نور روح الله | بالدموع الحسينيّة قضينا على الاستكبار* بمَ ينتصر الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف؟ (2)* فقه الولي | من أحكام النزوح تحقيق | قصائدُ خلف السواتر مناسبات العدد ياطر: إرثٌ في التاريخ والمقاومة (2) محميّة وادي الحجير: كنزُ الجنوب الصامد (1) قصة | وزن الفيل والقصب شعر | يا ضاحية الافتتاحية | لحظة صدقٍ مع اللّه

النظافةُ من أدبِ الحضور في المجالس

د. بتول زين الدين

عندما تحضر في مجلس الإمام الحسين عليه السلام، فكأنّك تدخل إلى حرمه، فاحفظ هدوءك واحترامك، ولا تترك وراءك أثراً لا يليق بقدسيّة المكان والمناسبة. وتذكّر أنّ هذا من ضمن الوصايا التي خلّدها سيّدنا الأقدس (رضوان الله عليه) في عاشوراء، حتّى يكون المشهد العام في أماكن إحياء هذه المناسبة لائقاً بعظيم الذكرى، وكي لا يبقى من أثر مجالسنا إلّا كلّ جميل.

* أثر النظافة
ورد عن الإمام عليّ عليه السلامأنه قال: «النظيف من الثياب يذهب الهمّ والحزن، وهو طهور للصلاة»(1). إنّ أول انطباع يرتسم في ذهنك عندما تقصد مكاناً، يرتبط من دون شكّ بشكله، وبمدى جماليّته وانسجام ما فيه وتناغم مكوّناته، ومدى تنظيمه ونظافته، فما الانطباع الذي نعكسه من خلال إحياءاتنا العاشورائيّة؟ ومن المسؤول عن هذا الانطباع؟

في لحظاته الأخيرة، يوصي الإمام عليّ عليه السلام ولدَيه الحسن والحسين عليهما السلام: «أُوصِيكُمَا، وَجَمِيعَ وَلَدِي وَأَهْلِي وَمَنْ بَلَغَهُ كِتَابِي، بِتَقْوَى اللهِ، وَنَظْمِ أَمْرِكُمْ»(2).

فمن أجل الحفاظ على إيماننا وتحصيل أدنى درجات اللياقة ونحن في محضر الله والملائكة، خاصّة أنّنا نجتمع في مجلس الإمام الحسين عليه السلام، حيث تكون الدمعة وانكسار القلب وسيلة لتحصيل البركات المعنويّة، لا ينبغي أن نحرم أنفسنا منها بسبب إهمال أداء الآداب المطلوبة.

* النظافة من تعظيم الشعائر
في كتابه الكريم يخبرنا الله العزيز: ﴿وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ (الحجّ: 32)، فكيف يكون التعظيم؟

إنّ حقيقة التعظيم في الآية الكريمة بحسب المفسّرين تعني «تسامي مكانة هذه الشعائر في عقول الناس وبواطنهم، وأنّ يؤدّوا ما تستحقّه من تعظيم واحترام»(3). أمّا إضافة التقوى إلى القلوب، فللإشارة إلى أنّ حقيقة التقوى -التي تعني تجنّب سخطه تعالى والتورّع عن محارمه- أمر معنويّ يرجع إلى القلوب(4).

إذاً، إنّ تعظيم تلك الشعائر وإظهار جلالها، وإحياء ما يرتبط بها بما يليق، لا يمكن أن يصدر إلّا عن مقامات معنويّة، تستمدّ أصلها من التقوى، فالمتّقون هم أكثر الناس قدرةً على ذلك التسامي والتعظيم. والسؤال هنا: أيّ تسامٍ وتعظيم يبقى عندما نخرج من اجتماع دينيّ خلّف وراءه مظاهر الفوضى؟

أيّ هيبة للشعيرة تبقى بعدما نترك الأوراق والمهملات خلفنا؟

والأهمّ؛ أين بركة الدمعة الحارّة على الإمام الحسين عليه السلام في ترقيق القلوب لنتسامى في كلّ أبعاد النظام واللياقة؟

* ظلم النفس والمجتمع
كلّنا يعلم أنّ الإمام الحسين عليه السلام استشهد لإحياء قيم جدّه صلى الله عليه وآله وسلم: «إنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً، ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمّة جديّ»(5)، من هذه القيم: الصبر، والاقتدار، والحريّة، والعزّة، ورفض الظلم، والنظام العامّ، والنظافة.

من المعروف أنّ ترسيخ سلوك معيّن، يسهم في نقله إلى الجيل القادم بوصفه أمراً اعتياديّاً، فيتحوّل إلى صبغة اجتماعيّة عامّة، نختصرها بمشهد بسيط عندما تبحث عن مستوعب لرمي شيء، فيبادرك صديق يظنّ أنّه يسهّل عليك الأمر بـ: «ارمه على الأرض، ألا ترى الأوساخ في كلّ مكان؟!».

عاشوراء إحدى المحطّات التي تساعد قلوبنا في استقباح القبيح بسرعة، ولفظ ما حوّلته السلوكات غير المنضبطة إلى أعراف عامّة، وإيقاظ قيم الفطرة في نفوسنا، وإحياء منظومة القيم التي خرج الإمام الحسين عليه السلام ليصلحها في أمّة جدّه، فلا نستهيننّ بأبسطها.

* لتحصيل اللياقة
بالتأكيد، إنّ مراعاة البيئة التي تتوجّه إليها النظم، والتدرّج في تطبيقها، واعتماد خطّة منظّمة بعيدة المدى، عوامل تحقّق النتائج المرجوّة، لكنّها جميعها تبدأ من نقطة أساسيّة: «الرغبة في تحصيل اللياقة الحسينيّة»، والتي تتمثّل بمجموعة خطوات، مثل:

1. استقباح مظاهر انعدام النظافة في اجتماعات الشعائر الدينيّة؛ بمعنى عدم القبول بفكرة «وجود المهملات في الأرض أمر عفويّ وطبيعيّ»، لأنّها مظاهر إهمال لا عفويّة، وليست طبيعيّة؛ لأنّ الأصل بحسب فطرة الإنسان النظافة.

2. جمع المناديل الورقيّة المستخدمة في المجلس، وعدم تركها في مكان الإحياء، ورميها في أقرب مستوعب.

3. تقدير الحاجة المطلوبة من الماء والطعام الموزّع على حبّ الإمام الحسين عليه السلام، وعدم رمي ما يفيض منه.

4. استخدام الماء المتبقّي في الأوعية البلاستيكيّة لسقاية نباتات الأحواض على جانبَي الطريق.

5. الاحتفاظ بكيس لاستعماله يوميّاً، أو وضعه في المكان المخصّص بعد الاستخدام.

6. تزويد أفراد العائلة بأكياس يوم مسيرة العاشر لوضع النفايات داخلها، ويمكن توزيع أكياس أيضاً على الجيران ليلة المسيرة.

* كن مبادراً
كثيرة هي التعليمات التي حثّت عليها مبادرات على مدار السنوات الماضية؛ منها مبادرات جمعيّات شبابيّة في تنظيف الشوارع وأماكن الإحياء منذ عام 2015م، وتنظيم حملات توعية حول قيمة النظافة والإرشادات الفاعلة، ومعالجة بعض الثغرات في أماكن الإحياء العاشورائيّة بقالب قصصيّ قيميّ. كما تشارك كشّافة الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف في مشهد توعويّ بعد كلّ مسيرة عاشورائيّة في الضاحية الجنوبيّة لإشراك الجيل الواعد في ترسيخ قيمة النظافة بما يليق بالمناسبة.

لا يجب أن نتّكل على هذه المبادرات لتنظيف ما نفسده، بل لا بدّ من أن تصل الرسالة هذه إلى كلّ حسينيّ، فيكون مبادراً ومسؤولاً وحاملاً للهمّ في الحفاظ على جماليّة المكان؛ لأنّه من غير اللائق أن يترك ضيف الإمام الحسين عليه السلام أثراً سيّئاً مكانه بعد انتهاء المجلس، بل كلّ ما هو طيّب وجميل. قال الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: «إنّ الله طيّب يُحبّ الطيب، نظيف يُحبّ النظافة»(6).

فاترك أثراً طيّباً، فكلّنا مسؤول!


(1) روضة المتّقين، المجلسي، ج 7، ص620.
(2) نهج البلاغة، الشريف الرضي، ج3 ، ص 76.
(3) الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، الشيخ الشيرازي، ج 10، ص 344.
(4) تفسير الميزان، السيّد الطباطبائي، ج 14، ص 374.
(5) بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 44، ص 329.
(6) ميزان الحكمة، الريشهري، ج4 ، ص 2.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع