مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

أخلاقنا: بيتٌ أُسّس على التقوى(*)

آية الله الشيخ حسين مظاهري
 

يفيد القرآنُ الكريم وروايات أهل البيت عليهم السلام أنَّ البيت الذي تحكم فيه المودّة، وروح الخدمة المتقابلة، وتعطِّره الصلاة والصيام وذكرُ الله وتلاوة القرآن والدعاء والمناجاة والتضرّع لله، هو بيت خالٍ من المعاصي؛ لأنّ سكنته يخافون الله، وهو بيت معظَّم عند الله وعند أهل عالم الملكوت والملائكة.


وقد أراد ربّ العالمين أن تُرفع مثل هذه البيوت وتكون معظَّمة ومباركة تشعّ بالنور لأهل السماء مثلما تشعّ نجوم السماء بالنور لنا.

وعلى العكس، نفهم من القرآن وروايات أهل البيت عليهم السلام أنّ البيوت التي تسود فيها العداوة وانعدام الانسجام، وتخلو من الصلاة وتلاوة القرآن والدعاء، وتُرتكب فيها الذنوب، هي بيوت مظلمة غير مباركة، وتتردَّد عليها الشياطين، وتبغضها الملائكة.

•بيوت يُذكر فيها الله
يقول تعالى: ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ﴾ (النور: 36).

لهذه الآية الكريمة ظاهرٌ معناه -كما قدَّمت- هو أنّ ربّ العالمين يؤكّد أنَّ هذه البيوت مقدّسة مثلما هو حال المسجد والمدرسة. وسرُّ تقديسها هو أنّ أهلها مقدّسون، وفيها يُذكر الله تعالى ويُقام كلّ من الصلاة والصيام، ولكونها تخلو من المعاصي والاختلاف والنزاع والتكتّلات المتباغضة.

فالآية الكريمة تُبيّن نموذج البيوت التي يرضاها الله، ولذلك كانت مقدّسة في الإسلام وفي عالم الملكوت، على النقيض من البيوت التي يسودها الاختلاف وعدم الانسجام.

•للبيوت معنىً أعمق
دخل قتادة في محضر الإمام الباقر عليه السلام فأخذته هيبة الإمام، فعبّر (قتادة) أنّه قد التقى كثيراً العلماء وحادثهم، لكنّه لم يُصَبْ بالاضطراب الذي أصابه في محضر الإمام، فعرّفه الإمام عليه السلام بطبيعة المحضَر قائلاً: "أنت بين يدي ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ*رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللهِ﴾ (النور: 36-37)"(1).

فالإمام عليه السلام يوضح أنّ معنى "البيوت" هنا، ليست تلك المبنيّة بالحجارة والطين فحسب، بل تشمل الأبدان المقدّسة للمؤمنين الكاملين؛ كالرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة الطاهرين عليهم السلام.

•محضر الملائكة
ينقل المرحوم الكلينيّ في كتاب (الكافي) أحاديث عدّة عن البيوت التي تحضرها الملائكة، منها ما رواه عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "البيت الذي يُقرأُ فيه القرآن، ويُذكر الله عزّ وجلّ فيه تكْثُرُ بركتُهُ، وتحضره الملائكة، وتهجُرُه الشياطين، ويُضيء لأهل السماء كما تُضيءُ الكواكب لأهل الأرض، وإنّ البيت الذي لا يُقرأُ فيه القرآن، ولا يُذكر الله عزّ وجلّ فيه، تقِلُّ بركتُهُ، وتهجره الملائكة، وتحضُرُه الشياطين"(2).

فالبيت الذي يُتلى فيه القرآن، ويحلّ ذِكر الله فيه هو بيت مبارك يربّي الإنسان الصالح، ويكون المال فيه مباركاً، وتحضره الملائكة، التي تنتفع وتأنس بضياء البيوت الخالية من المعصية، العامرة بالصلاة والصيام والدعاء والقرآن، وتهجره الشياطين؛ لأنّها لا تستطيع الحضور فيه.

•محضر الشياطين
أمّا البيت الذي تسود أهله الغفلة وتُرتكب فيه المعاصي، فتحضره الشياطين، وتهجره الملائكة، وتمحق بركته، ومن الصعب جدّاً أن ينال أهله السعادة. فالبيتُ الذي يسود فيه النزاع، لا يمكن أن يوفِّر سوى الهلع والاضطراب والقلق لصاحبه، والبؤس والأسْرِ لأطفاله، فهو عديمُ البركة حيث يقتل القابليّات والنشاط في الطفل، ويجعله خاملاً.

•على أسسٍ قويّة
يقول تعالى: ﴿أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ (التوبة: 109).

هنا يطرح مثال إقامة بيت على أُسسٍ قويّة؛ فإذا كانت جدرانه قويّة جدّاً، فمن الطبيعيّ أن يكون السقف الذي يُقام عليها مقاوماً ثابتاً، أمّا إذا أُقيم هذا البيت على حافّةِ وادٍ في طريق السيول، فإنّ بقاءَهُ رهينُ السيولِ والعواصفِ، وإذا جاء سيلٌ أو عاصفةٌ، انهارَ البيتُ إلى قعر الوادي. والقرآن يوضح هنا أنّ بيوتكم إذا قامت على أُسس التقوى؛ أي سادت فيها الألفة والمودّة والصلاة والصوم والقرآن وذكر الله ومناجاته والارتباط به تعالى، وخلتْ من المعاصي، كنتم فيها ممَّن يصفهم القرآن الكريم: ﴿يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ﴾ (النور: 37). وهكذا، فالحياة المنقطعة عن الله تنهار بعاصفةٍ واحدةٍ إلى جهنَّم: ﴿وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾. وهذه الهداية هي -كما يُسمّيها علماء الأخلاق- هداية لطف؛ فالألطاف الإلهيّة مرفوعة عن مثل هذه البيوت وعن أصحابها، ولا تحكمها رحمةُ الله وفضله.

•مصدر السعادة
إذاً، فإذا أردتم السعادة والبركة لبيوتكم، فيجب تطهيرها من المعاصي، وعليكم أن تعمروها بإحياء الصلاة فيها. فويلٌ لنا إذا هجرتِ الملائكةُ بيوتَنا، وأعرضتْ يدُ الرعاية الإلهيّة عنّا وعن بيوتنا، وخلت من فضل الله ورحمته، والويل الأشدّ هو لأطفالنا الذين يعيشون في مثل هذه البيوت، فمن العسير جدّاً تربيتهم تربيةً صحيحة. إنّ ما يريده القرآن هو أن يكون بيت الزوجيّة سكناً وطمأنينة، فالزوجة سكنٌ للزوج وهو سكنٌ لها.

وقد وردت تأكيدات مشدّدة في الإسلام على إقامة صلوات النوافل في البيوت، وإقامة الصلوات الواجبة في المساجد جماعةً، فلا تجعلوا بيوتكم تفتقد إقامة الصلاة.
 

(*) من كتاب الأخلاق البيتيّة، الفصل الثالث، ص87- 93.
1.الكافي، الكليني، ج6، ص256؛ بحار الأنوار، المجلسي، ج64، ص357.
2.الكافي، (م.س)، ج2، ص610.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع