مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

الأساليب والوسائل التعليمية عند النبي صلى الله عليه وآله

الشيخ محمّد شمص


بات من المعروف أن الأوساط التربوية، بدأت تستخدم مناهج و أساليب حديثة في إيصال أهدافها التعليمية. لم يعد الأمر مقتصراً على الأسلوب التلقيني كالمحاضرة مثلا ً، و إنما ابتكرت أساليب عديدة منها على سبيل المثال لا الحصر العصف الفكري و العمل الفريقي و محاور الاهتمام... و لا يخفى أيضا على المهتمين بالشأن التربوي الدور الكبير الذي تصنعه هذه الأساليب في إيجاد المناخ التعليمي السليم كتنمية قدرة الطالب على الاستيعاب و الحوار و النقاش و اتخاذ المواقف و غيرها من الايجابيات... 

إن تطور الأساليب جاء متماشياً مع تطور الوسائل التعليمية كالكمبيوتر و الانترنت و استخداماتهما الواسعة في هذا المجال. و لا شك في أن المربين الحقيقيين هم الأنبياء عليهم السلام الذين كانوا يستهدفون في حركتهم صنع الإنسان و إيصاله إلى كماله اللائق من خلال تعاليم الوحي و الذين أمروا بمخاطبة الناس على قدر عقولهم، و تحملوا في سبيل ربط الإنسان بعوالم الغيب الكثير من العناء و الجهد و استخدموا شتى الأساليب في سبيل هذا الغرض.قال تعالى بلسان نوح عليه السلام: ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا ﴿5﴾ فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا ﴿6﴾ وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارً ﴿7﴾ ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا ﴿8﴾ ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا ﴿9﴾ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا ﴿10﴾ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا ﴿11﴾(نوح). فقد كانت دعوة نوح عليه السلام لقومه بأساليب متعددة مستخدماً فيها الجهر و الإسرار و الإعلان في الليل و النهار و الترغيب و الترهيب.  ولا شك أيضا ً أن أعظم مربّي البشرية نبينا محمد صلى الله عليه وآله قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴿2﴾(الجمعة). فقد استطاع هذا النبي العظيم أن يغير و يبدل تلك المفاهيم الجاهلية المطبوعة بأطباع قاسية قساوة الصحراء بتعاليم سماوية سمحاء بكريم صفاته و عظيم أخلاقه. و فضلاً عن كونه القدوة و المثال كان أفصح العرب لا يتكلف القول و لا يقصد تزيينه، جمع كلامه بين المهابة و الحلاوة و بين حسن الإفهام و قلة الكلام و قد نقل عنه صلوات الله عليه وآله أنه قال:" أوتيت جوامع الكلم " أي قلة الكلام مع عميق المعنى و تمام الاستيفاء. و نذكر من أساليبه التعليمية بعض النماذج عسى أن ننتفع بها و الله ولي التوفيق.

أوّلاً: قلب المفاهيم وتعميقها:
1- مر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقوم يتشايلون حجراً، فقال: ما هذا؟ فقالوا: نختبر أشدنا وأقوانا، فقال ألا أخبركم بأشدكم وأقواكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: أشدكم وأقواكم الذي إذا رضي لم يدخله رضاه في إثم ولا باطل، وإذا سخط لم يخرجه سخطه من قول الحق، وإذا ملك لم يتعاط ما ليس له بحق(1).
2- دخل رسول الله صلى الله عليه وآله المسجد فإذا جماعة قد أطافوا برجل فقال صلى الله عليه وآله ما هذا فقيل علاّمة فقال ما العلاّمة فقالوا: اعلم الناس بأنساب العرب ووقائعها و أيام الجاهلية و الأشعار العربية؛ فقال صلى الله عليه وآله: ذلك علم لا يضر من جهله و لا ينفع من علمه، ثم قال صلى الله عليه وآله: و إنما العلم ثلاثة: آية محكمة، أو فريضة عادلة، أو سنّة قائمة و ما خلاهن فضل(2).
3- مرّ رسول الله صلى الله عليه وآله برجل ذهب عقله فقال صلى الله عليه وآله ما له فقيل مجنون فقال بل هو مصاب. المجنون من آثر الدنيا على الآخرة(3).

ثانياً: استخدام الأمثلة و التشبيهات:
و هي كثيرة جداً في كلامه صلوات الله عليه وآله و هذا الأسلوب استخدمه القرآن الكريم:
1- مثل: "الصلاة مثل عمود الفسطاط، إذا ثبت العمود نفعت الأطناب و الأوتاد و الغشاء، و إذا انكسر العمود لم ينفع طنب و لا وتد و لا غشاء"(4).
2- "هذه الدنيا مثل ثوب شق من أوله إلى أخره، فيبقى متعلقا ً بخيط في آخره يوشك ذلك الخيط إن ينقطع"(5).
3- "مثل أهل بيتي كسفينة نوح من ركب فيها نجا و من تخلف عنها غرق"(6).
4- قدم إعرابي من البادية و طلب من النبي صلى الله عليه وآله شيئاً من المال فأعطاه شيئاً إلا أنه لم يقتنع و عدّ ما أعطاه النبي صلى الله عليه وآله قليلاً و تفوه بالخشن البذئ من الكلام مما أثار الغضب لدى أصحاب النبي صلى الله عليه وآله فقاموا يطرحونه أرضا ً فحال النبي صلى الله عليه وآله دون ذلك و أخذ الرجل إلى بيته. و عندما تبين للرجل أن حال النبي صلى الله عليه وآله لا تشبه حال الملوك و الأمراء أظهر الرضا و الامتنان. فقال له النبي صلى الله عليه وآله أحب أن تقول هذا بين أصحابي حتى لا يصيبك منهم أذى ففعل الرجل وهنا التفت النبي إلى أصحابه قائلاً: مثلي ومثل هذا مثل رجل له ناقة شردت فاتبعها الناس فلم يزيدوها إلا نفوراً، فناداهم صاحبها: خلوا بيني و بين ناقتي فأنا أرفق منهم و اعلم، فتوجه لها بين يديها فأخذها من قمام الأرض فردها حتى جاءت و استناخت و شد عليها رحلها ثم استوى عليها، و إني لو تركتكم حيث قال الرجل ما قال فقتلتموه دخل النار(7).

ثالثاً: المبادرة إلى السؤال (عصف الأفكار):
- "قال صلى الله عليه وآله لأصحابه أيّ عرى الايمان اوثق؟ فقالوا الله و رسوله اعلم قال بعضهم الصلاة، قال آخرون الزكاة، قال بعضهم الحج، فقال صلى الله عليه وآله: لكل ما قلتم فضل و ليس به. و لكن اوثق عرى الايمان الحب في الله، و البغض في الله، و توالي أولياء الله و التبري من أعداء الله(8).

رابعاً: لغة الإشارة:
- أنا و كافل اليتيم كهاتين في الجنة" و أشار بالسبابة و الوسطى(9).

خامساً: استخلاص النتائج و العبر بشكل عملي:
- انزل النبي صلى الله عليه وآله أصحابه بأرض جدباء لا نبت فيها و أمرهم بجمع الحطب فقالوا يا رسول الله نحن بأرض جرداء لا حطب فيها، فقال صلى الله عليه وآله: فليأت كل فرد بما يقدر عليه فشرعوا يجمعون ما يشاهدون ثم جاؤوا إلى الرسول صلى الله عليه وآله فتجمع من الحطب مقدار كبير فقال صلى الله عليه وآله: هكذا تجتمع الذنوب الصغيرة مثلما اجتمع الحطب ثم أردف قائلاً صلى الله عليه وآله: إياكم و المحقرات من الذنوب فإن لكل شيء طالباً ألا و إن طالبها يكتب ما قدموا و آثارهم و كل شيء أحصيناه في إمام مبين(10).

سادساً: الأسلوب التطبيقي:
1- دخل النبي صلى الله عليه وآله ذات يوم مسجد المدينة فشاهد جماعتين من الناس، الأولى منشغلة بالعبادة و الذكر و الأخرى بالتعلم و التعليم. فألقى عليهما نظرة فرح و استبشار و قال للذين برفقته مشيراً إلى الجماعة الثانية ما أحسن ما يقوم به هؤلاء ثم أضاف إنما بعثت للتعليم ثم جلس مع الجماعة الثانية(11).
2- استقر رأي الصحابة على ذبح شاة فقال احدهم عليّ ذبحها، قال الثاني: عليّ سلخها، قال الثالث: عليّ طبخها: قال الرابع...(12)
قال النبي صلى الله عليه وآله أما أنا فعلي جمع الحطب فقالوا: نحن نكفيك يا رسول الله فقال صلى الله عليه وآله: اعلم ذلك إلا أنني اكره أن أتميز عليكم فإن الله يكره من عبده أن يرى نفسه متميزاً بين أصحابه ثم قام و جمع الحطب.

سابعاً: اختيار الزمان و المكان:
- اختار النبي صلى الله عليه وآله منطقة غدير خم لإبلاغ ولاية أمير المؤمنين عليه السلام إذ أمر الناس أن ينزلوا في منطقة تتشعب فيها الطرق و في ساعة شديدة الحر حيث إن الرجل ليضع طرفاً من ثوبه تحت قدميه و طرفاً فوق رأسه اتقاء للحر، و في هذا الأمر دلالة كبيرة على أهمية الموضوع الذي يراد إبلاغه، إذ لم ينزلهم النبي صلى الله عليه وآله في هذه المنطقة و في هذه الساعة ليقول لهم أمراً اعتيادياً.

ثامناً: الرسم البياني:
- عن ابن مسعود قال: خط رسول الله صلى الله عليه وآله خطاً بيده ثم قال صلى الله عليه وآله: هذا سبيل الله مستقيماً ثم خط خطوطاً عن يمين ذلك الخط و عن شماله ثم قال صلى الله عليه وآله: و هذه السبل ليس منها سبيل إلا عليه شيطان يدعو إليه ثم قرأ صلى الله عليه وآله: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ...﴿153﴾(الأنعام) (13).
- و أيضا ً عن ابن مسعود قال: إن النبي صلى الله عليه وآله رسم رسماً يوضح الإنسان و أجله و أمله و الأعراض التي تقابله قال: خط النبي خطا ً مربعاً و خط خطاً في الوسط خارجاً منه و خط خططاً صغاراً و هذا الذي في الوسط و قال هذا الإنسان و هذا أجله محيط به أو قد أحاط به و هذا الذي خارج منه أمله وهذه الخطط الصغار الأعراض فإن أخطأه هذا نهشه هذا.(14)
ختاماً، نحن إذ نجلس بين يدي المربي الأول صلى الله عليه وآله جلسة المتعلم، نقتفي آثار علمه و نلتمس دقائق منهجه في هداية الناس و تعليمهم، نغرف من البحر على قدرنا، فهذا ما وصلنا إليه بأذهاننا المحدودة و علمنا الذي هو على قدرنا، و إلا فإن الهادي الأول لا بد أن يكون كلامه و فعله و منهجه متضمنا ً لما لم نصل إلى درك كنهه و سبر أغواره حتى الآن.


1- وسائل الشيعة؛ طبعة: آل البيت؛ الحر العاملي؛ ج: 51 ؛ ص: 361؛ ح: 20744/14.
2- ميزان الحكمة؛ حرف العين؛ باب العلم؛ رقم الحديث؛ 14108.
3- ميزان الحكمة؛ حرف الجيم؛ باب المجنون؛ رقم الحديث ؛2662.
4- ميزان الحكمة؛ حرف الصاد؛ باب الصلاة؛ رقم الحديث؛ 10546.
5- ميزان الحكمة؛ حرف الدال؛ باب الدنيا؛ رقم الحديث؛ 6008.
6- ميزان الحكمة؛ حرف الميم؛ باب الأمثال؛ رقم الحديث؛ 3604.
7- قصص الأبرار؛ الشهيد مطهّري.
8- ميزان الحكمة؛ حرف الألف؛ باب الايمان؛ رقم الحديث؛ 1352.
9- ميزان الحكمة؛ حرف الياء؛ باب اليتيم؛ رقم الحديث؛ 22882.
10- ميزان الحكمة؛ حرف الذال؛ باب الذنب؛ رقم الحديث؛ 6593.
11- قصص الأبرار؛ الشهيد مطهّري.
12- م.ن
13- ميزان الحكمة؛ حرف الميم؛ باب الأمثال؛ رقم الحديث؛18422 .
14- ميزان الحكمة؛ حرف الميم؛ باب الأمثال؛ رقم الحديث؛ 3635.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع