هلا ضاهر برق
يقول اللَّه تعالى في كتابه الكريم: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ (آل عمران: 104). إن فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة مهجورة رغم أهميتها وهي تكليف ملقى على عاتق كل مسلم ومسلمة، ومن يتصدَّ لها يكمل هدف الأنبياء لأن غاية الدين إقامة الحدود واستقامة المجتمع، فالرسول الأكرم صلى الله عليه وآله أمضى عمره الشريف حاملاً هذه الأمانة الإلهية على عاتقه، وهي من أشرف وأسمى الفرائض، فمن أعظم القربات إلى اللَّه تعالى هداية الناس إلى طريق اللَّه سبحانه وتعالى. قال تعالى لموسى عليه السلام: "حببني إلى خلقي وحبب خلقي إليّ"(1) وهذا الأمر يتطلب دقة والتفاتة إلى مجموعة أمور:
* الأسلوب:
لكل قلب طريق لا بد أن ندخل إليه منه وقد أمرنا الرسول صلى الله عليه وآله أن نخاطب الناس على قدر عقولهم، فالأسلوب المتَّبع له دور أساسي في الهداية، فبعض الناس يخضعون عندما يلتفتون إلى عظمة اللَّه تعالى، منهم من يخضع حياءً منه عندما يلتفت إلى نِعم اللَّه تعالى عليه، ومنهم من يحتاج إلى أسلوب الترغيب والترهيب (التخويف من النار والترغيب في الجنة). فلا بد من تشخيص الحالة بدقة وفهم الطرف الآخر، ثم الانتقال إلى مرحلة الإقناع بالأسلوب المناسب، قال تعالى: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ (لنحل: 125). وقد مُدح رسول اللَّه في القرآن الكريم لحسن خلقه ولينه وتأثيره في هداية الناس: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾ (آل عمران: 159). فمن أفضل الطرق للهداية العمل، الذي له وقع في النفوس أكثر من أي كلام فعن الإمام الصادق عليه السلام: "كونوا دعاة لنا بغير ألسنتكم"(2) فكثرة الكلام أحياناً قد تنفر البعض، والإسلام يقول "بشِّر ولا تنفِّر".
* معرفة المانع:
من الضروري الالتفات إلى الأسباب التي تمنع هذا الإنسان من الالتزام بالأوامر والنواهي فقد تكون عنده شبهة عقائدية، أو خلق سيء، أو اتباع هوى (مثل ترك الحجاب حباً بالزينة). بعض الشباب مثلاً يتأثر بمفهوم غربي فاسد ويعجب به ويطبقه دون أن يلتفت إلى خطورته وخلفيته، إذن لا بد من معرفة المانع أولاً والعمل على معالجته ثانياً، وعملية الإصلاح هذه عملية مستمرة ولا تقتصر على زمن معين، لذا ينبغي الصبر لمن يتصدى لأدائها، فالنبي نوح عليه السلام دعا قومه 950 سنة وبشتى الطرق ولم يتوقف إلا عندما أمره اللَّه تعالى بذلك.
* صفات الآمر بالمعروف:
1- معرفته لموارد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومراتبه لأن فاقد الشيء لا يعطيه، فإذا قام بدور أكبر من قدراته العلمية سيكون أمره ونهيه ضعيفين وسيفشل، عن أمير المؤمنين عليه السلام: "ليس يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر إلا من كان عالماً بما يأمر به عالماً بما ينهى عنه"(3).
2- مطابقة قوله وفعله، قال تعالى: ﴿كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾ (لصف: 3)، فالناس لن تتأثر بدعوة من يقول ما يخالف فعله وستشمله لعنة اللَّه فعن أمير المؤمنين عليه السلام: "لعن اللَّه الآمرين بالمعروف التاركين له"(4). ومن أكبر العيب أن تعيب ما فيك مثله لذا ينبغي إصلاح النفس أولاً ثم إصلاح الأهل قبل غيرهم، فالأقربون أولى بالمعروف قال تعالى: ﴿... قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ...﴾ (التحريم: 9) فالذي يأمر بما هو ملتزم به وينهى عما هو معرض عنه سيكون صادقاً، وسيبرأ من النفاق بمطابقة ظاهره وباطنه.
3- مراعاته لمراتب الأمر بالمعروف: لا يصح التعدي من مرتبة إلى أخرى مع حصول المطلوب من المرتبة الأولى، وإذا يئس من التأثير بهم ومن تركهم المنكر بعد استعمال كل المراتب، في هذه الحالة أضعف الإيمان الابتعاد عنهم واجتناب مجالسهم فعن أمير المؤمنين عليه السلام: "أدنى الإنكار أن تلقى أهل المعاصي بوجوه مكفهرة"(5) فإظهار عدم الرضا من هذا الفعل ضروري، ومن كره شيئاً كان كمن غاب عنه، ومن رضي شيئاً كان شريكاً في فعله. إن الهدف من هذه الفريضة هداية الناس وتقريبهم من اللَّه تعالى وإبعادهم عن المعاصي، وعلينا أن نعلم أن الهداية فيض من اللَّه تعالى: ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاء﴾. وقد ورد في الدعاء: "الحمد للَّه الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا اللَّه"(6) والحمد للَّه على هذه النعمة.
(1) حديث قدسي.
(2) بحار الأنوار.
(3) المستدرك.
(4) نهج البلاغة.
(5) الكافي.
(6) دعاء الافتتاح.