإمبراطوريّة.
(3) خطط الشام، محمّد كرد علي، ج 6، ص 254.
(4) مجلّة العرفان، أحمد رضا، مج 2، ص 241.
(5) مجلّة العرفان، شكيب أرسلان، مج 2، ص 445.
(6) خطط الشام، مصدر سابق، ج 6، ص 246.
(7) جبل عامل في التاريخ، محمّد تقي الفقيه، ص 30.
(8) التحوّل السياسيّ في تاريخ لبنان الحديث، إيليا حريق، ص 28.
(9) خطط جبل عامل، محسن الأمين، ص 67.
(10) الحماديّة هم إحدى العائلات أو الفروع الاجتماعيّة التي عُرفت في تاريخ لبنان.
(11) نزهة الزمان في تاريخ جبل لبنان، الأمير حيدر الشهابيّ، ص 971.11
(12) أسامي الشيعة، جعفر المهاجر، ص 67.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع