مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

احذر عدوك: أولادي في خطر (1)

الشيخ موسى خشّاب


قال تعالى: ﴿وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِن قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَٰذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾ (الأحقاف: 17).

من المؤلم جدّاً أن يفقد الأهل ولدهم في مماته، ولكن الأشدّ إيلاماً أن يفقد الأهل ولدهم في حياته؛ ففي الحالة الأولى يبقى الأمل باللقاء في ذلك العالم الأبديّ، وفي الحالة الثانية قد لا يتسنّى لهم اللقاء به مرّة أخرى. إنّه الرحيل الأبديّ، يرحل عنهم وهو معهم، يكلّمونه فلا يسمع، وينصحونه فلا يقبل، ويدعونه فلا يستجيب، ثمّ يوغل في متاهات الحياة، ويترك سفينة الأسرة، ويأوي إلى جبل الأصحاب ورفاق السوء، ويحول بينهم موج الفراق ليكون من المغرقين في وحول الشهوات.

إنّها قصّة أَلَم يمكن أن يدخل كلّ بيت. أَلَم يحمل معه الكثير من الدموع والآهات، فالحياة ليست مزحة، وتكوين أسرة ليس نزهة، وتربية الأبناء ليست سهلة، إنّها مهمّة شاقّة تحتاج إلى أمّهات وآباء جديرين بحمل هذه الأمانة بكلّ قوّة وعزم في مواجهة أخطر حروب العدوّ.

•أخطر حروب العدوّ
تتّخذ الحرب مع العدوّ أشكالاً عدّة: كالحرب العسكريّة، والأمنيّة، والاقتصاديّة، والسياسيّة، والنفسيّة، ولكن تبقى الحرب الثقافيّة هي الأخطر؛ لأنّها تهدف إلى أن تسلب من المجتمع هويّته الأصيلة والمستقلّة، فيصبح المجتمع ملحقاً بمجتمعات العدوّ ومسلوب الإرادة بشكلٍ كامل.

•نقطة الاستهداف
من الطبيعيّ أن يركّز العدوّ في حربه الثقافيّة على نقاط القوّة الأساسيّة في المجتمع، والمتمثّلة بشريحة الشباب، باعتبارها السدّ والمانع القويّ في مقابل أطماعه في السيطرة على مقدّرات الشعوب وخيراتها، ليخرج شبابها من المعادلة عن طريق كيّ الوعي وتعطيل الإرادة، وتحويل جيلهم إلى جيلٍ غير مبالٍ وغير مسؤول، فيصبح غريباً بين أبناء مجتمعه ومنعزلاً عنهم.

•لماذا يستهدف العدوّ الأسرة؟
تُعدّ الأسرة الخليّة الأساس لبناء المجتمع، وبتفكيكها يتفكّك المجتمع. كما أنّ عزل الشباب عن مجتمعهم يقتضي عزلهم عن أسرهم، وهذا الأمر يتمّ من خلال إيجاد حاجزٍ معنويّ بين الأهل والأبناء وتعزيز الشعور بالغربة لدى الشباب داخل أسرهم، وصولاً إلى أن يعيش الشابّ في عالم خاصّ به. ولا يمكن تحقيق هذا الهدف مع وجود روابط أسريّة محكمة؛ ولهذا السبب، فإنّ إضعاف الروابط الأسريّة يقع على رأس سلّم أولويّات العدوّ.

على هذا الأساس، فإنّ أحد أهمّ واجباتنا التي لا بدّ من أن يحتلّ المرتبة الأولى في سلّم أولويّاتنا هو تقوية الروابط بين أفراد الأسرة وتعزيز العلاقة بينهم، لتبقى الأسرة متماسكةً؛ منعاً لخروج الشباب من هذا الحصن المنيع.

•التحرّر من ضوابط المجتمع والدين
إنّ المضمون الثقافيّ الذي يحاول العدوّ إيصاله إلى عقول الشباب، هو أنّ القيمة الثقافيّة الأساس التي يحترمها الغرب هي الحريّة، وأنّ السمة الأساس للحياة الغربيّة هي التحرّر؛ ولذلك فإنّ الإنسان الغربيّ منتج وناجح ومحترم، وإنّ العائق الأساس الذي يمنع تقدّم الإنسان الشرقيّ، هو القيود والضوابط المنبثقة من الدين والعادات والتقاليد الاجتماعيّة. فالغرب يقول للإنسان الشرقيّ: "عليك التحرّر من سلطة المجتمع والدين لكي تصل إلى ما وصلتْ إليه مجتمعاتنا".

هدف هذه الفكرة أن تصبح نظرة الشاب إلى المبادئ والعادات والتقاليد التي تربّى عليها نظرةَ ازدراء واحتقار، وأن ينظر إلى أفكار العدوّ ومبادئه وعاداته وتقاليده نظرة تعظيم واحترام، وهذا ما يوجِد تلقائيّاً نوعاً من الانجذاب إلى قيم العدوّ الثقافيّة، ونفوراً من القيم التي تربّى عليها، وهذا بدوره يوجِد فجوةً بين الأفكار التي يحملها الأهل وتلك التي يحملها الشاب، فيسير الشاب على طريق سلب هويّته مروراً بالمراحل التالية:
1- الشعور بنوع من الغربة بين الأهل.

2- السعي إلى التميّز في المأكل والملبس والمظهر.

3- الانعزال المعنويّ عن الأهل وعدم تقبّل أفكارهم.

4- الشعور بعدم الانتماء إلى المجتمع.

5- عدم المبالاة بما يجري من حوله، والتخلّي عن دوره تجاه المجتمع.

•نقل العادات الشاذّة إلى مجتمعاتنا
من المعروف أنّ الغرب في حربه الثقافيّة ولضمان نجاحه في مهمّته، عمد إلى إبراز مجموعة من المشاهير من مغنّيين وممثّلين ورياضيّين وغيرهم، ليشكّلوا قدوة بارزة وجاذبة للشباب في تقليد نمط الحياة الغربيّة، والسعي إلى التحرّر من قيود المجتمع والأسرة والدين.

ولكنّ اللافت أنّه يركّز كثيراً على بعض النماذج الشاذّة المتفلّتة من الضوابط والقيود كافّة، والذين يصحّ أن يُصنَّفوا كمرضى نفسيّين بحسب المعايير المتّبعة علميّاً، والهدف هو الإسراع في تحقيق الفجوة بين الشباب وبين المجتمع، واتّساع هذه الفجوة بشكلٍ كبير. ومن هنا، يمكن أن نفهم كيف تنتشر بعض الأمور في مجتمعنا، علماً أنّها غير منتشرة في المجتمع الغربيّ إلّا بين الشاذّين عن الحياة الاجتماعيّة الغربيّة، فتجد أنّ بعض الأمور التي تنتشر بين الشباب في الملبس أو المظهر أو قصّة الشعر مثلاً، لا يفعلها إلّا الشاذّون جنسيّاً في تلك المجتمعات.

•التهديدات والمخاطر
من الواضح أنّ نيران العدوّ المخطّطة تجاه الأسرة المُمانعة، تتعدّى خطورتها تفكيك أواصرها؛ لأنّها تصيب الفرد بالتشوّه الثقافيّ والهشاشة الفكريّة، وهذا يُمهّد ويسهّل عمليّة الاحتلال الفكريّ، بحيث يصبح الفرد تابعاً حقيقيّاً لعدوّه.

وهنا مكمن الخطر، حيث حينها سيخترق العدوّ بسهولة مانعيّة ومقاومة الأفراد النفسيّة، فيمكن أن يتقبّلوا أوّلاً نمط حياته، ثمّ مفرداته، ثمّ مفاهيمه، ثمّ قيمه، إلى التعامل الحقيقيّ معه وتداول المعلومات وتوفير العمالة وغيرها.

وبعبارة أخرى، إنّ العديد من العادات التي انتقلت إلى مجتمعاتنا ليست عادات شعبيّة في الغرب، بل هي عادات لمجموعات محدّدة سِمَتها الانحراف عن الاتّزان ومخالفة الطبيعة، وهذا هو السبب في انتشار ملابس وقصّات شعر مستغربة جدّاً.

وسوف نتناول في العدد القادم إن شاء الله سُبل مواجهة هذه الحرب.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع